الأربعاء، 9 يوليو 2025

قصة صورة

 صورة

----------------

كانت تقصد.

بالتأكيد كانت تقصد.

وفعلت ذلك عن عمد.

ربما تكون غير محترفة!

ربما!

عندما أعطيتها الموبايل وطلبت منها أن تأخذ لي صورة.

كانت هى تجلس في الصف الأول، توسمت فيها النقاء والصدق، أعطيتها الموبايل وأنا أضحك: ممكن تصوريني.

وفتحت الكاميرا أمامي.

جريت سريعا ووقفت في أخر الصف تجاه الجهة اليمنى من الطابور الطويل، كنتُ الوحيدة التي تضحك بحبور سعيد، لأن الكاميرا موجهة نحوي والموبايل خاص بي. وهى تجلس في أول الصف أمامي تماماً، وعندما توجهت كل الكاميرات نحونا، ضحكنا جميعا ضحكة كبيرة وواسعة. عندما صرخ رجل هناك فى آخر القاعة وهو يضحك: تشيز يا بنات. وقالت أخرى بصوت مرتفع: بطيخ.

فضحكنا جميعاً ضحكات واسعة وبريئة، نسينا خلالها لمدة ثواني معدودات بعض الأرق والهموم و ساعات السفر والسنوات الكثيرة الماضية.

أنتهى التصوير.

وألتقطت جميع الكاميرات الموجهة نحونا الصور الضاحكة السعيدة.

ونزلنا جميعا من فوق المنصة المرتفعة عن الأرض، وجرينا مسرعات لأخذ الموبايلات من المصورين والمصورات بالقاعة.

وعندما أقتربت منها وأنا سعيدة بالصورة وأقول لها: شكراً جزيلاً لحضرتك.

وأنصرفت، وجلست في المقعد المخصص لي، فتحت الموبايل وأنا في سعادة عارمة، أبحث في الأستديو عن الصورة التي ألتقطتها لي.

فلم أجدها.

أقصد لم أجد صورتي.

وجدت صورة بها جميع الفتايات ضاحكات جميلات سعيدات، ولم أجد نفسي في آخر الصف على اليمين.

وعندما قمت من مكاني، وأخذت الموبايل، وأتجهت نحوها كي أريها الصورة، وأسألها: أين أنا؟

وجدتها تضحك بطريقة بها كثير من الأنتصار واللامبالاة، وقالت بغرور شديد: هو ده الكادر.

قلت لها غاضبة: ولماذا لم أظهر في الكادر؟

ضحكت، وأعتذرت، وقامت واقفة، ثم غادرت القاعة. وأنا أكظم غيظي الدفين.. على ضياع اللحظة.






 

الخميس، 3 يوليو 2025

قصة قصيرة

 حب منتهي الصلاحية

------------------------

 

كم سيكون مرعباً إذا خرجت هذه الروح المتعبة عن الدور المنوط بها!

مذ كانت طفلة صغيرة مكتنزة لم يبرز نهداها بعد، كانت روح حرة، أو ربما روح شريرة، هذا أمر محير لأننا لم نكن معها في طفولتها ولم نتبع خطوات نموها وحياتها بكل دقة ولكننا نعتمد على ما تقوله وتفعله، هى تحبذ دائما الروح الحلوة الطيبة، وظلت لسنوات طوال تجهز نفسها لمهمة شاقة، هى لم تعرف ملامح المهمة بعد، ولكنها كانت كلما نظرت في المرآة ورأت وجهها البض الخجول تبتسم وهى ترسل قبلة إلى نفسها عبر المرآة ثم تقطب حاجبيها أستغراباً وذهولاً عندما ترى علامات النضج المبكر والتضحية بادية على وجهها.

لقد تربت على أن تكون مطيعة، هادئة، طيعة تنفذ الأوامر بكل دقة وتسعد كثيراً عندما تبتسم أمها في وجهها وتقول لها: البنت الشاطرة تقول إيه؟

ترد عليها بهدوء قاتل وهى تحاول جاهدة كظم غيظها: تقول حاضر.

الآن مرت السنون، وتعودت كثيرا على الصمت والقبول الهادئ لكل ما هو سئ ويفرض قوته عليها ولا تقول دائما غير كلمة واحدة: حاضر.

لماذا اليوم تحديداً هى غاضبة؟

عندما نظرت نحو المرآة الكبيرة المعلقة في مدخل البهو الواسع، وقفت دقيقة تنظر نحو وجهها الممتلئ بالتجاعيد، لقد فعلت به السنون أفعال كثيرة بين بكاء وصمت وهجر ونكران، لم تحتمل طويلاً تأمل وجهها في المرآة ولم ترسل له قبلة سعيدة كما كانت تفعل في طفولتها بل جمعت بصاقا كبيرا في فمها ودفعته دفعة قوية نحو وجهها في المرآة وفرت هاربة تاركة قطرات البصاق ينزل على مهل فوق المرآة وهى تتأمله عن بعد في صمت وذهول وأخذت تبتعد.. تبتعد هناك بعيداً فى أبعد مكان وفوق الكرسي الهزاز جلست منهارة تبكي في صمت.

لقد أعتقدت في الماضي ولحماقتها، أن الطيبة والصمت سوف يدفعان عنها غباء وحقد الآخرين!

أخذت تنظر نحو جسدها المتهالك فوق الكرسي والبرد يتسرب إليها من جميع الجهات.

أخذت تفكر طويلا ماذا يحدث لو قامت بتغير عادتها وسلوكها مع الآخرين؟ وصرخت ولو لمرة أخيرة في وجوه الحمقى المستغلين وقالت كلمة واحدة: لا. وتنسى كلمة حاضر نهائياً.هل ستختفي روحها ويتغير جسدها إلى الأفضل وترد له سنواته الماضية وتختفي التجاعيد المحفورة في وجهها؟

لقد كرهت نفسها كرهاً لم تعرفه من قبل.

وأصبحت لا تطيق النظر إلى وجهها في المرآة مرة أخرى مهما مرت من أمام المرآة في الذهاب نحو الطرقة الواسعة  أو الخروج من الحمام، وظلت على هذا الحال طويلا، أيام وأسابيع وشهور حتى فتحت النافذة ذات يوم وأطلت منها، رأت يمامة وديعة تقف على السور المقابل لها تنظر نحوها في صمت وهدوء، قالت داخل نفسها: ربما تكون هذه اليمامة جائعة أو أنها تبحث عن مكان تعشش فيه، دخلت مسرعة إلى المطبخ أحضرت طبقا صغيرا به بعض حبات الأرز وتركته على سور الشباك وأغلقت الزجاج جيدا وظلت تنظر نحو اليمامة الوديعة ربما تقترب من الطعام، ولكنها رأت بعض الغربان تحوم وتحلق عاليا ثم هبطت ووقفت على السور وأخذت تلقط الحب من الطبق. ومازالت اليمامة هناك تقف على السور بعيداً وتنظر نحوها.

فشعرت أن روحها في الداخل ستظل كما هى لن تتغير بتغير الجسد أو الظروف أو ظهور التجاعيد.

ظلت واقفة في صمت حتى أنتهت الغربان من أكل حبات الأرز كاملة ثم طارت محلقة وهى تنعق وترفرف بأجنحتها السوداء ووقفت على الشجرة البعيدة . فتحت النافذة ومدت يدها أخذت الطبق ثم أغلقت النافذة ثانية، وهى في طريقها نحو المطبخ لتعيد الطبق إلى مكانه نظرت نحو المرآة المعلقة  في الطرقة ، رأت   وجهها مرة أخرى وكأن التجاعيد أختفت وظهر وجهها البض البرئ ثانية، أبتسمت في صمت ومرت سريعا متجهة نحو النافذة، نظرت إلى اليمامة على السور رأتها قد طارت وظل مكانها فارغا.

كانت تريد أن تطرح عليها كثيرا من الأسئلة، تريد أن تطرحها منذ زمن بعيد لماذا أنتِ هادئة هكذا؟

لماذا أنتِ وديعة وصامتة؟ لماذا تجلسين على هذا السور طويلا؟ هل عندك يمامات صغيرات تخافين عليها؟ أسئلة وراء أسئلة، رأسها الكبير يمتلئ بالكثير من المسكوت عنه ولكنها رغم ذلك تصمت.

كانت دائما تنتظر نهاية هذا الذل، نعم الذل والقهر الواضح في روحها، لقد بذلت الكثير من عمرها كي تتخلص من هذا الإحساس القاتل، إحساس يمتص روحها وتحاول أن تدفعه خارجها دفعا وتركله بقوة امرأة ضعيفة، ولكن..!

ماذا تفعل في هذا العالم القمئ والذي يشعرها كل لحظة بأنوثتها المهدرة وضعفها المستمر؟

على المنضدة الأمامية بالقرب من النافذة هناك مجموعة من الزهور الحمراء موضوعة داخل إناء زجاجي، الزهور تفتحت بقوة لدرجة أنها أصبحت تتساقط أورقها، وهى كل يوم تجمعها من فوق المنضدة بين يديها بعطف وحنية أم رؤوم ثم تقبلها قبل أن تلقي بها في سلة المهملات.

كانت تمعن النظر كثيرا في هذه الزهور فهى تشعر أنها تذبل وتتساقط أورقها مثلها تماماً.

هنا في هذه المدينة الهادئة البعيدة عن صخب وعنف المدينة الكبيرة ترقد مدينة صغيرة وادعة على أطراف الصحراء، كم تكرهها وكم فتحت النافذة وأطلت منها على الحدائق والأشجار المهملة والمتناثرة هنا وهناك، تقف دقائق، هى دقائق معدودات ثم تشعر بالممل يتسرب إلى روحها المتعبة فتغلق النافذة ثانية على الصمت الداخلي والهدوء الخارجي، هى تعرف روحها جيداً إنها روح تعشق الصخب والضوضاء ولا تمل منه إلا نادرا وهى التي كانت تكره الزحام ولا تطيقه، أصبحت تتمنى أن تسير وسط الناس وتشم رائحة عرقهم النتن في لحظات القيظ ، لحظات الذروة والأزدحام الشديد داخل عربات المترو والباصات وغيرها من وسائل المواصلات المزدحمة.

إن الهدوء شئ قاتل يسحب الروح إلى كهوف مظلمة بعيدة عن الحياة، قاتل مثل الضجيج الدائم ولكنها كانت تحتاج أن تحب نفسها أكثر من ذلك ولا تتعود على الصمت والكتمان الطويل.

إن المرأة تستطيع أن تقاوم جميع الأصوات التي تناديها إلا صوت واحدا هو صوت الحب، لا تستطيع مقاومته خاصة في لحظات الضعف والتردد، والحالة بين، بين، بين النوم واليقظة، الشجن والحزن، الحب والهجر، القوة والضعف، فالحب يكمن في مناطق الضعف في الروح، أما مناطق القوة فهى المناطق التي تقاوم بشدة الذبول والأنزواء من أي هجوم خارجي للذات.

عادت اليمامة الوديعة إلى السور ثانية ووقفت في هدوء ثم طوت جناحيها أسفلها ورقدت في صمت. فتحت المرأة النافذة عن أخرها، وأطلت برأسها، ثم حاولت أن تمد يدها نحو اليمامة الجالسة على السور المقابل في دعة وصمت ولكن المسافة كانت بعيدة بينهما ومهما مدت يدها لا تستطيع الأقتراب منها، أخذت تطل برأسها، ثم بجسمها كاملا، بعد لحظات سمع الجميع صوت أرتطام جسد كبير بالأرض، مع صرخة قوية.

قصة يا مسافر وحدك

 يا مسافر وحدك  

 

ترقص وتطوح بيديها في الهواء عاليا.

على صوت (غالية بن عالي) وهى تغني (يا مسافر وحدك وفايتني..)

عزف الساكس المندمج داخل اللحن بوضوح يعطي طابعا مختلفا تماما عن موسيقى ولحن عبد الوهاب الأصلي للأغنية.

تمنيتُ لحظتها أن أقف إلى جوارها وأطوح ذراعي عاليا في محاولة للرقص والنشوى، ولكن طبيعتي الخجولة المتحفظة حرمتني من فكرة المحاولة.

الحقيقة هو ليس الخجل ما منعني، ولكن الفكرة في حد ذاتها هى أنني لا أعرف الرقص، الرقص كان بالنسبة لي في بيتنا يندرج تحت سقف المحرمات والعيب.

وطنين التحذيرات يملأني (الرقص عيب) بطلي مياصة، مع أنني لا أملك جسد راقص ولا قوام ممشوق، ولكنني كنت أرى البنات بين الحصص يرقصن مثل فراشات طائرة داخل الفصل.

ودائما كنتُ أقف لهن خلف الباب، أسده بظهري كي نشعر بقرب المدرس إذا قام بزق الباب لفتحه.

فتجري البنات مسرعات يجلسن في هدوء، وأنا أفتح الباب بكل ثقة وأضحك في هدوء، فيطمأن المدرس أن الفصل تمام، وأن الأصوات العالية لم تكن من هنا.

أجلس في صمت، والبنات يكتمن الضحك، وينظرن نحوي وهن يهمسن في هدوء وبصوت خفيض: شاطرة. شكرا للشويش عطية.

فعلا تنطبق علي فكرة الشويش عطية .

أكظم غيظي بداخلي وأنا أريد أن أصرخ فيهن لماذا أنتن فرحات، منتشيات، ترقصن في حبوروسعادة وأنا لا؟

ولماذا أنا الوحيدة التي تقف خلف الباب بأستمرار وتسده بظهرها.

وتأتي إلى رأسي أصوات عالية ومحذرة ومنفره (الرقص عيب) البنات المؤدبة تقول حاضر وتسمع الكلام.

في أفراح بنات الجارات كنت أذهب مع أمي، كنت أراها ترقص وتغني وتزغرد لهن، بصوت جميل، وأنا جالسة في صمت أتابع بعيني حركات أهتزاز الأجساد في الرقص والنشوى والحبور والفرح.

وإذا قررت أحدى الجارات أن تمسك يدي وتدخلني داخل الدائرة وسط البنات كي أرقص معهن، كنت أبعد يدها بسرعة وأجلس في مكاني والأصوات العالية المزعجة تملأني (الرقص عيب).

أعود مسرعة إلى البيت، أترك أمي لنشوتها وحبورها مع الجارات، أدخل حجرتي أغلق الباب خلفي، وأذهب في حالة من البكاء الشديد.

يأتي أبي ويسألني من الخارج: أمك فين؟

أجيب في هدوء وأنا أفتح الباب خارجة: ماما في الفرح.

يخلع حذاءه، ويجلس على الكرسي، ثم يضحك وهو يهز رأسه: أعملي لي كوباية شاي يا قطة.

أدخل المطبخ، اسمع صوت عبد الوهاب يشدو عليا: يا مسافر وحدك، يا مسافر وحدك وفايتني، ليه تبعد عني وتشغلني.

حينما أنتهت الأغنية وأغلقت أبنتي صوت المغنية سألتها بهدوء شديد: مين المغنية دي يا قطة؟ ترد بفتور بعد أن تعبت من الرقص: دي غالية بن عالي.

أضحك في مرارة: صوتها حلو. بس عبد الوهاب أحلى.

تغضب أبنتي وتقوم واقفة: يا شيخة حرام عليكي، دا كفاية صوت الساكس وموسيقي الجاز.

أصمت وأنا أستعيد في رأسي صوت عبد الوهاب الشجي وهو يشدو: يا مسافر وحدك. وأبي يشرب من كوب الشاي في نشوة وهدوء.



 

الاثنين، 18 نوفمبر 2024

فصل من رواية عطية الشمس

 (عطية الشمس)

 رواية

صفاء عبد المنعم

-----------------------

 

إهداء إلى/ أبطال رواية من حلاوة الروح

------------------------------------------------

 

(إذا صدقنا الفيثاغوريين فسيجئ يوم نجتمع ثانية في هذا المكان فتجلسون كما أنتم لتسمعوا إلي وأتحدث أنا إليكم كما أفعل الآن.)

                                                                       "أودبومس"

 –--------------------------------------

 

 

 

 

أم الرزق

 

 

زي اليومين دول في الشتا، كات حماتي قعدة على فرشة الصلاة، بتسبح بين المغرب وبين العشا، وسمعتها بتنده عليا بشويش، وبصوت واطي: أنتي يا بت قومي قيدي اللمبة نمرة عشرة، لحسن الدنيا ليلِة، والمغرب غَريب، يا بت قومي.

كل ده وأنا قعدة على عتبة البيت سرحانه، وعماله أفكر، وعينيا عماله تسح دموع، وهات يا عياط، بعد شوية ندهت تاني: أنتي يا بنتي يا حبيتي قومي من بين لعتاب، لحسن مش كويس عليكي، ولا على اللي ف بطنك. هو كل النده ده ومش سمعاني.

وأنا بردو قعدة مكاني عند الباب الكبير بين العتبتين، وعماله أقول في نفسي: والنبي يا رب، يا رازق الطير ف السما، ورازق الدود ف بطن الحجر، أرزقني بحتة عيل ويكون واد، وإنشالله يطلع عبيط.

عشان الناس ما تقولش أم البنات ورثت بناتها العار، وبناتها ما بتخلفش غير بنات زيها، والنبي يا رب يا قادر على كل شئ يا كريم.

وسمعت صوت حماتي تاني وهى عماله تنادي عليا بصوت واطي، عشان حمايا اللى نايم على الكنبة اللي جنبها ف الصالة ما يسمعش صوتها ويصحى، ويدردك الدنيا على راسنا.

- يا بنتي يا حبيبتي، قالو ف الأمثال خدو من قوتكم وقيدو بيوتكم، والمغرب أدن من بدري، والدنيا ليلِة، وقعدة لعتاب مش حلوة عليكي يا أمي، ما تخليش أخت جوزك تأزيكي، قومي يا قلبي زمان الملايكة محوطاكي، وأنتي ف شهرك السابع.

ولما حماتي مالقيتش مني فايدة، ومش برد عليها، راحت هى قايمة واقفة، وجابت اللمبة الجاز نمرة عشرة من على المسمار، وقعدت تقيدها، ووصلت المطبخ، وفضلت تحسس بأديها وتتسند على الحيطان لحد لما جابت الكبريت، وراحت قايدة اللمبة الجاز ومعلقها على المسمار ف الصالة، ورجعت قعدت على فرشتها، ورجعت تنادي عليا من تاني.

- هو أنتي يا بنت الرفضي مش عايزة تقومي من مكانك من بين لعتاب ليه؟ وقعدة تبكي وتنوحي، زي الندابة، إلهي يندبو عليكي يا شيخة.

وقامت حدفاني بفردة القبقاب الكبير، راح جاي في جنبي، قمت صرخت غصب عني وقلت: أي.. أي يا جنبي. بصوت عالي. قام حمايا صحي من نومه، وسمعني وأنا باصرخ، وراح نازل فيها ضرب وتلطيش.

قمت أجري عشان أحوشه عنها، راح القرن طاشش مني، قعدت أصرخ: ألحقيني يا أمه أنا بولد، ألحقني يا با. قام جري وراح شايلني هيلا بيلا وحطني فوق السرير. وهى فضلت تنادي على بنت الجيران اللى قصدنا عشان تنادي على الداية، شوية ولقيت اللى راح نازل مني ووقع على الأرض، وقعدت أصرخ، وحماتي تصرخ وتنادي على بنت الجيران، كل ده وأنا مش قادرة أعمل حاجة، وحتة اللحمة وقعت مني غصب عني على الأرض من فوق السرير الحديد أبو عمدان.

ودخلت حماتي، وراحت واخده حتة اللحمة وحطتها ف حجرها. وجري حمايا وراح ينادي على الداية من بيتها. وسمعت صوت آدان العشا جاي من بعيد، من الجامع اللى هناك عند الوسعاية، فضلت أدعي  وأقول: يا رب والنبي ترزقني بحتة عيل، وإنشالله يكون عبيط.

وكإن ربنا كان قاعد فوق راسي وفاتح باب السما وعلى ما صدق.

وفضلت حماتي تقولي: أدعي يا بت لجوزك ربنا يوسع رزقه ويرزقه برزق المولود الجديد، أدعي يا حبيبتي وأنتي بين أيادي الملايكه، ودعوتك مستجابة.

شوية ودخل حمايا ومعاه الداية. راحت ما سكه العيل من حجر حماتي، وراحت قاطعت الخلاص، ورابطت له سرته، وراحت لفاه ومنيماه جنبي على السرير. ولما حمايا سألها: إيه يا حاجة ولد ولا بنت؟ قالت له وهى بتغسل أيديها بالمياة والصابون: خير يا حاج خير. ولد وإن شاء لله يتربى ف عزكو بس باين عليه ضعيف، عشان أبن سبعة، هات لي كيس قطن كبير يا حج من الأجزخانة لما ألف فيه العيل، عشان يمسكه وأمه تعرف ترضعه، وبعدين راحت بصت ناحية حماتي وقالت لها: جرى إيه يا حاجه فين يا حبيبتي الفرخة العتقية اللي الوالدة هتحطها مكان العيل عشان ترم عضمها؟

قامت حماتي من مكانها وقالت لها: عيني حالا، أصل مكناش عاملين حسابنا، هى ولدت على فجأة.

قالت لها: خلاص يا حاجه هاتي لها بيضتين تلاتة مسلوقين وحطيهم ف معلقة سمنة بلدي كبيرة.

قامت حماتي تجهز الأكل. راحت الداية قالت لها بصوت عالي: والحلبة يا حاجة أوعى تنسي الحلبة بالسمنة البلدي.

وبعدين بصت لي وقالت: يا حبيبتي يا بنتي تولدي فى الشهر السابع وكمان عيل ناقص. ثم أقتربت مني في همس، وهمست لي فى ودني: الحتة اللحمة اللي نزلت باين فيها شئ لله، نازل بيضحك الله أكبر.

 ملت عليها براسي الضعيف المتعب: طمنيني يا خالة، والنبي ولد ولا بنت؟

همست فى ودني وهى بتميل علي بجسمها وتكبس لي ضهري: والله يا بنتي ما حققت قوي، أصل نظري بقى بعافية شوية، بس مش باين له ملامح، ولد ولا بنت أكدب عليكي، الله أعلم، على العموم هو ضعيف، وعنده رجل قصيرة عن رجل، والصباح رباح، والصبح بدري هعدي عليكي قبل ما أروح أطاهر بنتين فى الشارع اللي وراكم، بنات  أم فيفي الخياطة. ملت عليها براسي وهمست لها بضعف شديد: ربنا يقويكي، بس وحياة مقام النبي اللي زرتيه وملستي على شباكه لو طلع بنت أوعي تقولي لحد، قولي ولد وبعدين يحلها المولى.

ثم خرجت من الحجرة وتركتني، وبعدها نمت نوم عميق، ولا أعرفش أمتى خرجت وتركت البيت، ولكن عرفت لما جت فى اليوم التاني أن حماتي قامت أدتها بريزة كاملة، وحتة قماشة حرير أطلس، وأدها حمايا نص ريال وكيلو سكر من ورا ضهر حماتي.

ولما جت وقعدت جنبي ع السرير، حكت لي كل اللي حصل إمبارح. وسندت راسي، وأخدت بأيدي وأتعدلت في فرشتي، وهى تكلمني بهمس عشان محدش يسمعها وقالت لي: أنا هاروح طيارة عند أم فيفي أطاهر البنتين وأرجع لك بسرعه، يكون اللي في البيت صحيو. هزيت راسي فى صمت وما علقتش كتير على اللي قالته إمبارح وكلامها أن الواد فيه شئ لله وأن عنده رجل ورجل، كنت حاسة أن الدنيا عماله تشيل فيا وتحط، والأوضة بتلف بيا وتدور.

حطيت راسي على المخدة، ورحت تاني فى النوم، بس كنت حاسه إن عرقي مرقي، وسمعت صوت من بعيد بينادي عليا، كأنه صوت أمي، أبويا، صوت عرفاه، وعارفة صاحبه، بس مش قادرة أميز هو مين؟ ورحت فى دنيا غير الدنيا، وأنا عماله أخطرف وأنادي عليهم، فين وفين، سمعت صوت حماتي وهى بتحط أيدها على راسي وبتصرخ وبتنادي على جارتنا أم مريم. دخلت بسرعة ولهفة، وحطت أيدها على راسي، وقالت: بسم الصليب، يا لهوي يا خالتي دي سخنة نار حامية.

كنت سامعه كلامهم طشاش كأنه جاي من بعيد، بعيد قوي، ولسه الصوت فى وداني بينادي ومش قادرة أعرف صوت مين بالظبط، وما دريت بروحي إلا وحماتي بتدلق علي مياة بملح، والمياة عماله تطش فى وداني، ولا طشة الملوخية، وفين وفين، فضلت تدعك في راسي وأيديا ورجليا على ما فوقت، وفتحت عينيا، بصيت لقيت حماتي قعدة جنبي على السرير بتعيط  وترقيني، وأم مريم عماله تحط على راسي كمدات مياة ساقعة من القلة. وأول ما فتحت عينيا. شهقت وقالت: باسم الصليب عليكي يا خايتي، العدرا على راسك.

وراحت جايبه سجادة الكنبه وحطاها على جسمي، وأنا برتعش من البرد وأزفزف من السقعة تحت الغطا، وسناني عماله تخبط فى بعض.

فين وفين على آدان الضهر، بصيت لقيت الداية داخلة عليا وهى بتضحك وتبسمل: اسم الله عليكي يا حبيبتي، مالك يا ضنايا.

------------------------------------------------------------------------------  

الجمعة، 15 مارس 2024

رسائل مجدي الجابري

 

صافي / حبيبتي

 

بالأمس "كانت" تنتابني مشاعر الخوف على طاقتنا .. أن تنطفىء .. هل نغامر إذا أصررنا على الحفاظ على داخلنا .. و ضحينا ببعض من الخارج؟ ..

و لماذا هى مغامرة؟ و ماهو الشىء الحقيقي الذي لا يعتبر مغامرة؟

و جودنا البيولوجي مغامرة .. و موتنا مغامرة .. و مابينهما مغامرات صغيرة بين المغامرتين الكبيرتين .. و لكن هنالك شىء واحد ليس بمغامرة بين الحياة و الموت إذا عرفناه على حقيقته .. ألا و هو الحب!

فإذا كنا نعرف نفسينا كاملاً و نثق أننا لا يمكن أن يكون كل منا بمفرده أو دون الآخر .. حقيقياً و كاملاً .. فما خارجنا لا يعتبر أهماله أو التضحية بجزء منه مغامرة.

المغامرة هو أن نقرر الأرتباط و هنالك شىء ما بيننا لم نحسه و نعرفه و نثق فيه ثقة لا يصل إليها الشك .. هل نحن هكذا؟؟

أخاف أن يكون هنالك شىء ما لم تعرفينه فىّ .. و خائفة منه .. أن كان .. فأنا أحبك و أظل فارداً حبي عليكِ و معريا داخلي كي تدخلينه في وضح المشاعر و تقضين عليه .. فأنا لا أحب أن يكون هنالك أحتمال صخرة فى سبيل الوصول إلى الشط الأوحد و النجمة الوحيدة التي ليست نهائية و ثابتة .. بل دائمة التحرك و الأتساع و التوهج الذي لم يغير فى جوهرها بل يعمقه.

صافي ..

أخاف أن تحمّلي الداخل على الخارج .. فيسقط الداخل بسقوط الخارج .. فالداخل و الخارج ليسَ متلاصقين تلاصق الشىء و نقيضه .. بل هما متجادلان و ليسَ متقابلان .. متصارعان صراعا لابد لنا فيه من أن ينتصر الداخل .. و لكن لن يموت الخارج .. بل يعاد صياغته وفقا لما يريده الداخل .. أي وفقا لما نريد .. و هكذا فيه الجدل بينهما مرة أخرى ..الخ

لينتصر الشط و النجمة على كل ما هو وقتي و ثابت.

دقرمتي الجميلة : أحبك .. فلا تقذفيني بحجارة الواقع .. و أن كانت لن تستطيع تحطيمي بعد أكتسابي قوة من ألتصاقنا و تراشقنا .. و لكن حجارة الخارج قد يسقط حجر منها فوق طاقة ما بداخلنا فيكتمها و يمنع من التنفس و الحياة أحد مستواياتها. ..

فنحس مستقبلاً أن شيئا ما ناقص .. و أن ثمة حزن ما على فقد شىء كان يمكن أن لا يفقد إذا كنا أكثر ألتصاقا .. و أقل تسليماً للواقع .. و أقوى ثقة في حبنا الذي أؤمن حق الأيمان أنه عقيدتي الوحيدة التي أرى و أحس فيها الأله و الشعائر و الطقوس و الأخلاص و التوحد الصوفي .. و المناجاة .. و أمل الخلود

فلتسلمي يا حبيبتي من كل نقص .. و لتحبيني أكثر.

مجدي الجابري

1990

--------------------------------------

رسائل مجدي الجابري

 

صافي حبيبتي ..

 

و حشتيني .. يمكن و حشتك؟ لكن مش قادر أفكر أو أركز في أي حاجة غيرك .. العالم من غيرك دمه تقيل قوي .. كل الناس و الممارسات و الأشياء بأحس بيها مزيفة و أنها يجب عشان يبقى لها طعم أنها تتحرك بحب و تشوف بحب و تموت بحب .. بأكتشف كل يوم أنه كان ممكن أكون زي أي حد أو أي حاجة مزيف و ماليش طعم .. لو ما حبتكيش و حبتيني ..

صافي

أنتِ صدقيني سبب الطعم و اللون و الريحة اللي باعيش بيها .. و أنتِ اللي بوجودك جوايا خلتيني بأكتشف الفرق الشاسع بينكِ و بين كل حاجة في الدنيا .. صافي أنتِ أجمل و أرق و أوفا ما في الوجود.

 

.. تصوري لما يكون حد بيحب فيبقي عايز  يدي و مش طالب  حاجة قدامها و يكتشف أن العالم بره منطقة حبه .. عايز ياخد و مايديش .. يبقى إيه اللي ناقص .. أنه يحب.. العالم محتاج يحب .. اللي بيحب يا صافي .. يعطى .. لا يريد جزاءً و لا شكوراً فالله يحب بل الله هو الحب .. و لكن لم يعرف عالمنا الحالي .. معنى الحب .. لأنه ليس له معنى فلسفي يمكن الأقتناع به .. و تعلمه .. فهو ممارسة، فضلاً عن أنه محتاج طبيعة من السهل عليها أنها تعرف إيه الحقيقي اللي ناقصها من المزيف .. و عشان كده ما عرفوش الحب .. خاصة أنتِ .. بتدى من غير ما تطلبي .. لأى حاجة و أي حد يكفيكي أنه بتحسي أنكِ مستريحة و أنكِ أتخلقتي عشان تدي .. فما بالك معايا .. أنا اللي حاسس أني لو فضلت طول عمري و الأعمار التي يجوز أن أحل فيها مرات أخرى .. أديكي فمش  ممكن أكون إلا نبع صغير جنب نبع العطاء الكبير .. صدقيني لو قلت مليون مرة أني ممكن أعمل أي حاجة عشان خاطرك و أديكي كل ما فيا من طاقة عطاء هيبقى قليل عشانكِ ..

صافي.

 أنتِ ما تعرفيش يا حبيبتي أنا بحبكِ قد أيه؟ أنتِ عارفه أنا نفسي دلوقتى أعمل إيه أن صورتينك اللي قدامي يتم التجسيد فيهم .. عارفة كنت خدتك في حضني و ضميتك لصدري قوي .. علىّ أستطيع أن أهبكِ ما لا يمكن أن أهبه لغيركِ .. و من غيركِ تستحق أن أعطيها سر أسرار حياتي ... لا... أتمنى الآن أن نغيب سوياً في قبلةٍ أو في حضنِ حتى نتلاشى كي نوجد مرة أخرى في كيان آخر يحملنا.

صافي

باحبك قوي و لا أقصد المعنى المباشر لما أكتب .. إن هناك منطقة ما أكثر غموضاً من أن تحملها اللغة هى الشعور الحارق و الأحساس الدائم في كل لحظات عمري منذ حبنا المقدس و تقريرة .. الأحساس بأنكِ داخلي في كل خلية مني .. و في كل نفس و في كل نفس الوقت كيانكِ يحسسني بأني لم أفعل من أجل حبنا شيئاً رغم أنه مازال في داخلي الكثير أهبه لكِ حقاً و ليس منحة.

 

 

مجدي الجابري

1988

 

************************* 

 

رسائل مجدي الجابري

 

صفاء

 

 

كتعويذة أو رقية لفك طلّسم غامض. أبدأ أنا الوثني باسمك .. الذي يحويكي صفاءًا داخل حروفه النارية الأربعة كي يفعل فعله السحري و يفتح الأبواب الامرئية لمعبد غامض ..داخله شابة في عينيها بريق لا عمر له .. أزلي .. تجلس في مدخل ساحة من ماء مشتعل محيطة بين رجليها المفتوحتين قليلاً أتونا فوقه مرجل عظيم يغلي شىء ما بداخله .. لا أدرى مابه و لكنها تقلبه بين آن و آخر بقضيب معدني له مقبض خشبي تحتويه بين أصابع كفها .. المقبض على شكل رأس آدمي يشبهني إلى درجة لا يقاربها إلا تشابه الرائحة المتصاعدة من المرجل مع رائحة البطاطا و هى تشوى في الفرن المعدني المقام على عربة خشبية يقودها آدمي .. و أنا أنظر لها و هى خارجة بعد الشي نظرة تشبه نظرة الوجه الآدمي المنحوت على المقبض الخشبي لقضيب المرجل .. هذه النظرة الخشبية الثابتة لآدمي رأى رؤي العين مايحدث داخل المرجل و عرف ما يحتويه و عرف ميكانيزم الفعل .. فتحجر أو تخشبه على هذه الصورة التي تقوم دليلاً على أنه قد رأى و عرف ما كان يجب أن لايعرفه ..!

هل تخطى حدود المعرفة و غاص في عمق الخلق؟؟

أنها النار

 ..

سر اإنضاج صلصالنا الغفل أو أحتراقه!

الطبيعة رحم كبير.

أو بتعبير أدق ..

مرجل فوق أتون يغلي.

أذكر و أنا أحتوى بين كفي جدر البطاطا الناضج جيداً و بخاره يمر بين أنفي ليتخللني ..

أن برومثيوس أول كائن حي أحس بالنار في داخله و أذكر أنها عند مرورها في داخل صلصاله الغفل تحرك صوب أمساكها عن الآلهه و تقديمها للبشر أجمعين متحدياً في ذلك رغبة كتم سر النار المقدسة للآلهه ..

راغباً أن يكشف هو سر ألوهية الأنسان الذي لو وقف عليه لما صار للآلهة معنى .. و على هذا أوقف عمره على كشف سّرها.

و كأننا .. بل أننا بالفعل أول كائنين تشكلا و قذف بهما بقوة يد رحيمة .. داخل الهيولي و في قلبه .. تشكلنا منا و منه .. فأحس أنني كما لو كنت بناءًا مواده منكِ و من الواقع (الهيولي) و أن اليد الرحيمة قد أعادت صهر كل هذي المكونات و مارست إعادة ترتيبي و تكويني في نفس اللحظة التي أعتقد بل أجزم أنها فعلت هذا معكِ .. ثم قذفتنا .. داخلها بلا عون و لا نصير إلا ما ركب و غرس فينا.

 ..

إننا نهبط مكتملين من فوق قمة هيوليه و نتحسس تفاصيله لنخلقه و نحن داخلان فيه.

كي ننقله إلينا ليتحد بنا بشكل أكثر إنسانية عن ذي قبل .. فمازال هذا الهيولي لا أنساني و مازلنا نحاول أنسنته و ترويضه لنخلقه خلقاً حسنا و نهبه من ذاتينا التي هى في مركزيهما الأوحد .. ذات واحدة ..

قلت لنهبه عمقاً و شموليه و حنواً و فرحاً لم يتعود عليها و لم يكن لولانا .. مستعداً لقبولها ..

..،

يبدو أن الهيولي / الواقع .. كان صادم لي و أنا(مفرد) لم استطع قبوله و لم استطع صنع المعادلة التي تحميني فيه و تحميه فىّ .. تلك المعادلة الأنسانية القاسية التي لم يقو عقلي الغبي على خلقها هى سبب ما تركبّ داخلي من مجموعة من المشاعر المتشابكة و المعقدة تعقيداً خارقاً لدرجة يصعب معها أن أحس أحساساً واحدا دون أن يطل أحساس آخر أو أكثر .. برأسه ليقف حائلاً دون الأستمتاع بهذا الأحساس و لو حتى اأحساس اليأس .. فلم أعرفه مفرداً .. فقد يطفو على سطح مشاعري أحساسان متناقضان في نفس اللحظة التي لم أكن مهيأ لها .. و لم يكن عقلي قادراً على تحليلهما و توصيفهما ثم تسميتهما و بالتالي تحل المشكلة.

 ..

 

قبلك .. لم أكن استطيع أن أوصف أي من الأحاسيس!

أو أسميها بأسمائها التي تُعرف بها فيما بعد ..

 

لم أكن أعرف ماهو أحساس الفرح، و ما هو أحساس القهر، و لا أحساس الغربة، و لا أحساس الأنتماء، و لا.. و لا..

و لكنها كانت تأخذ من "صنعي" أسماء تجريدية خائنة بدرجة ما لأنها لا تأتيني بمفردها كما سبق أن قلت؟ ..

و عندما و جدنا كائنين جديدين .. و كنا.

تغير الوضع بل و اسمي بدقة متناهية أحساسى نحوك .. أنه  "الحب" أو فلأكن أكثر صدقا أنه "العشق" الذي لا يعرف التقسيم بين الديونيزية و بين الأفلاطونية .. أنهما كليمها دون أنفصال و دون أرتقاء و تدنى .. أنه اللحمة أو لنقل المركز المنتشر فيمها و المنتشرين فيه و الذي لا يتحقق هو دونهما .. و لا يتحققان دونه .. هذا ما أحس به و ما أفهمه و لأول مرة في حياتي يتطابق حسي مع تسمية له عند هذه الدرجة من التطابق التي تجعلني يصعب علىّ أن أقرر أيهما كان أسبق "الحس أم التصور" .. و لكن هذا ما كان و ما هو كائن و ما سوف يكون ..

وع لى هذا ..

عندما أحاول أن أحقق كينونتي التي لم تكن قبلك .. إلا مجتزئة .. أو لنقل قديمة و غير حقيقية يفاجئني أشياء أقولها بصدق كي تعرفينها فهذا من حقك علىّ و من حقي عليك ..

فيها ..

ثمة مجموعة من الأحاسيس التي كانت سابقاً متشابكة و غير معروفة أو غير قابلة للتسمية تطل متشابكة مع اأحساسى الحقيقي و الجديد .. تطل لا لتلغيه فهذا ما لا أحس به حقيقة .. و لكن لتمارس ضغطاً ما على لغة تعبيري أو ممارسة لحبك فيخرج السلوك أو اللغة مقتضبة أو مبتسرة أو باردة .. فأحس بعدها بخيانة تفعلها اللغة معي ( كلام - حركة – أشارة..الخ ) فأشتعل من الداخل و أود أن أتركك و أمضي خوفاً من تشويه حبي لكي أو تأويله لديكي إلى أشياء لا تمت بصلة لما أكنه و أشتعل به كأن يوصف هذا من قبلكِ بالخجل أو بالطفولة أو عدم الخبرة أو .. أو ..الخ، و بالتالي فأنني أقتل و أحيا معكِ في نفس اللحظة ملايين المرات .. ليس مبالغة بل حقيقة و خاصة في حالات الصمت التي تنتابني و التى دائماً أحاول مصراً على أن لا تؤولي صمتي على أنه تفكير .. لأن مجرد تصور أن صمتي تفكير .. يقتلني .. و يجعلنى ألعن ألف مرة هذا

(الهيول / الواقع) الذي هو مصدر ما أحس به من عدم كوني إنسانا سوياً كآلاف البشر الذين يحسون بأحاسيس بسيطة و عميقة و غير متشابكة فيجدون لغة ذلك طوع أشارتهم.

 ..

ثقي .. أن أردتي ..

أنكِ أجمل من قابلت، و أنكِ كائني الأسمى من كل كوائن هذه الحياة المبتذلة  التي نحياها منفصلين ..

لا أتصور شكلاً لهذا الكيان الذي أنتِ فيه مركزاً و أطرافاً .. جمرة و سلاماً أرضا و سماءًا .. لا أتصور له شكلاً و لا مضمونا بعيد عن أنفاسكِ و التي أصبح صدري لا يتسع إلا لها أو لا .. فلن يسمح لشىء يدخله إلا أنفاسكِ كي تكون مصدر دفئه و لهيبه و إنسانيته .. ثم ليدخل من و ما يشاء لنا دخوله بعد ذلك.

 

أُحبكِ .. ليس فراشات تحترق .. لأننا لسنا قرابين لشىء .. و أني أحبك كونا يتخلق .. نطفة تحوي الأرض و السماء .. و لا يحويها لا أرض و لا سماء .. لا يحويها إلآنا .. أول المبعوثين من رماد الأزمنة ..

..،

صفاء ..

لكِ أنا فأفعلي ما تشائين .. إلا أن تتصوريني في شكل و مضمون غير هذا الذي حاولت فضّه و المصر على أن لا تكونين إلا أنتِ التي أحسّها و ساهمت في صنع كينونته الآنية و الدائمة ..

..،

ليس للدمع متسع غير القلب ..

و ليس لصدري متسع "إلآك" يا صفائي الدائم .. و لنكن .. أو فلنكن ..

 

 

مجدي الجابري

  1988

قصة صورة

  صورة ---------------- كانت تقصد. بالتأكيد كانت تقصد. وفعلت ذلك عن عمد. ربما تكون غير محترفة! ربما! عندما أعطيتها الموبايل وط...

المتابعون