الاثنين، 18 نوفمبر 2024

فصل من رواية عطية الشمس

 (عطية الشمس)

 رواية

صفاء عبد المنعم

-----------------------

 

إهداء إلى/ أبطال رواية من حلاوة الروح

------------------------------------------------

 

(إذا صدقنا الفيثاغوريين فسيجئ يوم نجتمع ثانية في هذا المكان فتجلسون كما أنتم لتسمعوا إلي وأتحدث أنا إليكم كما أفعل الآن.)

                                                                       "أودبومس"

 –--------------------------------------

 

 

 

 

أم الرزق

 

 

زي اليومين دول في الشتا، كات حماتي قعدة على فرشة الصلاة، بتسبح بين المغرب وبين العشا، وسمعتها بتنده عليا بشويش، وبصوت واطي: أنتي يا بت قومي قيدي اللمبة نمرة عشرة، لحسن الدنيا ليلِة، والمغرب غَريب، يا بت قومي.

كل ده وأنا قعدة على عتبة البيت سرحانه، وعماله أفكر، وعينيا عماله تسح دموع، وهات يا عياط، بعد شوية ندهت تاني: أنتي يا بنتي يا حبيتي قومي من بين لعتاب، لحسن مش كويس عليكي، ولا على اللي ف بطنك. هو كل النده ده ومش سمعاني.

وأنا بردو قعدة مكاني عند الباب الكبير بين العتبتين، وعماله أقول في نفسي: والنبي يا رب، يا رازق الطير ف السما، ورازق الدود ف بطن الحجر، أرزقني بحتة عيل ويكون واد، وإنشالله يطلع عبيط.

عشان الناس ما تقولش أم البنات ورثت بناتها العار، وبناتها ما بتخلفش غير بنات زيها، والنبي يا رب يا قادر على كل شئ يا كريم.

وسمعت صوت حماتي تاني وهى عماله تنادي عليا بصوت واطي، عشان حمايا اللى نايم على الكنبة اللي جنبها ف الصالة ما يسمعش صوتها ويصحى، ويدردك الدنيا على راسنا.

- يا بنتي يا حبيبتي، قالو ف الأمثال خدو من قوتكم وقيدو بيوتكم، والمغرب أدن من بدري، والدنيا ليلِة، وقعدة لعتاب مش حلوة عليكي يا أمي، ما تخليش أخت جوزك تأزيكي، قومي يا قلبي زمان الملايكة محوطاكي، وأنتي ف شهرك السابع.

ولما حماتي مالقيتش مني فايدة، ومش برد عليها، راحت هى قايمة واقفة، وجابت اللمبة الجاز نمرة عشرة من على المسمار، وقعدت تقيدها، ووصلت المطبخ، وفضلت تحسس بأديها وتتسند على الحيطان لحد لما جابت الكبريت، وراحت قايدة اللمبة الجاز ومعلقها على المسمار ف الصالة، ورجعت قعدت على فرشتها، ورجعت تنادي عليا من تاني.

- هو أنتي يا بنت الرفضي مش عايزة تقومي من مكانك من بين لعتاب ليه؟ وقعدة تبكي وتنوحي، زي الندابة، إلهي يندبو عليكي يا شيخة.

وقامت حدفاني بفردة القبقاب الكبير، راح جاي في جنبي، قمت صرخت غصب عني وقلت: أي.. أي يا جنبي. بصوت عالي. قام حمايا صحي من نومه، وسمعني وأنا باصرخ، وراح نازل فيها ضرب وتلطيش.

قمت أجري عشان أحوشه عنها، راح القرن طاشش مني، قعدت أصرخ: ألحقيني يا أمه أنا بولد، ألحقني يا با. قام جري وراح شايلني هيلا بيلا وحطني فوق السرير. وهى فضلت تنادي على بنت الجيران اللى قصدنا عشان تنادي على الداية، شوية ولقيت اللى راح نازل مني ووقع على الأرض، وقعدت أصرخ، وحماتي تصرخ وتنادي على بنت الجيران، كل ده وأنا مش قادرة أعمل حاجة، وحتة اللحمة وقعت مني غصب عني على الأرض من فوق السرير الحديد أبو عمدان.

ودخلت حماتي، وراحت واخده حتة اللحمة وحطتها ف حجرها. وجري حمايا وراح ينادي على الداية من بيتها. وسمعت صوت آدان العشا جاي من بعيد، من الجامع اللى هناك عند الوسعاية، فضلت أدعي  وأقول: يا رب والنبي ترزقني بحتة عيل، وإنشالله يكون عبيط.

وكإن ربنا كان قاعد فوق راسي وفاتح باب السما وعلى ما صدق.

وفضلت حماتي تقولي: أدعي يا بت لجوزك ربنا يوسع رزقه ويرزقه برزق المولود الجديد، أدعي يا حبيبتي وأنتي بين أيادي الملايكه، ودعوتك مستجابة.

شوية ودخل حمايا ومعاه الداية. راحت ما سكه العيل من حجر حماتي، وراحت قاطعت الخلاص، ورابطت له سرته، وراحت لفاه ومنيماه جنبي على السرير. ولما حمايا سألها: إيه يا حاجة ولد ولا بنت؟ قالت له وهى بتغسل أيديها بالمياة والصابون: خير يا حاج خير. ولد وإن شاء لله يتربى ف عزكو بس باين عليه ضعيف، عشان أبن سبعة، هات لي كيس قطن كبير يا حج من الأجزخانة لما ألف فيه العيل، عشان يمسكه وأمه تعرف ترضعه، وبعدين راحت بصت ناحية حماتي وقالت لها: جرى إيه يا حاجه فين يا حبيبتي الفرخة العتقية اللي الوالدة هتحطها مكان العيل عشان ترم عضمها؟

قامت حماتي من مكانها وقالت لها: عيني حالا، أصل مكناش عاملين حسابنا، هى ولدت على فجأة.

قالت لها: خلاص يا حاجه هاتي لها بيضتين تلاتة مسلوقين وحطيهم ف معلقة سمنة بلدي كبيرة.

قامت حماتي تجهز الأكل. راحت الداية قالت لها بصوت عالي: والحلبة يا حاجة أوعى تنسي الحلبة بالسمنة البلدي.

وبعدين بصت لي وقالت: يا حبيبتي يا بنتي تولدي فى الشهر السابع وكمان عيل ناقص. ثم أقتربت مني في همس، وهمست لي فى ودني: الحتة اللحمة اللي نزلت باين فيها شئ لله، نازل بيضحك الله أكبر.

 ملت عليها براسي الضعيف المتعب: طمنيني يا خالة، والنبي ولد ولا بنت؟

همست فى ودني وهى بتميل علي بجسمها وتكبس لي ضهري: والله يا بنتي ما حققت قوي، أصل نظري بقى بعافية شوية، بس مش باين له ملامح، ولد ولا بنت أكدب عليكي، الله أعلم، على العموم هو ضعيف، وعنده رجل قصيرة عن رجل، والصباح رباح، والصبح بدري هعدي عليكي قبل ما أروح أطاهر بنتين فى الشارع اللي وراكم، بنات  أم فيفي الخياطة. ملت عليها براسي وهمست لها بضعف شديد: ربنا يقويكي، بس وحياة مقام النبي اللي زرتيه وملستي على شباكه لو طلع بنت أوعي تقولي لحد، قولي ولد وبعدين يحلها المولى.

ثم خرجت من الحجرة وتركتني، وبعدها نمت نوم عميق، ولا أعرفش أمتى خرجت وتركت البيت، ولكن عرفت لما جت فى اليوم التاني أن حماتي قامت أدتها بريزة كاملة، وحتة قماشة حرير أطلس، وأدها حمايا نص ريال وكيلو سكر من ورا ضهر حماتي.

ولما جت وقعدت جنبي ع السرير، حكت لي كل اللي حصل إمبارح. وسندت راسي، وأخدت بأيدي وأتعدلت في فرشتي، وهى تكلمني بهمس عشان محدش يسمعها وقالت لي: أنا هاروح طيارة عند أم فيفي أطاهر البنتين وأرجع لك بسرعه، يكون اللي في البيت صحيو. هزيت راسي فى صمت وما علقتش كتير على اللي قالته إمبارح وكلامها أن الواد فيه شئ لله وأن عنده رجل ورجل، كنت حاسة أن الدنيا عماله تشيل فيا وتحط، والأوضة بتلف بيا وتدور.

حطيت راسي على المخدة، ورحت تاني فى النوم، بس كنت حاسه إن عرقي مرقي، وسمعت صوت من بعيد بينادي عليا، كأنه صوت أمي، أبويا، صوت عرفاه، وعارفة صاحبه، بس مش قادرة أميز هو مين؟ ورحت فى دنيا غير الدنيا، وأنا عماله أخطرف وأنادي عليهم، فين وفين، سمعت صوت حماتي وهى بتحط أيدها على راسي وبتصرخ وبتنادي على جارتنا أم مريم. دخلت بسرعة ولهفة، وحطت أيدها على راسي، وقالت: بسم الصليب، يا لهوي يا خالتي دي سخنة نار حامية.

كنت سامعه كلامهم طشاش كأنه جاي من بعيد، بعيد قوي، ولسه الصوت فى وداني بينادي ومش قادرة أعرف صوت مين بالظبط، وما دريت بروحي إلا وحماتي بتدلق علي مياة بملح، والمياة عماله تطش فى وداني، ولا طشة الملوخية، وفين وفين، فضلت تدعك في راسي وأيديا ورجليا على ما فوقت، وفتحت عينيا، بصيت لقيت حماتي قعدة جنبي على السرير بتعيط  وترقيني، وأم مريم عماله تحط على راسي كمدات مياة ساقعة من القلة. وأول ما فتحت عينيا. شهقت وقالت: باسم الصليب عليكي يا خايتي، العدرا على راسك.

وراحت جايبه سجادة الكنبه وحطاها على جسمي، وأنا برتعش من البرد وأزفزف من السقعة تحت الغطا، وسناني عماله تخبط فى بعض.

فين وفين على آدان الضهر، بصيت لقيت الداية داخلة عليا وهى بتضحك وتبسمل: اسم الله عليكي يا حبيبتي، مالك يا ضنايا.

------------------------------------------------------------------------------  

فصل من رواية عطية الشمس

  (عطية الشمس)  رواية صفاء عبد المنعم -----------------------   إهداء إلى/ أبطال رواية من حلاوة الروح --------------------------...

المتابعون