صفاء
كتعويذة أو رقية لفك طلّسم غامض. أبدأ أنا الوثني باسمك .. الذي يحويكي
صفاءًا داخل حروفه النارية الأربعة كي يفعل فعله السحري و يفتح الأبواب الامرئية
لمعبد غامض ..داخله شابة في عينيها بريق لا عمر له .. أزلي .. تجلس في مدخل ساحة
من ماء مشتعل محيطة بين رجليها المفتوحتين قليلاً أتونا فوقه مرجل عظيم يغلي شىء
ما بداخله .. لا أدرى مابه و لكنها تقلبه بين آن و آخر بقضيب معدني له مقبض خشبي
تحتويه بين أصابع كفها .. المقبض على شكل رأس آدمي يشبهني إلى درجة لا يقاربها إلا
تشابه الرائحة المتصاعدة من المرجل مع رائحة البطاطا و هى تشوى في الفرن المعدني
المقام على عربة خشبية يقودها آدمي .. و أنا أنظر لها و هى خارجة بعد الشي نظرة
تشبه نظرة الوجه الآدمي المنحوت على المقبض الخشبي لقضيب المرجل .. هذه النظرة
الخشبية الثابتة لآدمي رأى رؤي العين مايحدث داخل المرجل و عرف ما يحتويه و عرف
ميكانيزم الفعل .. فتحجر أو تخشبه على هذه الصورة التي تقوم دليلاً على أنه قد رأى
و عرف ما كان يجب أن لايعرفه ..!
هل تخطى حدود المعرفة و غاص في عمق الخلق؟؟
أنها النار
..
سر اإنضاج صلصالنا الغفل أو أحتراقه!
الطبيعة رحم كبير.
أو بتعبير أدق ..
مرجل فوق أتون يغلي.
أذكر و أنا أحتوى بين كفي جدر البطاطا الناضج جيداً و بخاره يمر بين أنفي
ليتخللني ..
أن برومثيوس أول كائن حي أحس بالنار في داخله و أذكر أنها عند مرورها في
داخل صلصاله الغفل تحرك صوب أمساكها عن الآلهه و تقديمها للبشر أجمعين متحدياً في
ذلك رغبة كتم سر النار المقدسة للآلهه ..
راغباً أن يكشف هو سر ألوهية الأنسان الذي لو وقف عليه لما صار للآلهة معنى
.. و على هذا أوقف عمره على كشف سّرها.
و كأننا .. بل أننا بالفعل أول كائنين تشكلا و قذف بهما بقوة يد رحيمة ..
داخل الهيولي و في قلبه .. تشكلنا منا و منه .. فأحس أنني كما لو كنت بناءًا مواده
منكِ و من الواقع (الهيولي) و أن اليد الرحيمة قد أعادت صهر كل هذي المكونات و مارست
إعادة ترتيبي و تكويني في نفس اللحظة التي أعتقد بل أجزم أنها فعلت هذا معكِ .. ثم
قذفتنا .. داخلها بلا عون و لا نصير إلا ما ركب و غرس فينا.
..
إننا نهبط مكتملين من فوق قمة هيوليه و نتحسس تفاصيله لنخلقه و نحن داخلان
فيه.
كي ننقله إلينا ليتحد بنا بشكل أكثر إنسانية عن ذي قبل .. فمازال هذا
الهيولي لا أنساني و مازلنا نحاول أنسنته و ترويضه لنخلقه خلقاً حسنا و نهبه من
ذاتينا التي هى في مركزيهما الأوحد .. ذات واحدة ..
قلت لنهبه عمقاً و شموليه و حنواً و فرحاً لم يتعود عليها و لم يكن لولانا
.. مستعداً لقبولها ..
..،
يبدو أن الهيولي / الواقع .. كان صادم لي و أنا(مفرد) لم استطع قبوله و لم
استطع صنع المعادلة التي تحميني فيه و تحميه فىّ .. تلك المعادلة الأنسانية
القاسية التي لم يقو عقلي الغبي على خلقها هى سبب ما تركبّ داخلي من مجموعة من
المشاعر المتشابكة و المعقدة تعقيداً خارقاً لدرجة يصعب معها أن أحس أحساساً واحدا
دون أن يطل أحساس آخر أو أكثر .. برأسه ليقف حائلاً دون الأستمتاع بهذا الأحساس و لو
حتى اأحساس اليأس .. فلم أعرفه مفرداً .. فقد يطفو على سطح مشاعري أحساسان
متناقضان في نفس اللحظة التي لم أكن مهيأ لها .. و لم يكن عقلي قادراً على
تحليلهما و توصيفهما ثم تسميتهما و بالتالي تحل المشكلة.
..
قبلك .. لم أكن استطيع أن أوصف أي من الأحاسيس!
أو أسميها بأسمائها التي تُعرف بها فيما بعد ..
لم أكن أعرف ماهو أحساس الفرح، و ما هو أحساس القهر، و لا أحساس الغربة، و لا
أحساس الأنتماء، و لا.. و لا..
و لكنها كانت تأخذ من "صنعي" أسماء تجريدية خائنة بدرجة ما لأنها
لا تأتيني بمفردها كما سبق أن قلت؟ ..
و عندما و جدنا كائنين جديدين .. و كنا.
تغير الوضع بل و اسمي بدقة متناهية أحساسى نحوك .. أنه "الحب" أو فلأكن أكثر صدقا أنه
"العشق" الذي لا يعرف التقسيم بين الديونيزية و بين الأفلاطونية ..
أنهما كليمها دون أنفصال و دون أرتقاء و تدنى .. أنه اللحمة أو لنقل المركز
المنتشر فيمها و المنتشرين فيه و الذي لا يتحقق هو دونهما .. و لا يتحققان دونه ..
هذا ما أحس به و ما أفهمه و لأول مرة في حياتي يتطابق حسي مع تسمية له عند هذه
الدرجة من التطابق التي تجعلني يصعب علىّ أن أقرر أيهما كان أسبق "الحس أم
التصور" .. و لكن هذا ما كان و ما هو كائن و ما سوف يكون ..
وع لى هذا ..
عندما أحاول أن أحقق كينونتي التي لم تكن قبلك .. إلا مجتزئة .. أو لنقل
قديمة و غير حقيقية يفاجئني أشياء أقولها بصدق كي تعرفينها فهذا من حقك علىّ و من
حقي عليك ..
فيها ..
ثمة مجموعة من الأحاسيس التي كانت سابقاً متشابكة و غير معروفة أو غير
قابلة للتسمية تطل متشابكة مع اأحساسى الحقيقي و الجديد .. تطل لا لتلغيه فهذا ما لا
أحس به حقيقة .. و لكن لتمارس ضغطاً ما على لغة تعبيري أو ممارسة لحبك فيخرج
السلوك أو اللغة مقتضبة أو مبتسرة أو باردة .. فأحس بعدها بخيانة تفعلها اللغة معي
( كلام - حركة – أشارة..الخ ) فأشتعل من الداخل و أود أن أتركك و أمضي خوفاً من
تشويه حبي لكي أو تأويله لديكي إلى أشياء لا تمت بصلة لما أكنه و أشتعل به كأن
يوصف هذا من قبلكِ بالخجل أو بالطفولة أو عدم الخبرة أو .. أو ..الخ، و بالتالي
فأنني أقتل و أحيا معكِ في نفس اللحظة ملايين المرات .. ليس مبالغة بل حقيقة و خاصة
في حالات الصمت التي تنتابني و التى دائماً أحاول مصراً على أن لا تؤولي صمتي على
أنه تفكير .. لأن مجرد تصور أن صمتي تفكير .. يقتلني .. و يجعلنى ألعن ألف مرة هذا
(الهيول / الواقع) الذي هو مصدر ما أحس به من عدم كوني إنسانا سوياً كآلاف
البشر الذين يحسون بأحاسيس بسيطة و عميقة و غير متشابكة فيجدون لغة ذلك طوع
أشارتهم.
..
ثقي .. أن أردتي ..
أنكِ أجمل من قابلت، و أنكِ كائني الأسمى من كل كوائن هذه الحياة
المبتذلة التي نحياها منفصلين ..
لا أتصور شكلاً لهذا الكيان الذي أنتِ فيه مركزاً و أطرافاً .. جمرة و سلاماً
أرضا و سماءًا .. لا أتصور له شكلاً و لا مضمونا بعيد عن أنفاسكِ و التي أصبح صدري
لا يتسع إلا لها أو لا .. فلن يسمح لشىء يدخله إلا أنفاسكِ كي تكون مصدر دفئه و لهيبه
و إنسانيته .. ثم ليدخل من و ما يشاء لنا دخوله بعد ذلك.
أُحبكِ .. ليس فراشات تحترق .. لأننا لسنا قرابين لشىء .. و أني أحبك كونا
يتخلق .. نطفة تحوي الأرض و السماء .. و لا يحويها لا أرض و لا سماء .. لا يحويها إلآنا
.. أول المبعوثين من رماد الأزمنة ..
..،
صفاء ..
لكِ أنا فأفعلي ما تشائين .. إلا أن تتصوريني في شكل و مضمون غير هذا الذي
حاولت فضّه و المصر على أن لا تكونين إلا أنتِ التي أحسّها و ساهمت في صنع كينونته
الآنية و الدائمة ..
..،
ليس للدمع متسع غير القلب ..
و ليس لصدري متسع "إلآك" يا صفائي الدائم .. و لنكن .. أو فلنكن
..
مجدي الجابري
1988