بحث /ألعاب الأطفال
الشعبية بين الأندثار والبقاء ( الكاتبة صفاء عبد المنعم )
مقدمة :
الشعب المصرى فنان بطبعه .
والجماعة الشعبية برغم الظروف التى تمر بها
الآن , مازالت تنتج أبداعا شعبيا , وتطوره حسب العصر الذى تعيش فيه , ومازالت تدخل
المدخلات العصرية , وتخرج ما يحلو لها ويتماشى مع فهمها وقيمها وعقيدتها الشعبية .
ورغم تغير المسمى للجماعة الشعبية أو المفهوم
, فأحيانا تسمى با ( العشوائيات – البيئة – اللوكال ...) ويصفون أهلها بالبلطجة
أحيانا أخرى , وذلك بسبب الهجرات الى أحياء جديدة , ألا أن القليل والنادر مازال
يحافظ على هويته الشعبية ومعدنه الأصيل بما فيها من أخلاقيات وأعراف وعادات
وتقاليد .
وهذا ما جعلنى أختار منطقة ( بولاق أبو العلا
) مركزا للبحث لتوفر الشروط السابقة , وبرغم صعوبة التواصل والعثور على أطفال
يلعبون فى الحوارى الآن , ولكن مازال صفة الأصالة متوفرة , فمنطقة بولاق من المناطق
العريقة تاريخيا وجغرافيا .
منطقة البحث : ( شارع ظهر الجمال – والشيخ
على- وشركس)
تاريخيا : تمتد منذ عصر الخديوى أسماعيل
تقريبا , ولقد ذكرها الجابرتى فى كتابه ( القاهرة والجبرتى , وهى مشهورة بثورة
القاهرة الثانية أيام الأحتلال الفرنسى فى عهد ( كليبر ) وأبلى أهل بولاق بلاء
حسنا فى هذه الثورة بقيادة الشيخ البشتيلى والشيخ البولاقى وغيرهما .كما كان يوجد
بها مطابع بولاق التى أنشأها محمد على .
جغرافيا : يحدها النيل والزمالك شمالا ومبنى
وزارة الخارجية والتليفزيون غربا , ووكالة البلح ورملة بولاق والساحل شرقا , وشارع
الجلاء والأسعاف ومبنى الأخبار والأهرام ودار القضاء العالى جنوبا .
وبرغم استمرار نزوح أهالى المنطقة الى
المناطق القريبة مثل بشتيل والعمارة ومطار أمبابة ,بسبب الزواج أو البيوت القديمة
الأيلة للسقوط , الا أن صلتهم بالأهل مازلت قائمة , وأبنائهم يتعلمون فى مدارس
بولاق بجميع المراحل الى الآن .
ومايحدث الآن فى منطقة بولاق والرملة من
تهجير للناس بحجة توسيع ( مربع ماسبيرو ) ,الا أنه مازال هناك بعض الألعاب الشعبية
القليلة التى تمارس فى الحوارى والأزقة المحصورة بين جامع السلطان أبى العلا
والتليفزيون .
وسوف أقوم بتحليل بعض الألعاب المجموعة الآن
فى ديسمبر 2012 , ومقارنتها ببعض اللعاب التى جمعتها من حى المطرية فى 1990 وكانت
تلعب فى الشوارع أواخر الستينات .
ولقد لاحظت من خلال الجمع الحفاظ على القالب
الموسيقى كما هو ( النغمة الموسيقية ) وكذلك ( الأداء الحركى ) للعبة سواء فردية
أو جماعية .
والأختلاف حدث فقط فى تبديل الكلمات , لقد تم
استبدال جزئى فى الأغنية , كما حدث فى لعبة ( ياعمال العمالين ) الحديثة , ولعبة (
بريلا بريلا بريليلا ) القديمة .
وكذلك فى أغنية ( تلات معالق ع السفره ) المطلع
الغنائى ثابت , والأختلاف فى متن الأغنية ونهايتها .
فكما يتناقل التاريخ الشفاهى والأدب الشعبى
مثل ( الأغانى والحكايات وغيرها ) فالجماعة الشعبية بما تملكه من وعى خاص بذاتها
ونشأتها ومتطلبات وجودها وأليات تطورها , فهى قادرة على التعديل والتبديل والتطوير
فى تراثها الشفاهى بما يتوائم مع أفكارها ومستحدثات العصر الذى تعيش فيه .
ولقد رأينا على سبيل المثال ماحدث من تطور
للنكته أثناء الثورة فى 25 يناير .
والألعاب الشعبية قابلة لهذا التعديل بسرعة
وسهولة دون التأثير على ( اللحن ).
فى البداية :
كان يرتكز اهتمامى على جمع المادة ( الأغانى
والألعاب ) دون البحث عن التعديل أو الأضافة , ولكن كان هناك دائما سؤال يؤرقنى ,
لماذا قمت بجمع هذه المادة , وماضرورة وجودها الآن ؟؟
هل من باب جمع تراث شفاهى فى طريقه الى
الأندثار ؟
أم هناك سؤال شاغل ومحير لضرورة هذا الجمع !
أنه سؤال الهوية .
الشعب الذى لا يحافظ على تراثه , ويتنازل عن
عاداته وتقاليده هو شعب مجهول الهوية .
ومع أزدياد وزحف الثقافة البدوية بتراثها
الثقافى والدينى , وتمكين الثقافة الوهابية من مصر .
كان
كل يوم يزداد حماسى تجاه هذا الموضوع جمع ( التراث الشعبى ) بكل أشكاله المختلفة .
حسب ميتيح لى ويتوفر من مواد قابلة للجمع ,
وبيئة تتوفر فيها شروط الجمع .
ووجدت بداخلى شجنا وحنينا عاطفيا الى جمال
يتوارى خلف مستحدثات جديدة من تكنولوجيا ووسائل تعليم حديثة , وتربية تدعو الى
النزعة الفردية والعنف , على عكس الألعاب الجماعية فهى تربى لدى الفرد حب التعاون
والمشاركة والزعامة وأحترام قانون اللعبة بما لها من قواعد وأصول .
وكان علىّ أن أنظر نظرة حضارية لتراثى
وتاريخى ومكانتى النسانية , نظرة تقدير وأحترام .
فالمجتمع المصرى : "مجتمع فريد , متميز
, فيلسوف ومسالم ."
والشخصية المصرية :" هى تتابع لتعاقب
حضارات توالت على مصر , بالأضافة الى موقعها الجغرافى المؤثر فى شخصيتها" .
والأنسان المصرى :" انسان يؤمن بديمومة
الحياة والروحانيات مبالغ فى مشاعره وحزنه وفرحه ".
والأدب الشعبى : "لابد أن يتوافر فيه
الرواية الشفوية , وأن يعبر عن شخصية الجماعة ".
البحث :
الألعاب الشعبية :
نشاط جماعى يشترك فيه أكثر من شخص , وهى
تساعد على النمو الحركى والجسدى بالأضافة الى النمو العقلى , بماتحمله من تصورات
فكرية ومشاعرية تناقلت عبر الأجيال المختلفة , وكما ينتقل الأنسان من مكان الى
مكان , كذلك تنتقل الأفكار معه , وبحكم حركة التاريخ والعلم , أصبح الحزف والأضافة
من متطلبات العصر وضرورة حتمية للأستمرار والتطور , فأصبح من السهل تبديل الكلمات
مع الحفاظ على الأيقاع اللحنى , وكأنه هو ( البيت المحمى ) أو المحمية الطبيعية ,
وأصبحت هناك كلمات مندثرة وغير مدرك لمعناها الحقيقى مثل ( كانى ومانى ودكان
الزلابانى ) وكذلك هناك ألعاب لها أصول فرعونية مسجلة على جدران المعابد مثل لعبة
( هز ياوز ) ولكن الآن اسمها تغير أصبحت ( عنكب شد وأركب )
وهناك ألعاب تعتمد على سرعة البديهة والمهارة
الذهنية مثل ( الأحاجى أو الألعاز ) والمسألة الآن أندثرت تماما , لقد جلست مايقرب
من ساعتين مع الأطفال أحاجيهم ولا أحد يعرف الأجابة أو يفهم اللغز ( حجر جنجر فى
الأرض ينجر يبيض ويفقس ما حد ينضر ؟) لاأجابة , وهكذا غيرها من الأحاجى والألعاب
التى كنت أمارسها وأنا صغيرة مع الأطفال فى أواخر الستينات من القرن الماضى مثل لعبة
( الجاموسة والدة , الدبة , الشحات ) .
تحليل بعض الألعاب :
أولا لعبة ( تلات معلق ع السفره )
الحديثة : ديسمبر2012
تلات معالق ع السفره
واحده ترن
واحده تزن
وواحده تقول ياماما
عايزه أكل مكرونه
المكرونه عند البقال
والبقال معاهوش فلوس
والفلوس فى الخزنه
والخزنه عايزه مفتاح
والمفتاح عند الفلاح
والفلاح عايز تفاح
والتفاح فى الميه
والميه عايزه حنفيه
أخص عليكى ياميه
دانتى مصديه .
الحديثة : 1990
تلات معلق ع السفره
واحده ترن
واحده تزن
وواحده تقول ياماما
عايزه أكل مكرونه
والمكرونه فى الكسرونه
والكسرونه فى النمليه
والنمليه فى العمليه
والعمليه فى المستشفى
والمستشفى بعيده عليا
أخص عليكى يارجليا .
جمع : 1985
تلات معالق ع السفره
واحده تزن
واحده ترن
وواحده تقول ياماما
عايزه أكل مكرونه
والمكرونه عند الفلاح
والفلاح عايز تفاح
والتفاح فوق الشجره
والشجره عايزه ميه
والميه من عند الله .
التحليل :
نلاحظ أن الأغنية بها ثلاثة تغيرات فى ثلاثة
أزمنة حدثت فى المعنى اللفظى للكلمات , ولكن الأيقاع اللحنى واحد ثابت كما هو ,
والمقطع الأول ثابت كذلك , التغير حدث فى المقطعين الأخريين .
التغير الأول :
العملية فى المستشفى
والمستشفى عايزه فلوس
والفلوس فى الخزنه .
التغير الثانى :
الفلاح عايز تفاح
والتفاح فوق الشجره
والشجره عايزه ميه
والميه من عند الله
التغير الثالث :
التفاح فى الميه
والميه عايزه حنفيه
أخص عليكى ياميه
دانتى مصديه .
التبديل والتغير الفكرى من مقطع المستشفى
وصولا الى الميه مصديه ومعناها أنها غير صالحة للشرب ( تلوث ) وهذا بناء على أهمال
الحكومة للمناطق العشوائية وأكتشاف أن المرض وارد , وهذه أضافة جديدة الآن , دليل
على أن الطفل يتأثر بالبيئة والأحداث التى تدور من حوله وتشكل وعيه وثقافته
,وأدمجها فى الغناء لعل صوته يصل للمسئولين لحل مشكلته, مثلما حدث فى مقطع (
الفلوس فى الخزنة ) فهو بفطرته يدرك أن المسألة أصبحت صعبة والعلاج يحتاج الى
مبالغ مادية كبيرة , والمستشفى باهظة التكاليف , وهى لا يملكها لأنها فى الخزنة ,
والخزنة أما أن تكون فى البنك أو عند الأغنياء وفى كلا الحالتين هو لا يملكها .
فنلاحظ أن تطور الوعى لدى الجماعة الشعبية
يدرك خطورة الأزمة والواقع الذى يعيش فيه من فقر وأهمال .
اللعبة الثانية ( ياعمال العمالين )
تقسم البنات الى مجموعتين , المجموعة الأولى
مكونة من ثلاث بنات , والمجموعة الثانية باقى اللاعبات .
الأولى : صباحكو بالخير ياعمال العمالين
الثانية : مسيكم بالخير ياعمال العمالين
الأولى : عايزين ناخد منكم هذه الصبيه
( مع الأشارة الى الفتاة التى تم أختيارها من
المجموعة الثانية )
الثانية : والله ماتاخدوها الا بألف وميه
الأولى : هنكسر أعمالكم
الثانية : طظ
الأولى : هنخرب بيوتكم
الثانية : طظ
الأولى : خدناها خدناها خدناها بالقوه
ياللا ياصبيه أركبى العربيه
( ويتم أخذ الفتاة المشار اليها بالقوة ,
وتنضمالى المجموعة الأولى , ويصبح العدد أربعه )
الثانية : خدوها خدوها أوعو ترجعوها
وتستمر اللعبة هكذا الى أن تنضم جميع الفتيات
من المجموعة الثانية الى المجموعة الأولى , وتظل واحدة فقط فتقوم هى بعد ذلك
بأختيار فتاتين من المجموعة الأولى , وتعكس اللعبة , المجموعة التى كانت الأولى
تصبح هى المجموعة الثانية وهكذا .
نلاحظ :
أن هذه اللعبة والتى تلعبها البنات الآن فى
عام 2012 فى حى بولاق أبو العلا , تتشابه فى الحركات مع لعبة بريلا بريلا بريليلا
, ولقد لعبتها فى أواخر الستينات , نفس الحركات مجموعتين من البنات , يشبكن أيديهن
مع بعضهن خلف الظهر , ويقفن كل منهما أمام الأخرى ويتقدمن بعض الخطوات التى تشبه الرقصة
البسيطة ( الأمام للخلف ) ونفس اللحن , الختلاف فى الكلمات .
الأولى : بريلا بريلا بريليلا
الثانية : عايزين مين ؟
الأولى : عايزين سعاد
الثانية : تيجيبوا لها أيه ؟
الأولى : نجيب لها جزمه
الثانية :ما تقضيهاش
الأولى : نجيب لها شنطه
الثانية : ماتقضيهاش
الأولى : نجيب لها فستان
الثانية : ميقاضيهاش
الأولى : نجيب لها غويشة
الثانية : أتفضلوا خدوها
(وهكذا تظل المجموعة الأولى ترفع من قيمة ما
سوف تأتى به من أجل سعاد الى أن توافق المجموعة الثانية , فتقول : أتفضلوا خدوها ,
وتنضم اليهم وتستمر اللعبة أو تنتهى ).
فالجماعة الشعبية فى لعبة بريلا تعرف قيمة
الفرد فيها ولا تفرط فيه بسهولة الا فى حالة أن يكون الثمن غالى ويعرف الآخر قيمته
الحقيقية .
أما فى لعبة ياعمال العمالين والتى تلعب الآن
يتضح فيها العنف والتهديد وأستعراض القوة (هنكسر أعمالكم وهنخرب بيوتكم ) ( خدناها
بالقوة ) .
خاتمة :
لاحظنا فى المقدمة أن مفهوم الجماعة الشعبية
يتغير ويتحول وهذا طبيعى لأن الجماعة الشعبية ليست كتلة ثابتة , بل متحركة وتستفيد
من ميتحدثات العصر ( النت , الموبايل ) فالآن مثلا أصبحنا لا نسمع أغانى الأفراح
القديمة , ولكن ( الدى جى ) وأغانى الأفلام والمسلسلات هى التى تحتل الساحة ( عبدو
موته , الضوء الشارد , ذئاب الجبل وغيرها ) وهناك بعض الظواهر التى كادت أن تندثر
( طقس السبوع والطهور والحنة ) وحل محلها طقوس وعادات من ثقافة أخرى ( العقيقة ,
الأفراح الدينية والغناء الأسلامى ) فهى ليست من صميم الثقافة
المصرية , فهناك أزاحة وهذا يؤدى الى فقد
الشعب لهويته .
المصادر :
سيد عويس : كتاب من وحى المجتمع المصرى
عبد الحميد يونس : كتاب الأدب الشعبى
صفاء عبد المنعم : كتاب أغانى وألعاب شعبية
للأطفال
الرواة :
تلاميذ مدرسة أبو الفرج الأبتدائية شارع 26
يوليو بولاق
الكاتبة فى سطور:
مديرة مدرسة بأدارة غرب القاهرة
صفاء عبد المنعم , قاصة وروائية وباحثة بالأدب الشعبى .
عضو أتيلية القاهرة , أتحاد الكتاب , نادى
القلم الدولى
جمعية الفلكولورين .
دراسات عليا من أكاديمية الفنون بالهرم
,الدبلومة المهنية لجودة المدرسة .
الأصدارات :
القصص ( حكايات جدتى 84 - تلك القاهرة 90- أشياء صغيرة وأليفة 1996- بنات فى بنات 2000-بشكل أو بآخر2008- أنثى
الخيال 2011)
الروايات ( من حلاوة الروح ( بالعامية )
2001- ريح السّموم 2003- قال لها ياأنانا 2008- التى رأت 2008 – مثل ساحرة
2009- بيت فنانة 2010- فى الليل لما خلى
2010 )
تحت الطبع :
سيدة المكان – الألعاب الخطرة ( قصص )
حافة الروح – ستى تفاحة ( روايات )
داية وماشطة – حكايات من حلايب ( دراسات
شعبية )