السبت، 8 سبتمبر 2012

شتاء مبكر ( قصة قصيرة ) مايو 2000

كان عليه أن يقطع المسافة الفاصلة بين بيتهم والمطبعة فى خمس دقائق , حتى لا يصاب بالبرد , ويعاوده الألم .
الشتاء جاء مبكرا !
ولم يحتاط فلا ملابسه , ولم يرتد الجاكت الجلد .
مرت سنوات وهو يلهث , يسعل , يعرق , ثم يشعر بالتعب .
مرت سنوات وهو يتحسس جرحه الذى يخترق ساقه .
قال لها يوما : أنه سقط من الطابق الثانى , وهو يحاول تعليق الستارة على الشباك .
وحدث ماحدث .
عرج خفيف بالقدم اليمنى , جعله يسير مثل أوزة متأرجحة .
ضحكت وهى تحاول لم فمها : كنت شقى ؟
- أنا ؟
  بالعكس .. أخيب خلق الله .
هو يتحسس البرد .
وهى تدفئه بصدرها .
وتفتح زجاجات عطرها , وتصب على يديه .
- يخلى ريحتك حلوة , بدل ريحة الرصاص اللى مالية هدوك .
منذ زمن و وهو بين الرصاص وعمال  المطبعة , ورثها عن أبيه , حاول مرات ومرات التخلص منها .
ولكن أمه تقف حائلا بينه وبين رغباته .
هو يحب الهواء , ورائحة البحر .
وهى تقف مهددة , وعيناها مليئة بالدموع .
- عايز  تسيبنى؟
- يامه الرصاص ملانى , وصدرى بقى مصفة .
صرخاتها الطويلة . جعلته يترك أحلامه على عتبة قلبها .
ويقبلها فى حنو وضعف .
- أمرك .
  مش هاسيبك .
الرصاص ملئه .
ملأ حياته ,ملأ ملابسه ,
أحتل مكان اليود والبحر , وأزاح أحلامه بعيدا , نسى رحلاته , شواطىء حلمه .
كلما مد يده تجاه الحلم , وسافر معه .
تعيده أمه بصراختها : عايز تسافر وتسيبنى ؟
وأتت الشيخوخة مبكرة .
وأتى الشتاء مبكرا , وحط رحاله على قلبه وصدره , الملىء بالرصاص والألم .

                                               ********************
                                                                                                  مايو 2000
 

فصل من رواية عطية الشمس

  (عطية الشمس)  رواية صفاء عبد المنعم -----------------------   إهداء إلى/ أبطال رواية من حلاوة الروح --------------------------...

المتابعون