السبت، 2 فبراير 2019

مقالة

ياليل يا عين!
صفاء عبد المنعم
عطر الأحباب
هكذا غنى يحيى حقي أغانيه الجميلة.. وعندما يضيق بي الحال نفسيا، أذهب إليه.. أتنفس في رحابه فتعود نفسي ممتلئة على أخرها.
عرفت يحيى حقي في أوائل الثمانينيات عندما كنت أخطو أولى خطواتي الأدبية..
قرأته كاملا وعرفته عن قرب، زاد شغفي به وولعي بأسلوبه، فتعلمت منه (اختيار اللفظ).. كلمة واحدة فقط تؤدي المعنى ذاته، وليس بديلا عنها أي كلمة أخرى، فأبعدني عن الترهل والثرثرة والحشو. فبعدت عن الطريقة التي يلجأ إليها بعض الكتاب من فقر في الروح أو جدب في الفكر بالثرثرة والتكرار.
وأحببت عنده التقاطه من (اللعبة الشعبية) كلمات وتراكيب بذوق وحس مرهف.
تعلمت هذه الخاصية وتوالت كتاباتي مانحة إياي شرف هذا الالتقاط، فتأتي الكلمات في سياقها مشحونة بطاقة حب ومحملة بإيحاءات من تراث الشعب وروحه وخبراته (لقد عشقت هذه الشعب) لا تحل مكانها كلمات فصيحة مهما حاولت، فهي تعطى مدلولا آخر ومعنى آخر وسياقات أخرى.
ولكن هذه الكلمات (الآتية من ذاكرة الشعب ومحملة بروحه) لا بديل عن مذاقها اللاذع، ورائحتها المحملة بخبرات السنين الطويلة.
فالمصري مولع بالغناء مرهف الحس، شجي.. حياته سلسلة من الحب والغناء والعاطفة الجياشة وهذه الكلمات لها عطرها الخاص.. فهو كاتب يستطيع أن يجعل البساط أحمدي، ويتبسط مع القارئ، وهذه البساطة لا تأتي إلا بمعرفة وثيقة بالناس ومخالطة بهم، خاصة البسطاء منهم، وأنا أشبه أستاذي في ذلك، فعملي كمدرسة في بيئة شعبية (مثل المطربة) فتحت أمامي مغاليق وروح هذا الشعب من موال وتراث، وأفكار.. أستاذي الجليل صاحب الدقة والضبط والتحديد وانطباق الكملة والمعنى مثل انطباق الجسد والروح.
ـ الملاحظة..
تدع الفنان يدخل إلى عالم القص المتوهج بالحياة، والقادر على تجسيد الشخصية والحدث.
ـ صمت الكاتب.
لايقل عن إفصاحه، قدرته على البوح.
ـ أن يكون الكاتب شاهدا أمينا على عصره.
يصف ويحلل ما حدث..
(صح النوم) عندما طرد يحيى حقي من (المجلة) عام 70.
وعرضت عليه الجامعة الأمريكية طبع الأعمال الكاملة عام 71.
أدرك بشاعة ما سيحدث بعد ذلك، وزحف التخلف العقلي.. وتم إغلاق 7 مجلات ثقافية، ورفض العرض الأمريكي وتوجه إلى هيئة الكتاب لطبع أعماله، ورغم قلة العرض مقارنة بالآخر قبل الفتات، مقابل رفض التكالب على المال، ونجح بدبلوماسية في ترسيخ تقليد جميل هو.
ـ إصدار الأعمال الكاملة من هيئة الكتاب.
ـ وتوفر أعماله في أيدي القراء وانتشارها.
(البوسطجي)
في اليوم التالي لوفاته، مع نشر نعيه، طلب ممن يقرأ نعيه، أن يقرأ له الفاتحة، وطلب من أهله سرعة دفنه، وأوصى ألا يقيم له أهله سرادق عزاء.
فاتحة أخيرة على روح أستاذي الجليل يحيى حقي.
(من باب العشم).
أخبار الأدب
25 أبريل 2004قالة

فصل من رواية عطية الشمس

  (عطية الشمس)  رواية صفاء عبد المنعم -----------------------   إهداء إلى/ أبطال رواية من حلاوة الروح --------------------------...

المتابعون