السبت، 2 فبراير 2019

مقالة

حلاوة هذه الروح
أحمد الخميسي
لصفاء عبد المنعم أربع مجموعات قصصية، ورواية أولى هي "من حلاوة الروح" صدرت عام 2001 ورواية ثانية جديدة صدرت هذا العام عن مكتبة الأسرة هي : "ريح السموم" علاوة على ذلك فإن هناك ثلاثة أعمال أخرى في طريقها للنشر عما قريب. وهكذا فإننا أمام كاتبة شابة نسبيا لديها نحو تسعة أعمال أدبية وهو معدل أكثر مما هو مألوف لمثل هذه السن، وربما يكون الدافع إلى ذلك الإنتاج الوفير حرص الكاتبة على الاستمرار وإخلاصها لقضية الأدب، أو أن هناك درجة من التعجل عند صفاء عبد المنعم في صياغة تجربتها. وأذكر بهذا الصدد أن كاتبا كبيرا كان يكتب وينشر في مطلع حياته كثيرا، إلى أن بعث إليه أحد الأصدقاء برسالة قال له فيها: "لا تبدد مبكرا كل ما لديك من مخزون". هناك موضوعات تستحق من الكاتب أن ينتظر ليس فقط إلى أن تختمر هذه الموضوعات، ولكن إلى أن تختمر نظرته إلى الكتابة، فلا يهدرها. القضية الرئيسية في اعتقادي عند تناول كاتب ما هو السؤال عن جديته، وعمقه، عن نظرته الخاصة، وعن علاقته الوثيقة بالتعبير عن عدمها. من هذه الزاوية فإن صفاء عبد المنعم موهبة كبيرة وحقيقية ولا يختلط رنين صوتها بأي صوت آخر. ويكفي للقارئ أن يطالع مجموعتها القصصية المسماة "بنات في بنات" (هيئة الكتاب) ليتأكد من ذلك، ولكن الانتقال من تلك المجموعة القصصية إلى رواية "من حلاوة الروح" ثم إلى الرواية الأخيرة "ريح السموم" يضيف إلى صورة صفاء عبد المنعم بعدا آخر غير جديتها وعلاقتها الوثيقة بالتعبير الأدبي، ذلك أن قراءة تلك الأعمال الثلاثة معا تكشف بوضوح عن تجربة متعددة الأصوات تتحرك من مجال إلى مجال، ومن عالم نفسي واجتماعي وفني، إلى آخر. صفاء عبد المنعم في كل ذلك هي صفاء عبد المنعم. لكن حيرتها تنتقل وتتحرك وتفتش عن نفسها، انظر "بنات في بنات" لترى عالم المرأة إذا جاز القول. ثم انظر بعد ذلك مباشرة إلى "حلاوة الروح" لترى الكاتبة وهي تقتحم العالم الموضوعي بالبحث عن سيرة عدة عائلات يقتلها الفقر في حي عشوائي. والآن اقرأ "ريح السموم" لترى كيف تبحث الكاتبة في موضوع مختلف تماما ينتسب حسب التوصيف القديم إلى باب العلاقة بين الشرق والغرب، والإسلام والمسيحية، أو ينتسب إلى عذاب البشر بين عالمين ومجتمعين. ويتضح هذا التردد الفني والفكري الخصب أيضا على مستوى الطرق الفنية والتعامل مع اللغة، فقد كتبت "من حلاوة الروح" كاملة بالعامية، وبدت فيها الشخصيات كأنها تقف على منصة مسرح أقرب إلى الكورس القديم. في "ريح السموم" تلجأ صفاء عبد المنعم لوسيلة معروفة هي عرض الحدث من وجهة نظر عدة شخصيات لا تكتب صفاء عبد المنعم موضوعا واحدا تتبدل صياغاته. ويبدو لي هذا التجدد، والتجريب، أقرب إلى التأمل بالممارسة في شئون الحياة والكتابة معا، وهو تأمل قد يلوح مضطربا في بعض الأحيان، لكن هل هناك كاتب حقيقي يخلو من هذا الاضطراب الخصب الذي يشبه حركة ألسنة اللهب في اتجاهات مختلفة؟ لا تحاول صفاء أن تخفي كل هذه الحيرة. بل إنها على العكس من ذلك تعلن دهشتها من "أولئك المستقرين الذين يتكلمون وهم في وضع ثابت وآمن وبثقة، كأن العالم استقر واتضح أمامهم". وفي روايتها "ريح السموم" تقول صفاء على لسان إحدى شخصياتها "عليك أن تخطئ قدر ما تستطيع" هكذا تجرب صفاء قدر ما تستطيع لكنها تجرب على مستوى الرؤية والوسائل والمادة بأصابع كاتبة حقا. وقد يكون السؤال الذي يعذب صفاء عبد المنعم، وليس ثمة كاتب أصيل من غير ذلك هو: أي عالم نعيشه؟ وكيف يمكن أن نراه؟ وما الذي ينبغي لي أن أفعله تجاه هذا العالم؟.
في روايتها الأخيرة "ريح السموم" ترفض صفاء عبد المنعم أن تسكن "خانة ثابتة من الاطمئنان والخشوع والوهم" ولذلك تطرح قضية الشك في التقاليد والمعتقدات والمجتمعات وتعلي على كل ذلك الحب.. هناك حكاية وديع المسيحي الذي أحب فاطمة وهما صغيران، ثم كتب في غرامها قصيدة وحيدة تركها أمانة لدى مروة العبد، وهاجر إلى الخارج. هناك مصير فاطمة التي أجبرها أخوها على الهجرة معه إلى الخليج والزواج من شيخ عربي كان أخوها يعمل عنده. هناك قبل ذلك قصة العمة عاليا التي تزوجت فرنسيا وهاجرت معه إلى باريس، وأنجبت منه سليمان، ثم عادت إلى مصر. هناك مصير مروة العبد ذاتها التي عاشت في باريس وعادت إلى القاهرة ثم قررت أن ترجع إلى وطنها. إن صفاء تجرب ليس فقط على مستوى المادة وطرق الكتابة والرؤية بل وعلى مستوى الشخصيات حين تعرضهم للهجرة، واحدا بعد الآخر، من هناك إلى هنا وبالعكس، لتنظر إليهم وتسأل نفسها: والآن أين هو الصواب في كل ذلك؟ تسعى صفاء عبد المنعم بالكتابة إلى معرفة العالم، واتخاذ موقف منه. ولديها أن ما تكتبه سيحدد موقفها من كل شيء. وليس العكس ومن المؤكد على أية حال أننا أمام صوت أصيل يبحث بحرارة عن طبقة الصوت الأجمل عند إنشاده هذه النغمة أو تلك
أخبار الأدب

فصل من رواية عطية الشمس

  (عطية الشمس)  رواية صفاء عبد المنعم -----------------------   إهداء إلى/ أبطال رواية من حلاوة الروح --------------------------...

المتابعون