- أخيراً يوجد مطر -
في نهاية اليوم ، ستجلس امرأة وحيدة فى شرفة حجرتها ، تحيك قميصاً مبتلاً
.. وتنزل ستائر الدنتيلا .
ستجلس تحيك قميصا مبتلا ، وتنزل ستائر الدنتيلا دون أن تبتهج ، دون أن تنظر
إلى الشرفات . دون أن تدمع عيناها .. فقط تجلس تخيط قميصاً .
عامودان من النور ينزلقان فوق رأسها . تفتح عينيها فى هدوء ، ونعومة ، تنظر
إلى السماء ترى سحباً قد تجمعت .
تغلق عينيها على المشهد ، وتسبح مع الأحلام ، مع المطر . تنزلق من الشرفة
إلى الشارع .تزيح المارين أمامها . ينزلق شعرها الأبيض منسابا ، ناعما ، هادئا ،
مبتلاً .
تنزلق الأيام على تنورنها ، فتسير عبر الطرقات بلا تنور ، بلا حذاء ، بلا
أيام ، بلا قميص تحيك فقط تسير مع المطر .
بشعرات بيضاء ، هائمة مثل مراهقة ، فى
الثالثة عشرة ، تهوى صيد الحكايات ، وتبحث عبر فتحات النوافذ والمداخل عن نظرة ناعسة تغزوها .
فتفر هاربة ، منبطحة على وجهها .
يُخرج المطر رائحتها ،
يخرج المطر قلبها ،
يخرج المطر ردفيها المتأرجحين فى نشوة ،
يخرج المطر ثدييها النابتين تحت القميص
البفتة ،
يخرج المطر حنينها إلى طفولة بعيدة ..
بعيدة .
إذا رأيت هذه المرأة العجوز ، المراهقة ، الطفلة ،
لا تقف أمامها ،
لا تسد الطريق عليها ،
لا تنشر رائحتك حولها ،
لا تحاول أن تحتويها بين ذراعيك ،
فقط أتركها تمر .
أتركها تنشر أعضاءها المبتلة عبر
الشوارع و الميادين .
أتركها تتخلص من أسرها ،
من نشوتها ،
من تاريخ أصابعها ،
أتركها تمرق ، ولا تتبعها ،
أتركها تمر من أمام الباب مبعثرة الشعر
تنظر إلى المدخل المظلم .
تتخيل حبيباً يقف على مبعدة ، يمد
ذراعيه لاحتوائها .
تحت السلم
.
فتفر منه هاربة .
ربما يطول قبلة أو يتركها .
ربما يجعلها تمر فرحة بإفلاتها .
ربما يجعلها منساقة إلى المجهول .
ربما لا يكون هناك حبيبا .
فقط تمر منتشية . فاردة ذراعيها .
فاردة ذراعيها،
فاقدة تنورنها ،
ناشرة خصلات شعرها ، فاردة أصابعها نحو
المطر .
هذه المرأة ، المراهقة ، الطفلة ، التي تحتوى العالم ، ولا تبال بك.
هي ابنة هذا العمر ،
هي ابنة الثالثة عشرة ،
هي التي تستدعى طفلة فى عينيها ،
تنشر أصابعها للمطر مبتهجة ، تحمل أنقاض
العمر ، تحمل رائحة الماضي ، فتتخلص منه على الإسفلت ، تسكبه على الأرض .
يونية
2000