السبت، 9 يونيو 2018

ستى تفاحة

- ستى تفاحة -
 

    ستى تفاحة غنية وجميلة .
تسكن الإسكندرية ، هي ليست جدتي ، هي عمة أبى .
الإسكندرية فى الأربعينات تمتلئ بالمظاهرات ، والإنجليز والسفن ، وعرائس البحر ، أقارب جدتي .
ستى تفاحة تعيش في الرمل .
بيتها الكبير مفتوح ، للأهل ، للأصحاب ، وتجار الذهب . زوج شتى تفاحة يملك محلا للذهب فى محطة الرمل .
ستى تفاحة تأتى ببنات العائلة .
واحدة وراء الأخرى ، تزوجهن للتجار الأغنياء . عرائس البحر قريباتها ، صرن يملأن شواطئ الإسكندرية يرتدين البكينى ، والملس ، ويتمتعن بدفء الشمس
     المصطافون من رجال المدينة ( القاهرة ) أقرباء ستى تفاحة ، يحبون الإسكندرية ، وينزلون فى محطة الرمل . بيت ستى تفاحة الكبير يسع الأحباب .
     والأساور الذهبية المشغولة بدقة وعناية ، تضفى جمالا على جمالها ، وهى تضع السيجارة بين شفتيها وتدخن بعمق ، تسحب الدخان وتدفعه ، فتظهر أسنانها الذهبية بين شفتين حمراوين .
     ستى تفاحة الجميع يدين لها بالكثير ، من زواج البنات إلى السفر يوم أو يومين ، للاستجمام ، والاستحمام ، والعودة بالجنيهات .
    ستى تفاحة عمة أبى لم تنجب !
زوجها الغنى يحبها ويدللها .
ستى تفاحة عمة أبى ترتدي ملابس ( شفتشى ) وتدخن ، وتحمل حقيبة فى يدها مليئة بالأساور والجنيهات .
     ستى تفاحة عمة أبى .
لم أراها فى الأربعينات ، ولا الخمسينات ، ولكنني رأيتها في الستينات .
كان زوجها قد مات .
وأخذ أخوته المحل والبيت .
     فى السبعينات .
عادت ستى تفاحة إلى البلد .
ومعها فستان أسود ، وإيشارب أسود ، وشنطة سوداء ، وعلبة سجائر فلوريدا .
     في السبعينات .
جلست أمام الدار ، تراقب الإوز السابح في ماء الترعة ، وتنادى عليه بصوتها الرقيق ، وأسنانها الذهبية ( تعالى عسل .. عسل عسل ) .
     ستى تفاحة .
كانت تعتلى السرير الحديد ، وتجلس معنا نحن الصغار تحكى لنا عن الإسكندرية ، وبيتها فى الرمل ، والبحر الكبير  والحرب والضرب ، والإنجليز  والمظاهرات .
     ستى تفاحة .
نفاجأ بها  تبكى وتمسح خديها بمنديل ناعم ، وتلمع عيناها وتحكى .
- أنا جوزت بنات العيله كلهم .
  عملت لهم حس وعزوه .
  أبوكم طول عمره فقرى ، رفض يسمع كلامي ، وأجوزه واحده غنية . خلاني يا دوب جبت له الصيني والالومنيا .
     ستى تفاحة .
تضع ( الحناء ) على رأسها ، وتدعى لأمي .
-        ربنا يخليكى يا بنت أخويا .
     ما أجمل أن نرى شعرها الغزير معقوصا في ضفيرتين ، ويسقط خلف ظهرها ،
ورائحة حناء طازجة تنبعث منه.
     ما أجمل أن تحكى لنا عن الإسكندرية والسيجارة الفلوريدا فى يدها وأسنانها الذهبية تبرق خلف ابتسامتها الجميلة ، وتسرح طويلا .  
     ما أجمل أن تحكى لنا عن يوم رحيل ( الملك ) وكيف كانت تقف على الميناء تودعه باكية ، وزوجها يحيطها بذراعين دافئين .
     كانت تأتى إلينا ( بالأنشوجة والبطارخ ) وحكايات عن سيدي عبد الرحمن ، والأنفوشى ، والمرسى ، ومحطة الرمل ، وبنات بحري ، وأغاني سيد درويش ، وزنقة الستات .
وعقد من الخرز ، وغوايش بلاستيك ، ورائحة اليود  ( ومياه مالحة ووشوش كالحة ) وضرطة طويلة تدفعها من مؤخرتها ، ونحن أمام الطعام ، نكتم ضحكاتنا الصغيرة .
ترانا نضحك ، تناوشنا بضرطة أخرى .
-        دستورك يا دي الأكل .
وتدفع بأخرى وأخرى .
يقوم أبى من بيتنا ، وتواصل هي ضرا طها ، ونواصل نحن الضحك .
     تنام وجوهنا الطفولية على صباح جديد ، وحكايات شتى تفاحة . نفاجأ إنها تركت لنا علبة ملبس كبيرة وعلبة فلوريدا فارغة .

                                                                              سبتمبر 1998

قصة فأل سئ

  فأل سئ لا أعرف بالضبط ماذا حدث لي؟ منذ ليلة أمس وأنا تنتابني حالة من العراك والغضب الزائد، لقد ألغيت لقاءً كان مهما بالنسبة لي في العم...

المتابعون