الجمعة، 23 فبراير 2018

مقدمة عن العادات والتقاليد

الثقافة الشعبية (مقدمة)
للكاتبة / صفاء عبد المنعم

     للشعب المصرى عاداته وتقاليده المختلفة والعديدة والمتجددة ، فى كل مجال من مجالات الحياة ، ولو تتبعنا ذلك لوجدنا أنه كان يمارس الكثير منها فى اليوم الواحد بشكل تلقائى وطبيعى ، دون الرجوع إلى معاجم أو قواميس لمعرفة أهمية ومدلول ما يقوم به يوميا بشكل واعى أو غير مدرك لمسميات بعينها ، ودون تأويل أو تحريف لمسمى لفظى .
فكانت الجدات والأمهات السابقات يدركن كل شاردة وواردة من هذه التصرفات اليومية ، فهن محملات بوعى شفاهى ، تورثناه جيلا بعد جيل .
وربما نكون نحن آخر جيل ( الستينات) عاش الكثير من هذه العادات والتقاليد ، وكذلك المعتقدات الشعبية ماظهر منها وتجلا فى صورة اليومية ، فمثلا وإلى اليوم مازال البعض يحرص على عدم دخول المرحاض والغناء فيه !
أو أن يذكر اسم الله فيه .
لأنه مكان نجس وتسكنه أرواح شريرة ، ومن يغنى فيه يصاب بداء النسيان بعد ذلك .
وعندما كانت جدتى تعطى جارتنا  طبقا أو المنخل لنخل الدقيق ، كانت تضع لها بداخله لقمة عيش ، حتى لا يدخل الطبق فارغا فهذا فأل سىء.
وعندما كان يقع الطفل على الأرض كانت أمى تجرى وترفعه بسرعة ، وهى تتفتف على الأرض وتسمى وتقول : اسم الله عليك وقعت على إللى أحسن منك .
إن الحضارة المصرية القديمة والعريقة عبر سنوات طويلة  منذ ألاف السنين ، تزخر بالعديد من العادات والتقاليد ، ونلاحظ الآن أنه هناك كل يوم جديد ، عادة تنقرض أو تختفى أو تتحول ، وتظهر عادة أخرى جديدة تحل محلها وواضح ذلك وجلى فى ظاهرة السبوع المصرى .
السبوع المصرى القديم
طوال السبع أيام منذ مولد الطفل حتى يوم السبوع ،هناك عادة أو تقليد يمارس أو معتقد ، بداية من وجود الخلاص وراء الباب ، لسمع ثلاث أذانات ثم القاءه فى ماء جارى (الترعة) كى يكون المولد رزقه كثير فى إدرار اللبن من صدر الأم ، ثم تكبيس الأم بعد الولادة للم جسمها المفتوح ، وطلب الدعاء منها للأحباب ، لأنها محاطة بالملائكة ، وشرب الحلبة بالعسل والسمن لنزول الدم الأسود ، وتنظيف الرحم ، مرورا بتكحيل الطفل فى الصباح وحمومه ، وتحضير ليلة التبيته ، الغربال  والأبريق والسبوع ( بلح أبريمى وفول سودانى وملبس وفشار ) ودق الهون والبخور والسبع حبوب والزفة والغناء( ياملح دارنا كتر عيالنا ) ودحرجة الغربال بعد ذلك ، كل هذه الطقوس وغيرها من التفاصيل الكثيرة وتسمية المولود واختيار اسم له مليئة وزاخرة .
اليوم هناك بعض العائلات أصبحت تنفى وتتعالى على ذلك وتقوم بعمل (عقيقة) وذبح الذبائح ، خروف للبنت وأثنان للولد ،و أنتفى من عندها فرحة الأطفال الصغار بأكياس الحلوى والشموع والغناء (يارب ياربنا يكبر ويبقة قدنا ، ويلعب فى الشارع زينا )، فهى لا يهمها هذا الطقس ( طقس العبور) المتوارث بحجة أن ذلك حرام شرعا ، والدين الإسلامى بعيد كل البعد عن ذلك .
ولقد بدأت الثقافة البداوية ( الصحراوية ) برمالها الصفراء المحايدة ،وأبنة البادية بعاداتها وطقوسها المختلفة عن الحضارة الزراعية النيلية ،أبنة التربة السوداء الطينية ، وتعدد الألوان والخضر ، تزحف بأفكارها الخاصة الجافة ، وتحتل وتتوغل فى نمط تفكير الشعب المصرى ، خاصة بين الكثيرين من الذين عاشوا طويلا فى بلاد الخليج ، فثقافة البترول ( النفط) تحتل مكان ثقافة ( الماء) هناك نفى لأفكار ، وتنميط  لأفكار ، وهذا مايجعل بعض الباحثين يعتقد أن ذلك تطور وتجديدا .
من منا لم يظل مستيقظا (ليلة القدر) ينظرإلى سقف الحجرة ، منتظرا طاقة النور السحرية الربانية كى يطلب منها لعبة أو بسكلته أو ينجح فى الإمتحان وينتظر المسحراتى فى ليالى الشتاء الباردة كى يفتح الشباك ويسمع المسحراتى وهو ينادى ( أصحى يانايم ، ياعباد الله وحدوا الله )وينادى على اسمه ، ويلقى له من الشباك بعض النقود الفضية ، ويسير فى الشوارع مع الأطفال عن أختفاء ( القمر ) يخبط بغطيان الحلل ويغنى ( يبنات الحور سيبوا القمر يدور ) أو يجرى فى الشارع خلف جزار ساحبا جاموسة معلق على رأسها بعض الورود ويغنون ( مندا يابكره بقرشين) ليس الكل القديم سيئا ، ولا كل ماهو جديد جميلا !

حتى العادات والتقاليد الخاصة بالوفاة والغسل ، والدفن  تغيرت .
أولا :منع ذهاب المرأة إلى الترب إلا فى حالات نادرة جدا ، تحريم الصريخ والصويت والشلشلة بالمنديل أو العديد على الميت .
ثانيا : ألغاء الأخمسة والرحمة والأربعين و الذكرى السنوية ،
 وما يتبعها من طقوس وعادات وتقاليد ، فالرحمة كانت تفرق على الفقراء على الترب رحمة ونور على الميت والمقرئين المرتلين كذلك .
ثالثا : أنتشار ظاهرة العذاء فى دار المناسبات بدلا من أقامة السرادقات ، وليس شرطا أن يقام العزاء فى نفس يوم الوفاة ، وأحتمالا أنقراض مهنة
 ( الفراشة ) وشهرت بعض الجوامع والتباهى بالحجز فيها على سبيل المثال ( جامع عمر مكرم ،جامع الحامدية الشاذلية ، جامع أل رشدان وغيرها ) .وتحريم أرتداء الملابس السوداء أكثر من ثلاثة أيام أو أسبوع على الأكثر .
كما أختفت فكرة المشاركة المجتمعية ، صوانى الأكل لأهل الميت ، وغسل الملابس فى اليوم الثالث وتوزيعها على الفقراء .

الأفراح طقس شعبي كان يستعد له أستعدادات كثيرة
أصبحت الفراح تقام فى (صالات) أو (سفن عائمة) بدلا من الشوارع أو أسطح المنازل أو داخل البيوت ، وأختفت الداية والماشطة وظهر مكانها
 (البيوتى سنتر ) وليلة الحنة أختلفت كثيرا عن السابق  ويمكن أن تعقد قبل الفرح بيومين أو ثلاثة .

حتى الحدوتة أو حكاية قبل النوم أختفت من قاموس الأباء والأمهات وتهنين الأطفال ، والغناء لهم ، واللعاب الجماعية فى الشارع مع الآخرين وتنمية روح الجماعة بدلا عن الأعلاء من قيمة الفرد .
الخرافات
بعض البيوت كانت تعلق كوز من الذرة وعروسة القمح على الباب لمنع الحسد ،وكذلك تعليق خمسة وخميسة وقرن شطة وخرزة زرقاء للمولود
حضارة أى أمة  لا تقاس بمساحتها أو كثافة سكانها ، ولكن تقاس بالعمق الزمنى والتاريخى المتجذر فى أعماقها ، إنها الدولة العميقة .
كل هذه الحلام والعادات والتقاليد أخذت عنها العقلية الشعبية كى تفسر بها شيئا مجهولا أو غامضا عليها كظاسترضاء الألهة ، أو السكان السفلين من الجن والعفاريت فى سابع أرض ، كرك بعض الأطعمة التى سقطت على الأرض ، وطبيخ الملائكة الأرز باللبن ، أو أن الأم الوالدة تترك لبن السرسوب يسقط منه بعض القطرات على الأرض قبل أرضاع الطفل الصغير .
المعتقدات
دافع مهم للناس للحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم وممارستها بشكل طقسى واضح والأحتفلات الخاصة أثناء طقوس العبور .
وأعتقاد البعض فى فكرة التشائم والتفاؤل من أشياء أو طيور أو حيوانات ،الحذاء المقلوب ، الغراب الأسود ، البومة ،وغيرها .
وأحيانا الجماعة الشعبية تعيد أنتاج وبث هذه المعتقدات حسب الظروف وشروط الحياة المعاشة .
والمعتقد الشعبى للسحر وخاصة الأسود كثيرة وفى الحكايات الشعبية فكرة أمنا الغولة والنداهة وجنية الساقية وأم الشعور ،وكذلك التحولات ، والكائنات الخرافية مثل(  طائر الفنيق )الذى يخرج من الرماد كل ذلك سمعنا عنه ونحن أطفال صغار .

                             (مقدمة  ثانية)
مع أنتشار مهنة الطب والوعى الصحى بين النساء فى المدينة والقرية ، وانتشار الوحدات الصحية التى تقدم خدماتها للنساء ، بدأت تختفى أو تتقلص مهنة ( الداية ) وهى التى كانت تقوم بتوليد السيدات فى البيوت إلى جانب طهارة البنات ، بالأضافة إلى أنها كانت أحيانا فى بعض الأماكن والمناطق الشعبية ، تلعب دور الوسيط فى زواج البنات  ، وهذا نادرا ، لأنه هناك( الخاطبة ) وأحيانا تكون ( الدلالة ) التى تقوم ببيع الملابس والأقمشة .
وهناك كذلك ( الماشطة ) أو( النتافة ، الحفافة أو المحففة) وهى التى تقوم بتمشيط وتزويق العروس وأزالة الشعر لديهن فى ليلة الحنة .
ومع أنتشار الأزمات الأقتصادية وخروج النساء الفقيرات للعمل ، تنتشر الأعمال والحرف اليدوية الصغيرة ( داية – ماشطة - خاطبة – دلالة – غًسالة – مِغسلة – نَدابة – معددة – ضاربة الودع ...الخ ) وهى  المهن التى لا تحتاج صنعة، ولكن تحتاج مهارة وقدرات خاصة تتوفر فى المرأة وتتيح لها دخول المنازل فى المدينة أو القرية ، كل هذه الأدوار تقوم بها المرأة داخل البيوت وخارجها ، وربما تكون حاملة لبعض الأسرار ، والوعى الشعبى أيضا ، فهى تمارسه ، ولا يوجد لديها إنفصال بين المعرفة والممارسة، فهى لم تحظى بالتعليم الذى يصنع مسافة مع الوعى.
          وكان الدور المنوط به المرأة هو العمل داخل البيت لراحة الزوج وتربية الأولاد ، فكان لا بد لها من إجادة الحرف النسوية مثل ( الخياطة – التطريز – الطبيخ – الغسيل ...الخ ) وكلها حرف لا تحتاج لأعمال الفكر ولكنها تعتمد على القوة البدنية وبعض الفنون البسيطة .
وفى القرية كان يتم أحيانا أختيار البنت للزواج لشطارتها فى ( الخبيز – وصناعة الجبن والزبد وتربية الدواجن ) .
وكانت البنت تتزوج لسيرة أمها الحسنة وشطارتها ، حسب المثل الشعبى ( أكفى القدرة على فمها تطلع البنت لأمها ) أو لثراء العائلة . وظلت العادات والتقاليد والأعراف تتناقل من الجدات إلى الأمهات ، جيل بعد جيل ، وحاملة آليات الحكى والسرد الشعبى هى المرأة، فكما يقول د "محمد أفاية" المرأة تحمل أليات قهرها .
فنلاحظ دائما أن المرأة أشد قسوة وقهرها للمرأة الأخرى أكثر من الرجل ويتضح ذلك فى شخصية ( الحماة – الضرة – السلفة – زوجة الأب – الجدة – العمة – أخت الزوج ) وهناك أمثلة شعبية كثيرة عن هذه الشخصيات وكيف تصفها الجماعة الشعبية مما لها من قسوة وقوة قاهرة فمثلا عن زوجة الأب ( زوجة الأب خُدها يارب - الضُرة مرة ، الحماة حُمة – مركب الضراير سارت ، ومركب السلايف غارت ، جوز لاتنين يقادر يافاجر ،اللى خادته القرعه ، تخده أم الشعور ..إلخ) وغيرها من الأمثال العديدة التى لا حصر لها .
وتوارثت هذه الأليات وعملت أحيانا على نهضة المجتمع، وأحيانا على تراجعه ، وعندما ذادت نسبة التعليم ، أصبح هناك مسافة بين الموروث الشفاهى والشخصية المتعلمة ، ومع زيادة زحف الفكر الوهابى الدينى وألياته ،أصبح يناهض العادات والتقاليد، ويحرمها ،ويحل محلها العادات الصحراوية، والثقافة البدوية الوافدة ، فبدلا من السبوع الشعبى المصرى بكل طقوسة ، أصبح هناك " العقيقة " وغيرها ، وهناك  وللأسف الشديد بدأ ينجذب كثيرون نحو هذه الثقافة البداوية ، بحجة أنها هى الصح ،وما كان يمارس قديما هو تخلف ، وهذا من منظور دينى سلفى ضيق ، دون النظر الدقيق للدور الهدام الذى تقوم به هذه الثقافة الوافدة من بيئة وثقافة مختلفة على تفكير الشعب المصرى ولغته العامية أيضا ، الثقافة الشعبية المتوارثة منذ آلاف السنين دخلت فى نسيج الحياة اليومية . ولقد لاحظت أثناء الجمع وبرغم الصعوبات التى واجهاتنى ، أنه يوجد تشابها كبيرا بين معظم العادات على أختلاف الأماكن ، فالأختلاف يكون فى تفاصيل صغيرة ، ولكن الجوهر الحقيقى ثابت ، فمثلا عندما قمت بالجمع من أسرة مسيحية ، أكتشفت أن ليلة الحنة تتشابه فى التفاصيل ، وكذلك النقطة لأنها عادة مصرية تمثل التكافل الأجتماعى وليس لها علاقة بالدين بشكل مباشر ، فقد قال لى راوى وهو مسيحى : أنا يوم الحنة أصرت عمتى أنى أتحنى ، ويومها جاء رجل إلى البيت ومعه ميكريفون وجلس يجمع النقوط ،منذ الصباح ، فكان يقول محمد محمود نقط بخمسين جنيه ، وخمسة جنيه لخيره ، وجرجس تضاروس نقط بستين جنية وعشرة جنية لخيره وهكذا، كلما وضع أحدا نقطة فى الطبق أعطاه هو الأخر نقطة ، والنقطة عندنا يأخذها العريس أو والده حسب الأتفاق بينهما ومن تكفل بمصاريف الفرح ، ومعنى ذلك أنه دفع النقطة وفوقها خمسة جنيهات لجامعها أيضا ، وقال لى أن الحلاق ينقط ، والطباخ بعد الأكل الناس كانت تعطى له بعض النقود ، ويوم السبوع يتم رمى الخلاص فى البحر ، والوالدة تخطى على المولود داخل الغربال سبع مرات ،ويتم رش الملح والبخور وأعطاء الأطفال الحلوى ، ويتم تدحريج الغربال مثل العجلة فى البيت ، والأم تنزل بالمولود السلم والأطفال ورائها يغنون : سموا المولود سعد الله ، وعيونه السود سعد الله ، والداية ترش الملح وتزغرد ، وكذلك بعد الوفاة بثلاثة أيام يتم غسل ملابس الميت ، وتوزيعها على الفقراء ،ونحضر القسيس إلى البيت للترتيل وتبخير مكان صعود روح المتوفى ، وأهله لايطبخون أى طعام ، الأكل يأتى من عند الجيران والأهل ، وفى اليوم الثالث يتم عمل أكلة سمك ويأكل منها الجميع ، ومعرفش ليه سمك بالذات ؟ وهكذا إذا سردنا معظم العادات لوجدناها تتشابه بين المسلمين والمسحيين فهى ثقافة شعب عاش فى مكان واحد وأصل الجذر منذ القدم واحد والتاريخ واحد،ولكن الأختلاف فى بعض التفاصيل البسيطة والتى لا تشكل أى خطر على العادة فى أصلها ، فمعنى هذا أن العادات والتقاليد داخل نسيج الشعب الواحد تتشابه بعيدا عن الأعتقاد الدينى .
ومن خلال هذه المفارقة الحضارية ونحن على أعتاب أندثار ثقافة نيلية طينية سوداء زراعية ، لصالح ثقافة بدوية صحراوية ، وقصة الحرب بين الأله أوزير أله الزراعة، والأله ست إله الصحراء  تعود من جديد .
"فالشعب الذى يفقد عاداته وتقاليده يفقد هويته "
صفاء عبد المنعم

فصل من رواية عطية الشمس

  (عطية الشمس)  رواية صفاء عبد المنعم -----------------------   إهداء إلى/ أبطال رواية من حلاوة الروح --------------------------...

المتابعون