صوت
قطعة كبيرة من الثلج أشعر بها فى صدرى، وأنا
أستقبل كل يوم هواء النيل البارد، بداية من محطة العجوزة، مرورا بالزمالك، وأنتهاء
بأبى العلاء ببولاق.
وبرغم كل هذا البرد فى الشتاء، كنت دائماً
أشتاق إلى صوتك والسير طويلا فى هذا الجو الشتوى المنعش كل صباح.
فكنت أترك السيارة هابطة، وأسير بخطوات بطيئة
هادئة، وأنا أنظر نحو النهر الممتد أمامى يسير متبخترا منذ ألاف السنين، وفى أحيان
كثيرة كنت أجلس على شاطئة، أحدثه، أو أقف أعلى الكوبرى، وأشكو له ضعفى وقلة حيلتى
من تدابير الدنيا ومؤمرات البشر، وكم من مرة بكيت بحرقة أمامه فى صمت.
ربما ولأول مرة فى حياتى فى شهر يناير من هذا
العام تحديداً، أجلس على شاطئة فى الليل هادئة، اسمع وشوشات أمواجه، وهى تسر لى
بسر جديد، وتحكى لى على مهل ذكرايات كثيرة، وتذكرنى بدموع جدتى إيزيس.
ليلتها جلست ما يقرب من الساعتين فى البرد،
وأنا أنصت باهتمام إلى الصوت الداخلى وإلى وشوشات الأمواج البطيئة.
ثم
تحدثت ببطء شديد مع نفسى (إلهى لقد تركت كل شىء ورائى، فاعنى على فقدها) وأنا أبحث
بدأب عن صوتى الخاص، تعثرت به وهو خارجاً سعيداً من داخلى.