حوار أشرف قاسم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س رحلة طويلة وشاقة بأتها صفاء عبد المنعم، وهى مازالت صغيرة، صدرت مجموعتك
القصصية (حكايات الليل) 1984، مالذى أغراك فى عالم الكتابة؟ وماذا كان هدفك من
ولوج هذا العالم فى سن مبكرة؟
ج فكرة الكتابة عندى بدأت فى المرحلة الثانوية، بكتابة شعر فى المناسبات،
والإذاعة المدرسية، وفى حفلة عيد الأم، ثم ذهبت إلى مكتبة مركز شباب المنشية
الجديدة بشبرا الخيمة كى أستعير بعض الكتب للقراءة، وهناك عرض على الأستاذ سيد
أمين المكتبة فكرة عمل ندوة أسبوعية، وأنضم ألينا عازف الموسيقى الأستاذ عادل وكان
يكتب الشعر، وبدأت الندوة بثلاث شخصيات، وكانت تقام يوم الثلاثاء من كل أسبوع، ثم
كتبت أول قصة لى (يوم عاصف) وأعجب بها الجميع ، ونشرت فى جريدة القليوبية، ومن
يومها أصبحت أكتب القصة، واستمرت الندوة سنوات طويلة، وأصبح من روادها كثير من الكتاب
والشعراء الشباب،وهم الآن من مشاهير الكتاب على الساحة، وفى مرة كنا فى رحلة إلى
أسوان، وهناك طرح على الأستاذ فوزى مدير مركز الشباب، طبع كتاب لى على نفقتى
الشخصية كى يكون باكورة إنتاجى، وبالفعل عملنا مجموعة مشتركة أنا وصديق لى عماد
شندى، وكانت مجموعة (حكايات الليل) طبعة خاصة لى بها 4 قصص قصيرة، وأقيمت لها
ندوات فى جميع مراكز الشباب، وفى قصر ثقافة شبرا الخيمة وناقشها الأساتذة (محمود
العزب ونبيل عبد الحميد ومحمد السيد عيد وعبد العال الحمامصى) فى عام 1984 .
س "سوف تفتح الحجرة، ويأتى أخريات مهووسات بالعزلة والوحدة والكتابة
مثلى" آخر سطر فى روايتك الفاتنة (امرأة الريح) هل هو ملخص لحياة صفاء عبد
المنعم؟
نعم.
كل كاتب يكتب فى كل عمل له جزء من حياته، سواء الماضية أو القادمة
(المستقبل) ومن هنا تأتى فكرة النبؤة، فالمبدع الحقيقى لديه درجة عالية من
الشفافية والوعى، خاصة إذا كان صادقاً مع نفسه، ومن هنا كانت رواية امرأة الريح،
المرأة/ الكاتبة التى تحلم بجائزة نوبل، كى تكون تتويجاً لعملها الإبداعى الطويل،
الجائزة حلم أى مبدع، وقد تأتى أو لا تأتى، فالجوائز تذهب للمحظوظين، هناك كتاب
كثر يستحقون الجائزة وأكثر لكن الحظ لم يحالفهم، وظل يوسف أدريس يحلم بها هو غيره،
ولكنها ذهبت إلى نجيب محفوظ، هكذا شاء الله .
والكتابة ليست حكراً على أحد وتنتهى بعده،
الكتابة والإبداع مستمران بأستمرار الحياة، يذهب كاتب ويأتى كاتب، هكذا هى الحياة،
نقرأها ونكتبها ونرحل، ويأتى أخرين يكملون أو يتقاطعون مع ماسبق ، لكنها
الستمرارية هى سنة الحياة.
س القصة القصيرة:
كانت البداية مع القصة ثم مع الرواية ثم مع أدب الأطفال والدراسات الشعبية،
كيف تستطعين الموازنة بين هذه الأجناس الأدبية؟
ج فى البداية عام 1982 كتب أول قصة قصيرة لى (يوم عاصف) وكنت فى تلك الفترة
اقرأ تشيكوف وقد أحببته جداً، وأعجبنى اسلوبة، ثم قرأت يوسف أدريس وعشقته، وقرأت
العمال الكاملة للراحل يحيى الطاهر عبد الله وكانت كتابة مختلفة وثرية وبها رائحة
طين الأرض والخرافات والحكايات فهى مزيج واعى من السرد الغنى بمفهو القص، ثم قرأت
الأديب العالمى ماركيز عندما حصل على جائزة نوبل عام 1982 ورائعته(مائة عام من
العزلة) وهنا توقفت كثيرا، لماذا لا أكتب مثل ماركيز، خصوصاً أن شخصية( أرسولا)
الجدة كانت تشبه جدتى تماماً، وكأنه كان يعيش معنا، ومن هنا ظللت أحلم بكتابة عمل
إبداعى روائى مثل مائة عام من العزلة .
وكتبت رواية ( من حلاوة الروح)
صدرت عام 2000 وهى أول رواية تكتب بالعامية المصرية كاملة، كنت قد قرأت رواية
مصطفى مشرفة( قنطرة الذى كفر) وأعجبتنى، أول رواية كتبتها كانت من عشقى للرواية
بسبب ماركيز، ومن يومها أصبحت أكتب القصة والرواية.
أدب الأطفال :
قبل النوم كنت أحكى لبناتى حدوتة
قبل النوم مثلما كانت تفعل جدتى معنا ونحن أطفال صغار، وربما تكون هذه الحكايات هى
السبب الحقيقى فى الكتابة عندى، عالم واسع من الخيال، والتسلية والترفيه، وتعلم
الفروسية والبطولة، وخصوصاً حكايات ( ست الحسن والجمال والشاطر حسن، وأمنا الغولة)
وأنتصار الخير على الشر مهما كانت العقبات، وهكذا أحببت أن أعلم أولادى ما تعلمته،
وانقل لهم التاريخ الشفاهى من الحكايت، ولكن أنتهت الحكايات التى أحفظها، فكنت
أألف لهم الحكايات، ومن هنا جاءت فكرة كتابة القصص للأطفال، وصدرت لى ثلاث مجموعات
قصصية، وعندى ثلاث مجموعات تحت الطبع الآن.
وأول مجموعة لى للأطفال هى( سفينة الحلوى) وصدرت عن كتاب قطر الندى. ومنذ
عام 2011 وأنا أقوم بعمل ورشة لتدريب الأطفال الموهوبين، وورشة للحكى، أحكى
للأطفال الحكايات الشعبية التى سمعتها أو قرأتها.
الدراسات الشعبية:
كانت البداية عام 1990 عندما ألتحق مجدى الجابرى بمعهد الدراسات الشعبية،
وكنت أنزل معه نجمع الحكايات الشعبية من الأهل والجيران، فأعجبت بالفكرة، وكنت
أدرس وأقرأ معه الكتب والأدب الشعبى، وتعلمت الكثير من العظيم عبد الحميد يونس،
فجمعت كتاب( أغانى والعاب شعبية للأطفال) وصدر عن سلسلة دراسات شعبية عام 2004 ،
وأستمر هذا الشغف معى وألتحقت بأكاديمية الفنون عام 2005 قسم تذوق فنى، ثم معهد
الدراسات الشعبية عام 2007 وجمعت كتاب( داية وماشطة) عن عمل الداية والعادات
والتقاليد والطقوس من بداية الحمل حتى الميلاد وهو الآن تحت الطبع.
س مجدى الجابرى هو العنوان الأبرز فى حياة صفاء عبد المنعم، ولذا نراه
مازال حاضراً بروحه وإبداعه الباقى، إلى أى مدى كان تاثيره فى مشوارك الإبداعى؟
ج تعرفت على مجدى الجابرى من خلال ندوة مركز شباب المنشية الجديدة كان يأتى
نادراً، وكان صديق الشاعر محمود الحلوانى، ثم أصبح يأتى إلى ندوة الكاتب الكبير
محمد جبريل والتى كانت تقام فى جريدة المساء المبنى القديم كل يوم أربعاء، ثم ندوة
الغورى بقصر ثقافة الغورى، فى الثمانينات كانت الندوات كثيرة وتقام فى كل مكان ،
وكنت قد توسعت فى علاقتى بالوسط الأدبى، واصبحت أحضر ندوة نادى القصة يوم الأثنين،
وندوة محمد جبريل يوم الأربعاء،وندوة الغورى، ثم نذهب إلى مقهى الفيشاوى أو
السكرية أو الجمالية ونسهر مع الأصدقاء، وفى ندوة نادى بهتيم الرياضى وقصر ثقافة
شبرا الخيمة ، والكثير والكثيرمن مراكز الشباب ، لقد أتسعت الدائرة، فى عام 1988
عرض على مجدى الجابرى الزواج، وكان خائفاً أن ارفضه، لأنه بلا عمل ، ولكننى أقنعت
أبى وعشنا فى بيتنا بالمطرية لمدة 8 سنوات ، وكان مجدى قد أصدر ديوان( أغسطس)
1991ولقى صدى كبيرا فى الوسط الثقافى، واصدرت مجموعة(تلك القاهرة تغرينى بسقانها
العارية) عن اصدارات مصرية، وكانت كتابة جديدة ومختلفة فى ذلك الوقت، وكانت بداية
الكاتبة النسوية كما قال البعض وناقشها الأستاذ ( إبراهيم فتحى) فى ندوة المساء،
وعلاقتى بمجدى الجابرى هى علاقة الإيمان بالإبداع، فهو لم يحرمنى من الكتابة أو
النشر، بالعكس أتسعت دائرة الأصدقاء، وتعددت القراءات وكنا نتبادل الحوار
والمناقشة، وأقمنا فى منزلنا بالمطرية (ندوة كل يوم جمعة) وكنا ننقاش فيها الكتب
والأصدرات للأصدقاء، ناقشتنا منتصر القفاش عندما أصدر كتاب( السرائر) وناقشنا سناء
المصرى عندما أصدرت كتاب( خلف الحجاب) وناقشنا الكثير والكثير، وخصوصاً عندما حدثت
حرب الخليج الولى عام 1991 ، أقمنا الندوات الكثيرة، وأقمنا المؤتمرات، كنا نشعر
بأن الأدب والفن والثقافة لهم دوراً كبيراً، ومن هنا جاء أيمانى بقيمة المثقف
الواعى، أو المثقف العضوى الفاعل فى المجتمع، وأنضممت إلى جماعة( بنت الأرض)
بالمنصورة، وغيرها من الأماكن، كنت أبحث عن دور حقيقى للمرأة المثقفة.
وربما تكون وفاة مجدى مبكراً وهو فى أوج إبداعه الشعرى جعلنى أحافظ على
تجربته ، ونشرت له 4 كتب بعد وفاته، ثم الأعمال الكاملة عام 2014 على نفقتى
الشخصية عن دار وعد . كنت أتمنى أن تصدر عن هيئة الكتاب أو الهيئة العامة لقصور
الثقافة مثل كثيرين ولكن للأسف الشديد لم استطع .
س إلى أى مدى استطاع النقد أن يواكب تجربتك الإبداعية الممتدة والتى أثمرت
حتى الآن 25 كتاب و5 كتب تحت الطبع بين القصة والرواية وأدب الطفل والدراسات
الشعبية؟
ج النقد لا يواكب أى مبدع !
ولا توجد نظرية نقدية تبشر أو تستشرف القادم مثلما كان يحدث فى المدارس
القديمة أو الجماعات الأدبية، لكن المبدع يكتب، وينشر على نفقته الشخصية أحيانا
ويقيم الندوة أو حفل التوقيع ويتصل بالناقد وبالأصدقاء ويتشترى النسخ من كتابة
ويوزعها بيده على الأصدقاء ويقرأ او لا يقرأ ، وظهور مجموعة من الكتاب الصحفيين
أحتلوا الساحة الإبداعية بسبب عملهم فى الصحافة ، فتفشت ظاهرة سلبية، أخفت المبدع
الحقيقى المستقل عن الساحة، فلا يكتب عنه، ولا تقام له ندوات ، وإذا قام بعمل ندوة
لا يحضر إلا القليل ثلاثة أو أربعة فقط ، فأصبح يوجد على الساحة( تبادل المنفعة)
أنت تعمل فى جريدة، لك عمود، رئيس تحرير سلسلة، لك الحظوة والنقد والتهليل
والتثقيف، أنت مبدع على باب الله أكتب فى صمت، وانشر بعد عذاب، وانصحك لا تقيم
ندوة، لن يأتى لك احد وستظل الكراسى خاوية، وهذا شكل مهين، أخر مرة أقمت ندوة لى
كانت فى دار نفرو بعد صدور رواية( قال لها ياإنانا) وبعدها توقفت عن عمل ندوات لى
منذ عام 2007 تقريبا.
س الجوائز العربية، كيف تراها صفاء عبد المنعم؟ واين هذه الجوائز من مشروعك
الأدبى؟
ج الجوائز تذهب لأصحاب الحظ بعيداً عن جودة العمل أو لا ، وهناك أصبح
مايعرف بالكتابة على الموضة فمثلا : رواية كبيرة الحجم فازت بجائزة، يقوم الكتبة،
بكتابة رواية لا تقل عن 500 أو 600 صفحة ولكه حشو يمكن تلقى بالكثير فى سلة
المهملات ولكنها الموضة، رواية فازت لأنه شتم الوطن وكتب عن المسكوت عنه، الكتبة
يكتبون كذلك، فاصبح الإبداع حسب موضة الجائزة، وليس من أجل الإبداع، وعمر ماكانت
الرواية بالكيلو أطلاقاً ، فمسألة الجوائز لنا الله داخل مصر وخارجها، وفى جوائز
تحدد السن أزاى وممكن كاتب يبقى عنده 60 سنة ولم يحصل على أى جائزة ، أحسن شىء انا
اكتب وأبدع من يريد القراءة يقرأ، ومن يريد منحى جائزة يمنح ، والحمد لله . بخلاف
القائمين على الجوائز لهم أغراض لا نعرفها، وحظك حلو لو تعرف حد فى مطبخ الجوائز،
ومحدش يكدب، ويقول خدها كدا.
صفاء عبد المنعم
.