الاثنين، 20 نوفمبر 2017

قلم باركر قصة قصيرة

قلم باركر


        كنت على يقين مبهم ، أننى سأنجح ، سأحاول ، وسأحاول ، حتى أحظى بذاك القلم الفاخر الذى عرضه علينا مدرس الرياضيات أمامنا نحن طالبات الصف الثانى الثانوى ، وقال هكذا بأفتخار وحب مشجعاً البنات : إنه قلم باركر ، سوف أعطيه لمن منكن تحل مسألة حساب المثلثات هذه فى سرعة وتحصد الدرجة النهائية ، المسألة تحتاج إلى ذكاء، لاتعتمد على حفظ القوانين أو النظريات .
لاحظت أن نظرات البنات جميعهن أتجهت نحو القلم المرفوع عالياً فى يد الأستاذ ، ثم أنهمكن نشيطات فى حل المسألة .
أنا الوحيدة التى ظللت أتطلع إلى القلم ، وتخيلت نفسى وأنا أحصل عليه ، وأحرز الدرجة النهائية ، كانت المسألة بالنسبة لى سهلة جداً ، لقد حللت بالأمس واحدة مثلها ، وبمجهودى الشخصى ، هى حقاً تحتاج إلى ذكاء وفطنة من نوع مختلف ، برغم أنها قد تبدو عصية على الحل إذا أستخدمت القوانين أو النظريات فى حلها ، فهى فى غاية السهولة واليسر ، وتحتاج إلى ألمحية الذكاء البراق الخاطف المختلف ، وليس الذكاء التقنى ، أعلم جيداً أنه يوجد فى الفصل بنات مجتهدات ، ويحصلن على الدرجات النهائية فى أمتحان الشهر ، ولكن هذه المسألة تحديداً، تحتاج إلى مبدع كى يفض غشاء بكارتها ، ويعتليها ، تحتاج إلى ذكاء مختلف ، ذكاء منفرد يشبه ذكاء الأمازونيات فى الحروب ، لا يخضع للقوانين أو الحفظ .
أنهمكت البنات نشيطات مجتهدات فى البحث عن الحل بأقصى سرعة ، وقد بدأ البعض منهن يتزمرن ، والبعض الأخر أحبطن وتركن القلم ، وظللت أنا على ثقة بأننى أعرف الحل جيداً ، وأخذت أتتبع حركات البنات وحيرتهن لبعض الوقت حتى تركت أول واحدة منهن القلم ، أعتقاداً منها أنها توصلت إلى الحل الصحيح ، وتركت أنا كذلك القلم فى نفس اللحظة ، وذهبنا جميعاً تجاه المدرس لنحصل على القلم .
أنا بشكل شخصى وبثقة متناهية ، أضع القلم فى جيبى ، ولكننى تركت الورقة، وذهبت إلى المقعد، وجلست مرتاحة البال صامتة .
قام المدرس بتصحيح جميع أوراق الإجابة التى وردت إليه من البنات اللآئى توصلن إلى الحل وذهبن بالأوراق نحوه . وظلت ورقتى بعيدة ، وضعها هو على المنضدة منفردة ، وهو مازال ينظر إلى ساعته الرادو حتى أنتهى الوقت ، وقال مبتسماً : ضع القلم .
أنصرفت كل الأنظار من على الورق ، ووضعت البنات القلم على الديسك ، وأنتظرن الإجابات الصحيحة ، ومن منا الفائزة، هل هى نهاد رئيسة الفصل ؟ أم إيناس وكيلة الفصل ؟
أم هى هدى الطالبة المثالية على المدرسة ؟
أخذ المعلم يقلب جميع الأوراق التى فى يده ، هى الآن نعم قليلة ، ولكنها ربما تحتوى على الإجابة الصحيحة ، وظلت ورقتى المبعدة موضوعة على المنضدة وحيدة بائسة ، ولم تشد أجتذاب أنظار البنات لها ، فكانت الأنظار محصورة ومتجهة نحو ( نهاد وإيناس وهدى) خصوصا بعد أن قام المعلم باستدعائهن للحضور أمامه .
ووقف المعلم مبتهجاً وهو يضحك ساخرأ ومعاتباً : لقد حصلتا إيناس ونهاد على درجات متساوية ، حيث توصلت كل منهن إلى الحل عن طريق أستخدام القوانين الصحيحة لحل المسألة ، ولكن ماطلبته منكن هو حل المسألة بطريقة أخرى مختلفة عن المألوف والصحيح من القوانين ، ما طلبته هو الألمحية لا تستخدم فيها القوانين والنظريات الرياضية وحساب المثلثات ، ولكن تستخدم فيها قوانين الفطرة والذكاء اللماح ، إيناس ونهاد توصلت كل منهما للحل الصحيح عبر القوانين المتعارف عليها فى حساب المثلثات والتى درست لهما ، لكن لن تحصل أى منهما على الجائزة، لأن الجائزة للمختلف وليست للحافظ للقوانين .
وهذا ما أحزننى !
وظللت جالسة فى مكانى مضطربة بعض الشىء .
ثم واصل المدرس كلامة مرة أخرى ، بعد أن توقف للحظات ، أخذ فيها نفساً عميقاً وقال : ولكن ما أسعدنى بشدة وغير متناهية ، هو حصول طالبة أخرى مختلفة عنكما على الجائزة ، طالبة ربما كانت لا تحصل دائماً على الدرجات النهائية من قبل ، وربما كنت لا أعرفها جيداً ، وربما كنت أهمل إجابتها بعض الشىء ، لأنها كانت إجابات غير تقنية ، وغير خاضة للنظريات والقوانين .
ثم توقف مرة أخرى ، وأخذ نفساً طويلاً ، وصمت قليلاً . وأخذت عيون البنات تجحظ جحوظاً ملحوظاً فى أنتظار القنبلة التى سوف يلقى بها مدرس الرياضيات أمامهن .
ثم واصل حديثه متنهداً بعمق شديد : اليوم فقط أشعر بالخزى وبالعار أمامكن ، لأنها كانت هى صاحبة الألمحية التى كنت أبحث عنها طويلاً ، ولم أكن منتبهاً لها بشكل جيد من قبل .
صمتت البنات صمتاً مفزعاً ، وهن غارقات فى شك وريبة (ترى من هى؟) وأخذت نظراتهن تدور على الجالسات واحدة أثر الأخرى ، وخصوصاً الثالوث المقدس (نهاد وإيناس وهدى) والبنات يتعجبن ويصمتن .
وقام المدرس واقفاً ، وخرج بجسده من خلف المنضدة ، ووقف أمام البنات بكامل هيئته الأنيقة ، وساعته الرادو ، وقلمه الباركر وقال : رغم أنها كانت تلميذتى منذ العام السابق فى فصل 1/1 وهى الآن معكن فى فصل 2/3  أنا لم أنتبه لها من قبل ، لذا أقول لها معتذراً عن السابق  (أنا أسف) .
أخذت البنات يتربصن بأنظارهن الحادة ، وأيديهن التى طويت بعناية فائقة تحت أبطهن فى انتظار المفاجأة .
أخذ المدرس يتمشى بين الصفوف ناظراً للبنات بفخر وتعجب ، وكأنه يبحث عن صاحبة الإجابة بين الدكك المتراصة فى نظام شديد ، ووقف أمام تلميذة هادئة ، وعيناها جاحظتان بشدة نحوه . وقال : لقد حصلت زميلتكن على الدرجة النهائية كاملة ، لأنها توصلت إلى الحل السريع بطريقة مختلفة .
وأخذ يتشدق بكلمة مختلفة لأكثر من مرة ، وهو يطوف بين البنات الجالسات فى صمت .
- إنه الحل الأخر الذى دائماً نبحث عنه فى حل مسائل الرياضيات ، وخصوصاً المسائل التى تحتاج إلى ذكاء مختلف ونادر ، ذكاء الألمحية ، وليس ذكاء تطبيق القوانين .
وعندما ذكر المدرس اسمى بعد أنصراف إيناس ونهاد وجلوسهما فى أماكنهما .
خرجت سريعاً من مكانى ، وأنا أشعر بلذة الأنتصار ، والأستحواذ ، والحبور والأختلاف .
وصفقت لى جميع البنات الجالسات فى الفصل بكل قوة . عدا إيناس ونهاد وهدى اللائى كن يتعاملن معى على أننى دخلية عليهن فى الفصل ، أنا الوحيدة من فصل 1/1 فصل الفائقات التى جاءت إلى فصلهن ، وظللن طوال اليوم ينظرن نحوى بشذر شديد ، وكرهاً بسبب تفوقى عليهن وحصولى على القلم الباركر .
وقالت إحدهن وعلى ما أعتقد أنها كانت نهاد رئيسة الفصل ، قالت بسخرية لاذعة وضيق :
لما أنتِ شاطرة قوى كدا ، ليه دخلتى أدبى ، كنت فضلتى مع فصل علمى .
صمت لحظة أو برهة ، أو هنيهة ، وأنا أتأمل السم القاتل فى الكلمات ، والحقد الدفين فى نبرات الصوت المرتعش ، ثم قلت لها بهدوء شديد وأنا ممسكة بالقلم الباركر أتأمله فى حبور وزهو : أنا دخلت أدبى عشان بحب الفلسفة .
صمتت البنات جميعاً ، وكأن حطت على رؤسهن الطير ، وظللنا صامتات متحفزات نحوى لأى غلطة أتفوه بها فى حق نهاد رئيستهن .
ثم بعد برهة ، ضحكن بصوت مرتفع ، وبقهقهات عالية ، واخذن يغنين بصوت صاخب ومدمر للأذن على غرار أغنية قديمة (يامصطفى يامصطفى...)
وهن يصفقن فى غيظ : يافلسفة ، يافلسفة أنا بحبك يافلسفة .
ثم أنقسم الفصل إلى فريقين ، خصوصاً بعد خروج المدرس وأنتهاء الحصة .
الصف الأيمن ، الواقع بجوار الباب ، أصبح ممتعضاً ومنحازاً إلى إيناس ونهاد ، بصفتهما رئيسة الفصل ووكيلته ، والصف الأيسر الواقع بجوار النوافذ العالية والذى أجلس فيه فى أخر مقعد وحيدة ومنبوذة منهن بأعتبارى دخيلة عليهن  ، أنحاز بعضهن لى بعد حصولى على الدرجة النهائية ، والفوز بالقلم الباركر .
أما الصف الأوسط فكان محبطاً ومتخاذلاً ، وخائفاً لأى من الصفين ينحاز ، هل للصف الأيمن لإيناس ونهاد ، أم للصف الأيسر حيث أجلس أنا فى أخر مقعد .
وأخيراً وبعد صراع طويل صمتاً وهمساً وحديثاً خافتاً ، قامت هدى الطالبة المثالية من مكانها ووقفت أمام التلميذات ، وقالت مخاطبة أيهن بصوت هادئ ودود خصوصاً أنها كانت غير شاعرة بعار الهزيمة أو الخيبة مثل إيناس ونهاد ، وقالت بصوت رخيم : يابنات علينا جميعا أن نهنئ زميلتنا على فوزها وحصولها على الدرجة النهائية ، والأستحواذ على القلم الباركر الجميل ، ولكن هناك مواد كثيرة بيننا وخصوصاً الفلسفة التى تدعى أنها تركت فصل العلمى وجاءت إلى فصل الأدبى حباً لها.
صمتت البنات ، وهدأت ثورتى إيناس ونهاد ، وأتجهت الأنظار نحو هدى ، وبعض الأنظار نحوى ، فى أنتظار الرد أو الأشتباك ، ولكننى فوت عليهن هذه الفرصة وصمت صمتاً مطبقاً ، وأنا مازلت أتأمل أنتصارى وفرحى بالفوز وبالقلم .
ثم عادت هدى تواصل حديثها ، ووقفت أمام البنات فى أول الفصل ، وأخذت تخطب فيهن وكأنها واعاظاً : وبعد قليل سوف تدخل الأستاذة نادية مدرسة الفلسفة ، والأمتحان بيننا .
صمتت جميع البنات المنحازات إلى إيناس ونهاد فى غلو معلن ، وهدأ الصخب داخل الفصل مع دخول الأستاذة نادية مدرسة الفلسفة وعلم النفس ورائدة الفصل وهى تحمل بين يديها أوراق أمتحان الفلسفة كى توزعه على البنات .
ونظرت أنا بخفة نحو يدها الأخرى والتى كانت تحمل بها الحقيبة الخاصة بها ، ورأيت ورقة منفردة ، تسكن إلى جوار الحقيبة المهتزة ، فعرفتها على الفور ، أنها ورقتى بلونها الأصفر الباهت والتى أقتطعتها من الأجندة بالأمس ، وهنا سكن قلبى قليلاً وأطمأن ، وحدثنى بشدة ، ربما حصلت على الدرجة النهائية فى الفلسفة ، وقد حسم الأمر .
جلست جلوس المنتظر ، وهدأ صخب البنات ، وبعد الترحيب والتحية ، قالت المعلمة هكذا ، وبلفظ دقيق وواضح : يابنات ، يسعدنى أن أقدم لكن زميلة مجتهدة ، لقد حصلت على الدرجة النهائية فى الفلسفة ، وقد أدهشتنى جيداً  بإجاباتها المستفيضة والمختلفة والمدهشة .
وقامت المعلمة بتوزيع ورق الأمتحان على البنات ، ولم تذكر اسمى بينهن ، ثم سحبت الورقة المفردة من يدها الأخرى ونادت على اسمى ، فصفقن البنات التى يجلسن فى صفى صارخات ، وتبعهن باقى الفصل ، عدا إيناس ونهاد وهدى والصف الجالسات فيه .
قالت المعلمة لهن مندهشة من تصرفهن ، وأتجهت بنظرها نحوهن : لماذا لا تصفقن لزميلتكن الفائقة مثل الباقيات .
قالت زميلة ، تجلس أمامى بالضبط فى الصف الأيسر المجاور للنوافذ العالية ، والذى أصبح منحازاً لى كاملاً ، وفخوراً بجلوسى معهن .
قالت جمالات : البنات غاضبات لأنها حصلت اليوم على قلم باركر من مدرس الرياضيات .
تبسمت الأستاذة نادية وقالت : عال ، عال . ومنى أنا كذلك هدية .
وفتحت شنطتها ، واخرجت منديلاً حريرياً جميلاً ، لونه أحمر قانى بلون الدم ، وصارت متجهة نحوى حتى أخر الفصل وهى ضاحكة : أتفضلى .
ثم قبلتنى قبلة طويلة فوق رأسى أمام كل البنات الغاضبات ، وقالت موجهة لهن الحديث :
لابد أن نسعد بفوز زميلتنا ، وانا أكاد أن أجزم أنها صاحبة رأى مختلف وجديد ، وهذا مالاحظته أثناء إجابتها فى الورقة .
ثم أخذت تصفق لى بيديها وهى مازالت واقفة أمامى . وأنا أشعر بالخجل والحب ، والنجاح والأبهار والعظمة .
ثم صفقت جميع البنات الجالسات بالفصل حتى الصف الجالسة فيه إيناس ونهاد ، وظلتا هما صامتتين مغرورتين ، حانقتين .
هدأ الفصل بعد قليل ، وقامت هدى من مكانها ، وأخذت أدواتها وتركت المقعد الذى تجلس عليه بجوار إيناس ونهاد ، وجاءت تجلس إلى جوارى ، وهى سعيدة ، وقالت بهدوء شديد : من اليوم سوف أجلس إلى جوارك ، ممكن .
هززت رأسى ضاحكة : ممكن .
وصفقت البنات تصفيقاً حاداً ، هذه المرة ، والمعلمة معهن .
وظلت إيناس ونهاد صمتاتان ، وكأن على رؤوسهن الطير .

                        **************************************


قصة فأل سئ

  فأل سئ لا أعرف بالضبط ماذا حدث لي؟ منذ ليلة أمس وأنا تنتابني حالة من العراك والغضب الزائد، لقد ألغيت لقاءً كان مهما بالنسبة لي في العم...

المتابعون