حلم البقع المستديرة
حينما استدارت بعينيها ناحيتى فى أمسية من
أمسيات الشتاء .
ورأت استدارة نهدى ورأسى الذى بلغ الحائط،
وعدت الجدة ببعض الحناء وملاءة مطرزة لليلة عرس . ذكرتها أمى بغمزة من عينيها أننى
إلى الآن لم أختن، بصقت، وحلفت بأغلظ الأيمان ليتم هذا على حجر زوجى المنتظر .
وفى أكتمال القمر، سحبت جرتى الصغيرة، وذهبت
للنهر، كنت قد حكيت لأمى عما أراه فى ليلى، حين أصعد للمخزن، أرى فى القاع قمرا
كبيرا يضحك، ويمد يده ويأخذنى هناك أركب الهواء، وأضحك، وهو يكبر.. ويكبر، يغمرنى
وأصبح، لا شىء .
ضحكت وقالت : خيرا .
هذا عريس قادم، رزقه واسع، سيغمرك بالمال،
وتصبحين سعيدة .
ضحكت .
رأيت وجها، يضحك، تراجعت، سمعت صوتا يردد :
لا تخافى.
نظرت لوجهه، وجدته يبتسم، اهتز داخلى، وشعرت
بدغدغة فى صدرى، كان يفعلها عندما كنا نطير . مددت ذراعى احتضنه، رأيته يبتعد :
- إلى أين ؟
- مسافر .
- لم ؟
- من أجلك .
- ومتى تعود ؟
- حين أجدك فى انتظارى .
وكان فى ارتحالك جدتى بعض مصيبتى، وفى البقاء
وحدى كل الأمنيات .
وجدوها مخنوقة بشاش رأسها، ولم يعرفوا من ؟
يومها، لم يكن عمرى يعرف أبعاد ما تعنيه إلا
حينما تركنا معا كى نتحد،
وطنين جملة لم أقلها : زوجتك نفسى .
وشاش آخر تحت وسادتى، ينتظر الخروج .
وقبل انفجار الغشاء بدقائق – من دفء الظهر
إلى نقطة قذف أخيرة – كان يرتجف، ويلملم جسدى، ورذاذ كلماته يسقط فى فمى .
تجاوزت الحدود والمسافات، وسافرت خارج أطوارى
باحثة عنه،
وحين يصبح الموت أقرب من دفعة زفير، تكون
تكونت عندى ملامح جدتى، وتذكرت وقفتها طويلا بانتظاره " فى كل ليلة نصف
" تقف هناك، فى أعلى مكان لتستطيع رؤيته، أجرى وراءها منادية : من تنتظرين
جدتى ؟
تردد عابسة : لا شىء .
ابتسم داخلى : لن يأتى .
" وألمح البنات يضحكن " أتذكر
دغدغة صدرى، أضحك، وأهرب، حين ألمحها جالسة وحيدة فى حجرة الفرن، أدخل عليها،
أسألها : ما بك جدتى ؟
تجيب ساهمة : لا شىء .
ونادتنى باسم أجهله .
وعشية ليلة، حكيت لأمى عما سمعته، قالت : لا
شىء .
"القمر" لا يكبر، والجدة تنتظر،
وأنا أكبر .. وأكبر.. وأصعد كل ليلة نضحك معاً، ويأتى، ويأخذنى هناك ثم نعود .
وفى ليلة استحلفتنى بمن فى السماء، أن
أنتظره، وكعادتى أردد : لن يأتى .
وهى تلح : اذهبى .
" بوسع السبع سموات " وجدته، مددت
يدى تحت الوسادة، خنقته .
مايو 1987