الخميس، 21 سبتمبر 2017

الأسير

يسير واضعا ذراعيه خلف ظهره، وراءه يتبعه بخطواته، حاملا سونكه المعهود .
يقترب خطوه، يفتح بابا ينتهى بسرداب مظلم، يزجره بعنف . ينكفىء على الأرض، يهوى داخل السرداب .
يشعر أن الأرض تميد به ، تجذبه نحوها ، تحاول أبتلاعه .
فى ركن مظلم، يتقوقع فى جلسته، يضم ساقيه إلى صدره، يدفن راسه بينهما، ينتظر .
من آن لآخر، يدخل عليه فى يده كسرة خبز وجرعة ماء .
يتركها أمامه .
كل يوم يسمع خطوات السجان بحزاءه الثقيل يقطع جدار الصمت، يدخل عليه ، يطل برأسه ، يراه ، يعرف أن يوما قد فات وآخر قد أتى .
يقف يحفر بأظافره اليوم الماضى خطا طويلا بطول سنين العمر،
واحد .. أثنين.. عشرة.. عشرين .. واحد وا .. يمد يده بكسرة الخبز .
تذكر أن اسمه بدأ يتلاشى من ذاكرته، والأيام تتشابه ، تمر بطيئه، كأنها دهرا، الليل والنهار شبيهان .
كلاهما مظلم، ظلامهما راكد فى الزوايا والركان .
استدار حول نفسه فى حالة هستريه، سال السجان عن اسمه، أخذ يحفره بجوار أيام العذاب الطويلة .
يتركه، يغلق الباب خلفه، يسرى الصمت ثانية، يجلس متقوقعا، يشعر بكائنات تتطاير، أخرى تزحف، تصعد فى خفة على جسده، تختبىء داخل هندامه .
اليوم عرف أن هناك أشياء أخرى تعيش، تتحرك بحرية، يشعر بأنفاسها، بأنفاسه، رائحتهما تتشابه، تلدغه.
يقف .
يتحسس جسده، يمسكها بيده، يتأملها، يضعها على كفه، يحدثها .
- أهكذا نتساوى !
أهكذا، يهان الإنسان، أهكذا، أهكذا .
ينظر حوله، يجد جدران صماء صامتة، لها ألف لسان يخرج له، أخذ يصرخ، ويصرخ، أهكذا . يرفع كفيه للسماء، ينظر عاليا، يرى سور حديدى، يتخلله بصيص من نور، ينشرح صدره .
يجلس .
يشعر بجوع، يبحث عن قوته، يمتلك كسرة الخبز بيده، يقضم منها قضمة، يلوكها فى فمه، يسمع صوتا خافتا، يأتى من خلفه، يصغى فى صمت . الباب يفتح ببطء . قدم تخطو خطوه ثم تتراجع، شبح رجل يتسلل فى الظلام . وراءه رجل آخر، خطوات قدم تتعثر،بدفعه قوية يدخل،
فى ركن مظلم يتكوم، يتصاعد منه أنين .
سمعه .
ترك كسرة الخبز من يده، أخذ ينصت .
الصوت يخفت شيئا.. فشيئا. ينصت أكثر .
بخطوات ضعيفه، يتجه ناحية الصوت.. يقترب .
يرى شبح رجل مكوم .
يميل عليه بجزعه، يقلبه يمينا، يسارا، يرى أثار تعذيب، وجرح حديث .
تحسسه بأنامله . شعره أشعث، ملابسه بالية . عرفه من قسماته، تذكر أيام الطفولة والقلوب الصافية .
نظر أكثر . وجده يتأوه، يطلب ماء .
استدار للخلف، سار عدة خطوات، تناول الكوب بيده، سمعه يئن، أضطرب، تعثر فى مشيته، انسكب الماء على الأرض .
عاد إليه ، وجده يحتضر، علته صفره تشبه صفرة الموت، يتصاعد منه صوت ضعيف، يطلب ماء .
أرتجف قلبه، أنحنى على الأرض ساجدا، يلعق قطرات الماء المنسكبة، يجمعها داخل فمه، أختلطت بلعابه، أنحنى عليه .
أخذ يقطرها له  قطرة، قطرة .
أرتوى، أنفرجت شفتاه، تشكلت فوقها أبتسامه .
أحتضنه، أخذ يربت على ظهره بيديه .
كعادته ، يدخل فى صمت ، فى يده كسرة الخبز، وجرعة الماء .
سونكه خلف ظهره، معلقا فى ذراعه .
رأهما يضحكان .
أخذ يسبهما بألفاظ بذيئة، يلعن أباءهما، وأباء أباءهما ، يشوط أحدهما بقدمه ، يبصق عليه .
يتملكهما الغيظ .
من الخلف، يقفز أحدهما عليه، بكلتا يديه، يملك عنقه، بقبضة قوية، يطرحه أرضا .
يأتى الآخر، ياخذ منه مايحميه، يصوبها تجاه، يضربه، يتصاعد منه جئير عريض، على صوته، يأتون جميعا، الواحد تلو الآخر .
فى خفة، يزجرهم بعنف .
يدخلون منكسى الرؤوس، يمتلىء السرداب على أخره .

                        ******************************


قصة قصيرة (عزيزي أصلان)

  عزيزى أصلان     الآن وللمرة الثانية انتهى من وردية ليل . لم يكن يشغل بالى سوى العم بيومى وهو يرفع وجهه ( أول دور مش تانى دور ) جملة ...

المتابعون