كل يوم صباحا وعند ذهابى إلى العمل الجديد فى السابعة صباحا أو السابعة
وربع تحديدا ، أرى أمامى وجوها جميلة ، تسير مبتسمة ، وجوه مغسولة بماء الورد أو
اللافندر أو كلونيا خمس خمسات ، إنهم الموتى !
هكذا حدثت نفسى .
وربما يكون ما ذكرته كان ماضيا وأنتهى ، كان
فى زمن قديم .
إنهم السادة العظماء القدامة ، سادة الأبيض
والأسود .
وأصبح السادة الجدد يستخدمون كريم حلاقة جيد
وجديد ومختلف ومستورد ، ولكن كانت الجثث الوسيمة السابقة والتى تطالعنى كل يوم
ببشرتها شديدة البياض والجمال ، وهى تنتظر السائس يأتى بالسيارة من الجراج ،
وبالقرب منها بخطوات ، هى بضع خطوات أراها تصنع طبقة مغايرة ، طبقة قد تكون أدنى
مرتبة منهم وهم ينتظرون سائق الميكروباص سليط اللسان وهو يضحك ساخرا : ياللا يابشر
، تحرير ، أسعاف ، رمسيس
يقف فى أول جامعة الدول العربية تحديدا .
أرى السائق الأسمر النحيف يضع على عينيه فى
الصباح الباكر نظارة سوداء ، أغمق من لون بشرته قليلا ، مما تضيف على سمته بعض
الغموض والوسامة ، يقترب السائق من العربة ، يجلس على الكرسى الأمامى ، ثم يجلس
السادة الأموات ، أقصد يجلس السيد على الكرسى الخلفى ، متصفحا بعض الجرائد الأجنبية
.
وسائق
الميكروباص يشدو بأغنية بذيئة ، ثم يتفل
على الأرض ، وهو يردد بحرقة : آه يابشر .
هذا المشهد كنت أراه فى الأفلام قديما ،
فأضحك فى سرى وأنا أردد ،هل هناك حقا سادة حقيقيون فى هذا الواقع المعاش ؟
الآن رأيتهم بالفعل على بعد خطوة من محكمة
العدل الجديدة ، أو ربما تكون المحكمة الدستورية العليا ، لم يثبت الأسم فى رأسى
بعد ، حيث يتجاوزها السائق كل يوم وهو عابرا فى سرعة خاطفة ، شارع جامعة الدول
العربية ، ويبصق بصقة كبيرة من النافذة ويغنى : آه لو لعبت يازهر .
لقد تجاوزت من العمر الكثير ، ومازلت أسير على
قدمىِ المتعبتين بآسى وحزن . وهم يتقدمون
أمامى داخل سيارتهم الفارهة ، والسائس يفسح لهم الطريق . والسائق مازال يبصق من
النافذة ويغنى ، ويردد بين الحين والآخر : أسعاف ، تحرير ، رمسيس .
**********************************************************************