القلب الرومانتيكى
شهادة للكاتبة / صفاء عبد المنعم
**********
بينى وبين نفسى علاقة غير مستقرة !
علاقة امرأة تقوم بكل الأدوار بامانة وصدق ،
وعلاقة الغرام بالكتابة وبالذات بدأت منذ الصغر عندما كانت جدتى تجمعنا حولها قبل
النوم لكى تحكى لنا الحكايات الغرائبية عن الجن والغول وأم الشعور وجنية الساقية ،
وعن الحيوانات الأليفة والمفترسة ، وكانت حكاية ست الحسن والجمال والشاطر حسن هى
من أمتع وأجمل الحكايات عندى .
وكانت تشجعنى جدتى على القوة والشراسة وعزة
النفس ، وحب الكتابة عندما بدأت أمسك بالورقة والقلم ، وأرسم الحكايات ، وامسكت
القلم وكتبت به على الصفحة البيضاء كى أكتب شعرا فى المناسبات وألقي بعضا منه فى
الإذاعة المدرسية صباحا ، وكنت أخط بعض الجوابات للأحبة المقهورين من تلميذات
الثانوى صديقاتى ، فعرفت بينهن بصاحبة الأشاعر والأحاسيس الرقيقة ، ثم عشقت شكل
الكلمات والتيان بكل ماهو جديد ومختلف ، والبحث فى الأثر عن الجذور التاريخية
للهوية المصرية ، وكيف صنعت الهوية الشخصية فى مصنع الآخر .
وكانت الحرب فى البداية عنيفة ( هزيمة 67
وحرب الأستنزاف ثم حرب أكتوبر 1973 ) كنت أخاف من صوت المدافع واهرب داخل حضن جدتى
الكبير .
ومع الوقت أصبحت علاقتى بالكتابة غير مستقرة
، وأتتتجهت نحو القراءة فى السياسة كى أأأفففهم مايحدث ( الأنفتاح – السوق الحرة – تعويم الجنية
المصرى – الخصخصة ) كانت المعركة بين الإبداع والسياسة شديدة ، فأنتصرت الكتابة
وطغت وروح الإبداع ، وبدأت معركة مختلفة
هادئة وبصبر عجوز تجاوزت رومانسيتها ، خرجت مجموعة ( تلك القاهرة تغرينى بسيقانها
العارية 1990 ) إصدارات مصرية ، إنها كتابة الجسد والقلب الرومانتيكى تبحث عن
الذات الضائعة فى حوارى العاصمة ومقاهيها
.
أيتها الذات القلقة !
والخجول ، الصامتة التى تلقى بى إلى المهالك
دائما رفقا بى أرجوكى ، فكانت ذاتى تعانى فى صمت من عملها فى التدريس ،
واشيائها الضاغطة والمشكلة عبأ رومانتيكيا ومؤسويا على وجودها المادى ، فأنتجت
مجموعة ( أشياء صغيرة وأليفة عام 1996 ) عن سلسلة أصوات أدبيية .
وبسبب طيبتها وصمتها ، ورحابة صدرها ،
والتمتع بدرجة عالية من التسامح مع
الآخرين ، خرجت مجموعة ( بنات فى بنات عام 2000 ) بعد رحيل رفيق الإبداع والطريق
القصير الشاعر مجدى الجابرى .
دائما أتهم نفسى بالتسرع كما حدث مع أوديب
فوقع فى الخطأ ، وقتل الملك أنا أدفع دائما ثمن تسرعى واختيارى السريع ، ولكنها
الكتابة ، أكتب وكأن الشخصيات تقف فوق راسى صارخة : أريد الخروج ، أريد الخروج .
فتملى على مايحلو لها من أزمات وحكايات ،
وتصبها صبا على الورق ، فكانت رواية ( من حلاوة الروح عام 2001 ) بالعامية المصرية
طبعة أولى أصدارات رؤى ، طبعة ثانية أصدارات سنابل .. وكانت أول رواية.
هاتفنى بعض الأصدقاء
أكتبى بالفصحة – من أجل الترجمة وللنشروالجوائز والتوزيع فى
الدول العربية .
لماذا كتبتى بالعامية ؟
هذه المخططات لم تكن فى رأسى ، كل ماكان
يشغلنى هو التخلص من إلحاح الذاكرة .
عندما سألتنى صديقة عن البحث عن جدى القديم ،
أخترت جدى الحكيم بتاح حتب من الدولة القديمة .
وعدت أبحث فى الفلسفة الوجودية عن تاريخ
وجودى ومختلف فعشقت كياركجورد وفلسفته الوجودية المؤمنة فكانت رواية ( قال لها يا
إنانا عام 2008 ) أصدارات نفرو .
لم يشغلنى كثيرا كونى كاتبة !
ولم أروج قط لمفهوم ثابت ومثالى !
ولكن كان هناك أيمان قوى بعشق الأماكن
والوجوة ، وأن الحكى هو الوسيلة الوحيدة للأنقاذ من كل الحروب الرومانتيكية مع
الذات فكانت رواية ( التى رأت عام 2009 ثم رواية فى الليل لما خلى 2010 ) فتخلصت
فيهما من جزء كبير من المشاعر الضاغطة والمعطلة للنفس ورهرطة المشاعر الثقيلة على
الذات .
كنت أحب المعارك والغزوات التى أدخلها مع
نفسى ، والتى تعزلنى أحيانا عن الناس ، وتسبب لى غكتيئاب موسمى فى الشتاء .
وأحلم دائما أن أكتب عملا مختلفا عما قبله
وثوريا فيما يقدمه فكانت رواية ( ريح السّموم )مكتبة الأسرة النبؤة لم نحن نعيش
فيه ونعانيه من تصحر المشاعر بين الأخوة ، والمد الوهابى للفكر المصر والثقافة
البدوية تزيح فى طريقها ثقافة دامت ألاف السنين ..فخرجت الرواية بروح شاعرة تدق
ناقوس الخطر من العدو الضمنى الذى يجلس امامك أو بالقرب منك ، أو على بعد خطوات ،
أو شريكك فى البيت .
كان جدى
يبهرنى باسطورة الثرى العاطل حفيد حسن باشا زايد يجلس على الزراعية فى يده
المنشة ويرتدى الجلابية السكروتة الغالية و يتعالى على جدتى الفلاحة المصرية بنت
الأرض ويقهقه :
أنا
بيه ، وجدى باشا ، وخالى العمدة.
وضاعت ثروته ، وذهبت الأرض ، فبهرنى هذا
العالم ، والتاريخ العائلى الملىء بالسرار والطفولة ، وتعلقت بالعالم السحرى من الحكايا ، وشعرت
بالبحث عن جذورى واحسست بالقيمة ، ولكن لم يصبنى العفن الأسطورى فجدى هو حسن باشا
زايد من أعيان المنوفية والذى تبرع لبناء جامعة القاهرة بخمسين فدانا وهذا مذكور فى تاريخ بناء الجامعة ، وقد ذكره
الكاتب محمد السيد عيد فى مسلسل قاسم أمين .
أحسست بقيمة الذات المحبة للعلم والمعرفة ،
وبأننى سيدة الحكايات ، وأن تكاملى النفسى والذاتى والإجتماعى يأتى من أغوار النفس
العميقة المحبة الرومانتيكية ، فلم أعد ألوم قلبى على رومنتيكيته .
وأنا أكتب لا أتمثل أى قارىء بعينه !
أكتب لأننى أحب الكتابة واللعب بالكلمات على
الصفحة البيضاء ، والولع بأن هناك قارىء ضمنى يبحث عن كتابتى وابحث عنه فنلتقى فى
نص او أثنين ونفترق لنعود فنلتقى فى نص أو أثنين ، ولا يرضينى إلا أن ابهره دائما
بكل ماهو جديد وواقعى ومعاش ، ويسير على الرض مثلى ، لا أقبل الخرافات واللعب
بالمشاعر ، ولكننى أجيد تجسيد الواقع بشخوصه وحياتهم المختلفة والمرتفعة قليلا عن
أرض الواقع .
ومغرمة أيضا بالشخصيات التى أصادفها فى حياتى
فتترك فى نفسى أثرا لا ينسى أو آسى لا يمحى مثل شخصية ام جابر فى رواية التى رأت ،
وجميع شخصيات من حلاوة الروح ، وشخصية امى فى سيدة المكان ، وشخصية جدتى فى نفخ
القرب ، وستى تفاحة عمة أبى ، البروفسير فى رواية قال لها ياإنانا ، ونور وملك فى
رواية امرأة راقية ..الخ
المكان عندى هو بطل وهو شخصية محورية أيضا !
المطرية
مكان روحى ومكمن طفولتى .
الجغرافيا والتاريخ وجامعة أون والمسلة وشجرة
مريم وبئر مريم وسيدى المطراوى هى نقطة النور التى أنطلق منها فى حركة مكوكية عبر
الزمان والمكان ..
من الصعوبة ان يكتب المبدع كما يعيش بالضبط ،
ولكن يعيش كما يكتب ليس لدى رسالة جاهزة أقوم بتبليغها أو أقدمها للعالم المعرفى
أو الإبداعى ، ولكن أعيش داخل الفوضى كى أصل إلى الرسالة المكتشفة عبر الكتابة .
الراوى
عندى يتجدد ويختلف من عمل إلى آخر
،ولكنهدائما يقع فى يد امرأة غير خجولة عن تعرية اوراقه الشائكة .
لا التفت كثيرا لم يثار من جدل حول أعمالى !
لا أبحث عن الأضواء ، هى تأتى أو لا تاتى
فأنا أكتب لكى أحيا ، أكتب لكى اعيش ، أكتب لكى أفهم .
عندى مجموعة من القناعات الشخصية أحبها
وأحافظ عليها مثل العمل مديرة مدرسة ، حب الأطفال ، ورشة تدريب الموهوبين ، ورشة
الحكى ، أحاول أعادة مجد جدتى الحكاءة القديمة شهرزاد .
ولكن هناك سؤالا حائرا .
لماذا هربت الملائكة المرفرفة من حولنا .