الجمعة، 20 فبراير 2015

مدونة

  • الليالى

    الليالى 

    جلست تحكى لى عن موت زوجها . 
    هى تسرد الأحداث ، وتحاول أن تدارى دمعة وحيدة وقفت إلى جوار زاوية عينها اليمنى . الدمعة لا تنزل . وهى تحاول أن تجسد لى الموقف لكى لا ألمحها واقفة . 
    كانت تحكى بكل جوارحها ، وبتأثر شديد ، وتحاول أن تجسد لى الموقف لكى أكون فى قلب الحدث ، وكأنى شاهدته عن قرب ، وبين فقرة وأخرى ، تدعى بتأثر شديد : والله ده اللى حصل وإن كنت بكدب أنشل فى لسانى . 
    أرد عليها بتأثر المستمع ، ولهفة الشوق لتكملة حكايتها : بعيد الشر ، أنشالله العدوين . 
    قالت : والله يامس ، ولا ليكى عليا يمين ، الراجل رجع من الشغل زى الفل ، وأتعشينا ، ويادوب عملت له كوباية النسكافية ، ومدد جنبى على الأرض . أنا كنت بتفرج على التليفزيون ، قلت له : قوم نام على السرير . قاللى : همدد شوية ريحك ، وبعد ما تخلصى أبقى أطلع أنام . 
    ويادوب أنا صبيت النسكافية فى الكوباية . قاللى : كتفى تقيل ، أى . قلت له : مالك ياأخويا . قاللى : كتفى تقيل مش قادر أحركه . 
    كانت أمه نايمة على السرير فى الأوضة ، صحيت ، والعيال : مالك يابا ، مالك يابابا ؟ 
    مافيش ، كلى اللى عليه ماسك كتفه ، والدموع نازلة من عينيه زى الحنفية ، جريوا العيال على عمهم ، يشوف فيه إيه ، على ماجه ، كان خلاص مبقاش ينطق ، قمنا خدناه وجرينا بيه على الدكتور ، يادوب هيه حتة صغيرة اللى مشيها معانا ، وجسمه كان زى التلج ، وقع قدام الجامع ، راح سر الإلهى طلع . 
    والله ما أشتكى ، وكان زى الفل ، وأنا والعيال كنا قاعدين حواليه ، وماكنش بيسيب ولا فرض من فروض ربنا ، لكن نقول إيه أعمار ونصيب ، كل واحد بياخد نصيبه .
  • وجه أمى

    لأمى زجه أبيض ، مشرب بالحمرة . 
    قديما وأنا طفلة ، كنت أحب النظر إليها وهى عائدة من السوق ، حاملة السبت الخوص فوق رأسها ، وعلى ذراعها تحمل كرنبة كبيرة . 
    كنت أجرى عليها فاتحة ذراعى ، أحتضنها من ساقيها . 
    تنحنى علىّ قليلا . 
    ثم أحمل من يديها الكرنبة وأجرى أمامها فرحة منادية : ماما جت ، ماما جت . 
    تدخل البيت ، تنزل السبت الثقيل عن رأسها ، ونلتف نحن الصغار حولها ، مهللين : جبتى إيه حلو ؟ 
    تضحك ، وتخرج كيس الجوافة البيضاء من السبت ، وتقوم بغسلها وأعطاء كل واحد منا نصيبه ، وهى تضحك فى ود وحنان . 
    كان لأمى وجه صبوح ، ورقبة طويلة بها بعض التنيات . 
    كنت أحب النظر إليها وهى ترفع القلة عاليا دون أن تلمس شفتيها ، تشرب فى استمتاع ، والقلة تكركر . وأنا أرفع عينيى فى أعجاب ومحبة ، وهى تخلع الطرحة عن رأسها ، وتقوم واقفة إلى المطبخ تجهز لنا طعام الغداء .
  • فى ظل الأحداث

    منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 ، وأنا كنت أطمح إلى مستقبل أفضل لبلادى ن التى تربيت على أرضها وشربت من نيلها العظيم ، وكذلك أنا وجيلى ومن سبقنى تربينا على أنجازات ثورة 52 وما حققته من منجزات فى التعليم المجانى ، كنا نجلس فى الفصل الواحد الغنى بجوار الفقير وأبن العامل إلى جوار ابن المهندس ونتلقى تعليما واحدا من نفس المعلم ويمكن نربى صدقات طيبة من بعضنا البعض ، وعندنا طموح كبير فى الخروج من الطبقة الفقيرة والترقى بالتعليم والتفوق إلى الشريحة الأعلى ، شريحة المتعلمين والأفندية ، والدى كان عاملا فى المصنع الحربى ن وأمى ست قروية طيبة ن ولكن كان الطموح داخل قلوبنا وطوق النجاة هو التعليم ن والتعليم فى صورة جيدة ومجانية وفرت لى ولأخوتى أن أن نحصل على الشهادات ونعمل فى الحكومة ، وصار لكل منا عالمه الذى أختاره ن وكذلك نسعى إلى تربية أولادنا بنفس القدر ونفس الطريقة ، ولكن حالة العلم والمدارس تغيرت ، أصبح هناك نوعيات من التعليم لعلية القوم والمدارس الأنترناشونال والمدارس اللغات والجامعات الخاصة ن وأقتصر التعليم الحكومى على شريحة الفقراء ن وكفتالدولة عن بناء المدارس فى كثير من المناطق ، فيضطر الموظف والعامل أن يقتطع من قوة يومه لكى يدخل أولاده إلى المدارس الخاصة العادية والتى تشبه مدارس الحكومة البسيطة ، فالعبىء على الموظف البسيط زاد وبدلا من أن يحيا حياة كريمة ويتمتع بما يحصل علية من راتب متواضع أصبح يلهث وراء التعليم لكى يخرج أطفالا يسيرون فى الحياة مثله ولا يتزحزح قدر أنملة عما ورثه هو من فقر ، وكأنها دائرة جهنمية ليس مكتوب لنا الخروج منها ، أضف إلى ذلك ألغاء القوى العاملة ، مهما كانت باخطاء توزيعا للوظائف لكنها كانت حائط أمل لمعظم الشباب فى العمل ، وتحسين الوضع . 
    الآن أصبح الأب يدفع دم قلبه فى تعليم أبنائه ، ولا يعملون ويرفعون العبء عنه ، واضف إلى ذلك عبء الأسكان الباهظ التكاليف ، والله فى الستينات كنا نعيش فى شقة كبيرة وواسعة وجميلة ويدفع أبى 175 قرشا أجرة لها ونأكل طعاما فاخرا وبالسمن البلدى واللحم الطيب وأمى تربى الطيور الجيدة فى البيت من الأوز والبط والدجاج ، كنا نعيش عيشة رغدة وأنجب 5 أولاد وتعلموا جميعا . 
    الآن الزوج ينجب طفل أو طفين ويعمل وزوجته تعمل ، ويعيشون عيشة عادية أو أقل فى سبيل تعليم الأولاد ودفع الأيجار الذى ربما يكون أكبر من راتب أحدهم . 

    كان أملى أن الثورة سوف تنظر مرة أخرى للفقراء وبعين مختلفة عن نظرة ثورة 52 ، أى تضع حدا للأجور يكفل للأنسان أن يحيا حياة كريمة ويستطيع تربية أولاده وتعليمهم تعليما جيدا ويعيش فى مكان جميل تحيط به الخضرة ، ولكن بدأت صراعات المناصب ومن يستحوذ على من ومن يسيطر ومن يفرض رأيه ومن هو الأفضل ، وضاع الفقير فى زحمة الصراعات ، وربما يظل فقيرا حتى لو تصحح مثار الثورة مئات المرات .
  • ونس ( قصة قصيرة )

    ...وهكذا . 
    . عندما يقترب تجلس جوار الباب على الكرسى ، تنتظر صوت الخطوات على درجات السلم . 
    عندما يقترب . تفتح الباب فى محبة مفرطة . 
    يستقبلها أمامه ... 
    مساء الخير . 

    وتواصل الخطوات صعودها . 
    تضغط عل الباب بيدها ، وتضىء نور السلم : 
    ..يسعد مساك . 
    وتظل واقفة مكانها الى ان تسمع صوت غلق الباب العلوى ، فتدخل متكئة على تجاعيد يديها ، تفرش بساط اللهفة والحب ، محدقة فى صورة الماضى . 
    الصورة التى طالما ألمتها كثيرا وأرسلت الرياح تجاهها ، ففتحت جراح الشوق . 
    - ... 
    _ يسعد مساك . 

    عاد لها باب يفتح ويغلق ، ماعادت أسنانها تصطك بردا فى الأمسيات الباردة ، عادت تحلم أن هناك آخر ينتظر . عادت بحار الملح تلتقى بجسدها ، فتخرج مصوصوة : 
    .. ألحقونى . الملح أكل جسمى . 
    هذه . 
    الآن تجلس بالقرب من الباب ، تنتظر صوت الخطوات ، تنتظر أن يفتح الباب ، وترى عينيه ، حدقتان واسعتان ، ويد مرتعشة بالدفء . 
    - الله .. أنت لسه صاحيه ؟ 

    كادت أن تلقى بشال رأسها عند قدميه ، وتسميه حبيبا . 
    كادت أن تتعثر فى خطواتها نحو الباب ، وتفتحه ، وتضىء النور ، فترى الخطوات تواصل صعودها ، متخطية الواقفة . 
    - ... 
    - ..يسعد مساك . 
    باتت تحب الخطوات ، باتت تحلم . 
    وتجلس كل ليلة على الكرسى جوار الباب ، تصغى قى لهفة للصوت ، وتحبك شال رأسها . 

    ***************************** 

    مايو 2000 
    نشرت فى مجلة الكرمة
  • واحد حرية وصلحه

    [كانت تعتقد أنها تمتلك العالم طالما معها كتابا فى شنطتها وورقة وقلما ! 
    أخذت تتجول فى شوارع الزمالك الراقية وهى تشرب من علبة الكانز مستمتعة ببرودة المشروب الذى يهدأ من حرارة الجو الخارجى , وسعيدة بحرية التجول فى الشوارع بشكل منفرد ووحيد وهى تردد بعض الأغانى داخلها وأحيانا تصفر بعض الصفارت بصوت خفيض , وتشاهد فترينات العرض والمعروضات الفخمة من أحدث الموديلات العالمية والألوان المبهجة والمميزة والتى لا تجد لها مثيلا الا فى محلات الزمالك , حتى الفاكهة طازجة ومعروضة بشكل جميل , قررت أن تشترى ( كيلو كيوى وكيلو عنب أسود وكيلو كريز أحمر ) الذى لا تجده الا هنا , وزيادة فى التطفل والأبهة قررت أن تسأل عن سعر تايير بديع لونه روز به أناقة بالغة . 
    دفعت باب المحل المكيف فقابلها الهواء باردا ومنعشا , بعثر بعض الشعيرات المصبوغة حديثا , ونزلت بعض الدرجات الرخامية البيضاء , وأخذت تتجول بعينيها باحثة عن فتاة المحل . 
    أتت ليها بنت جميلة وسألتها : أيوا يامدام , أأمرينى . 
    ترددت قليلا ثم قالت : عايزة أسأل على التايير الروز . 
    ذهبت الفتاة فى صمت وأحضرت التايير فى يدها وقالت : أتفضلى . 
    أخذت تقلبه أمامها وتتأمل جماله وطريقة تنسيق البادى التكواز معه : الله بديع , رائع . 
    ثم سألت الفتاة : بكام ؟ 
    بعد تردد قليل قالت لها : 800 جنيه , وعندنا خصم 15% 
    أخذت تجمع المبلغ الذى فى شنطتها فوجدته لا يكفى ثمن البادى , وضعت التايير على الشماعة بذوق رفيه وهى تعتذر للفتاة : آه أسفه ممكن أتجول فى المحل . 
    تركتها البنت وهى تقول لها : براحتك المحل تحت أمرك , ثم وقفت بعيدا تتأملها . 
    مجرد أن رأت السلم , صعدت الدرجات فى سرعة وخفة وهى تشعر بالغبن , وعندما أصطدمت بالجو الساخن أفاقت من غيبوبتها وأخذت تشرب من علبة الكانز فى سرعة ونهم وهى تردد بعض الأغانى الجديدة وتصفر بعض الصفارات العالية .
  • لوح أردواز ( الى أمى )

    أصبح لديها تاريخا تكتبه ! 
    منذ هذه اللحظة ، وهى تحاول كتابة ما يمكن لها تذكره من أحباطات وخيبات ومعارف وكم حاولت مرارا محو هذه الكتابات ولكنها تعود فتكتب من جديد . 
    كان هذا اللوح ملكا فى يوم ما لأمها وكم كتبت عليه بيديها الصغيرة وهى جالسة القرفصاء أمام العريف فى كتاب القرية . 
    وعندما فشلت فى كتابة الحروف نهرها الشيخ وقال لها : يابنت هاتى هذا اللوح فخافت وخبائته وراء ظهرها وبيدها المرتعشة رفعت حقيبتها القماش وانطلقت هاربة وصوت الشيخ يتبعها ، والعريف مازال يسمع لها قصار الصور . 
    هذه هى أمى القروية الجميلة الطيبة التى خانتها الأيام وجعلت حظها من الدنيا قليلا لإارسل لها العريف ذات مساء فى عشية من ليالى القمر وطلب يدها . فقال الأب سعيدا يومها : رجل بمخلاته لا يغلب بمراته . وزوجها له . 
    كان أبى طيبا ، وكان وقورا ، ولكنه كان فقيرا ، لا يملك ألا أيات بينات يتلوها على الأولاد فى الكتاب أثناء غياب الشيخ الضرير . 
    ولكن الأم الطيبة وهبته من الذكور والأناث ما كانت تخشى عليهم من مغبة اليام . ورحلا بعيدا بعيدا ، وضع مخلاته على كتفه وسار معها من بلاد الله الى خلق الله ، بلاد تشيلهم وبلاد تحطهم . الى أن جاءا الى مصر المحروسة وجاوروا الحبيب الغالى سيدنا الحسين .
    وفى يوم من الياموهى تعيد ترتيب بيتها الصغير ، وجدت لوح الردواز مركونا حزينا وعليه بعض الشخبطات الصغيرة كتبتها بنت صغيرة بيد مرتعشة وهى تحاول تسميع قصار السور والشيخ يناديها : يابنت هاتى هذا اللوح . 
    هربت البنت ، وهرب العريف ، وعرفا أن الحب بينهما كان أكبر من نخلة الجد العجوز و وأضخم من شجرة الجميز الراقدة على حرف البحر ، واجمل من ليالى القمر وسط عيدان الذرة العالية ،وأطعم من رائحة الخبيزة الطازجة بالعيش الساخن من الفرن . 
    وأن الحكايات بدأت معهما وبهما وانتشرت بين الصغار ، وتناقلاتها الأفواة فى ليالى الشتاء الباردة حول براد الشاى الكبير .
  • بنات فى بنات

    (كل مرة يمحون فيها شخصى 
    كنت أختفى من الوجود 
    وحيدة ومن عينى تسيل دموع 
    كنت أمشى وراء تابوتى 
    كنت أربط عقدة فى منديلى 
    ولكننى كنت انسى أن هذه 
    لم تكن موتتى الأولى 
    فأبدأ الغناء من جديد) 

    هكذا تبدأ القاصة صفاء عبد المنعم ، مجموعتها القصصية بتلك الأغنية من الأرجنتين .. ولابد أن تلك الأغنية قد وافقت هوى فى نفس الكاتبة .. أو تلك الكلمات تكاد تعبر عن انسان العصر بوجه عام .. ذلك المحبط اليومى المحكوم عليه بالحياة . 

    ماذا أفعل بكل هذه اللهفة والخوف ؟ ماذا أفعل وأنا أقترب من الأربعين برجل يلعب معى فى أوقاتى الضائعة ؟ 
    ماذا أفعل وأنا لا استطيع أن أخبر أمى بأننى صرت قديمة ؟ 
    قديمة مثل البيت ، والباب ، وضلفة الدولاب ، مثل كنوزى التى أجمعها من الأسواق ، مثل الحروب القديمة التى انتهت . 
    ماذا أفعل وأنا بكامل ثيابى أنام منفردة ، ويأتى الصباح ويأتى المساء ، وورائى ام وحيدة تبكى ؟ 
    ماذا أفعل بكل هذا الشتاء فى ديسمبر ؟ 

    بالأمس ، ولول مرة فى حياتى ، صبغت شعرى ، أخذت الصبغة ، ودهنت بها رأسى ، فضحكت بحرارة وداعبتنى : والله وشعرك أبيض ياوزة ! 
    أكملت مداعبتها : ياالله بقى حسن الختام . 

    ماذا يكون نصيب امرأتين فى الحياة تقتسمان زجاجة الصبغة ؟ 
    الأولى تكبر وتشيخ وترفض الموت .. والثانية تضع زجاجة الصبغة على شعرها ، وتزجج حاجبيها ، ولا تزيل شعر الساقين ؟ 
    ماذا يكون نصيب امرأتين من الحياة التى اغلقت عليهما الباب وتركتهما ؟ 

    بقدر ما تلوح صفاء عبد المنعم فى تلك المجموعة جريئة فى اقتحامها للغة وللأبواب السرية ، بقدر ما تتبدى لنا لمساتها لتلك الدموع الحبيسة فى القلوب وحيدة تئن فى العمق ، لكنها قليلا ما تبين ، ستفسد روحها حتما طالما هواء الحجرة لا يتجدد ، وطالما تعبىء صدرها بالأعلانات . 
    "فى الصباح احسست أنى أريد ان أندس وسط الناس والزحمة .. ذهبت الى وكالة البلح وظللت أسير وسط المحلات .وطوابير الناس ، أستدفىء بصمتهم ، أخرج من شارع الى شارع ، الى أن ذهبت الى ميدان العتبة ، دخلت من عبد الخالق ثروت الى طلعت حرب الى ميدان التحرير الى كوبرى قصر النيل ، ظللت أسير الى ان تعبت ، رأيت برج القاهرة امامى ، صعدت لأشرب شايا ، طلبت قهوة ، وجلست انتظر أحدا " 

    الشتاء كثيرا فى عناويين القصص .. شتاء ،، شتاء آخر .. ثم شتاءات ..، حتى قصتها الأخيرة امرأة من ديسمبر يقبع داخلها الشتاء أيضا .. أنه الأحساس العميق ببرد الحياة النابع من برد الوحدة . او على الأدق الحساس بالوحدة . والحقيقة أن هذا الحساس نابع بالتراكم من احساسها المرهف بآحزان كل من حولها .. كانما هى مسئولة عن كل مايحدث .. لأهلها ولمجتمعها ولكل المستضعفين حولها . 

    " الحياة الآن هى اولى أن تعش أم هى محاولات أخرى للحكى ، ونريد أن نحياها ، او نقبض عليها كاملة ؟ 
    أعرفك ان عمر نجم مات نتيجة أزمة قلبية مع انى رأيته يوم الثلاثاء فى التيلية وكان يضحك .. كما مات أنور كامل ، مات فى صمت المحبين الهادىء دون أزعاج ، كما مات خالد عبد المنعم فى وداعة وحب ..رأيته قبل موته بثلاثة أيام كان يحمل هاميس أبنة مجدى الجابرى ويقبلها ." 
    أنه الموت المفاجىء ، المتلاحق الذى يداهم فى غفلة غير عابىء بالعمر أو التوقيت أو المنطق " خلاص هسلم لقوة منطق الحياة .. ومش هاروح الشغل ! " 

    أنها تكتب عن صديقتها أروى صالح التى أخذت الحياة وقفزت بها من حالق الى أسفلت الشارع لتكتب بنفسها كلمة النهاية . 

    قد تكون مجموعة بنات فى بنات حاملة لجرعة كبيرة من الشجن والآسى ،، رغم العنوان .. ألا أنها تحمل أيضا قوة الأرادة التى تحاول التشبث بالحياة ، فذلك هو بالتحديد قدر النسان وهو ايضا سر عظمة ونبالته فان كان الوعى كفيلا بان يورثنا الحزن والاحباط فأن الوعى الحاد كفيل بدوره أن يجعلنا ندير الدولاب الى الناحية الخرى حيث يختبىء الأنتصار .. أو كما تقول الأغنية " فهذه لم تكن موتتى الأولى لذلك .. سأبدا الغناء من جديد . 

    بقلم : بهيج اسماعيل ( الأهرام المسائى ، الحد 8-4-2001 )
  • الناس فى فرح ياعظمة السلطان ( من ثورة 25 يناير )

    الحمد لله على نعمة النصر ! 
    عندما ذهبت !لى ميدان التحرير يوم السبت ( بعد تنحى مبارك عن السلطة ) رايت ما أضاف لى البهجة والعظمة على روحى ، شباب مصر ، فريق يقوم بتنظيف الشوارع وغسل التماثيل فى الميادين ، وشباب يرقص ويغنى ويقفون فى جماعات فرحة فى الميادين . الأمهات يوزعن الحلوى على جميع الواقفين بلا أستثناء . ولقد لمحت أسر كثيرة مصرية تقف فى تكتلات تستطلع الموقف ، ثم بعد دقائق تندمج فى الرقص الجماعى ( الأب والأم والبنات والشباب ) ثم يدخلون فى قلب الدائرة الجهنمية الفرحة يذوبون مع الراقصين ( المنتقبة بجوار السافرة و الأب بجوار الأبن ، والبنت بجوار الولد ) دون تحرش أو ضيق . العربات تمر فى ثانية ، يتم أفساح الطريق وتعود الدائرة للألتحام ثانية ، أنها حالة من الصهر الحر الواثق بأن ماهم فيه هو من صنع ايديهم الكريمة ، وأن هذا الفرح والذى يشبه 1لى حد كبير ( فرح العمدة ) فى القرى ، هو من صنع أبناء مصر ، والهتافات الصارخة ( أرفع راسك فوق أنت مصرى ) والرقص على أغانى ( محمد منير وشادية وعبد الحليم حافظ ) كانت تذاع من مكبرات الصوت ز 
    لأول مرة اسمع مكبرات الصوت دون الحساس بالضجيج والزعاج ، ولكنها مكبرات الفرح الجماعى ، لأول مرة ارى الرقص المرتجل فى الشوارع ، وأيدى الشباب فى ايدى البنات دون خوف أو حرج ، لقد سقطت كل المخاوف والكبائر والصغائر . 
    ياريت تظل هذه الروح دائما ! 
    ويظل هذا الرقص فى كل المناسبات دون خوف أو قيود . 
    ويكون يوم 25 يناير من كل عام هو دعوة للرقص الجماعى دون قيود فى جميع الميادين العامة مثلما يحدث فى الدول المتمدنة فى العالم . 
    لقد أكتشفت انه لا يوجد لدينا رقص شعبى جماعى يشترك فيه الصغار والكبار الرجال والنساء ! 
    لقد رايت العامل البسيط يرقص ويده تقبض على يد طالب الجامعة والمهندس والطبيب ، انها حالة من الفرح . 
    ليت الراحلين كانوا معنا فى هذا اليوم ونفرح بشكل جماعى ، كانت الصورة سوف تختلف . 
    دعو الناس ترقص وتغنى !لى حد الشبع لمحو أيام الحزن السابقة ، وتحية من القلب !لى ارواح الشهاء الطاهريين الذين ترفرف روحهم الان فى ميدان التحرير .
  • حمار الليل

    قديما كنا عندما نسهر أنا وأخوتى نضحك ونتحدث فى ليالى الصيف الجميلة ، كانت تضحك جدتى وتقول حمار الليل ركبنا ، يالا طفوا النور وناموا . 
    وعلى الفور نطيع الأوامر ونطفئ النور وندعى النوم ، ولكن ننام ونحن مازلنا نتحدث ونحكى الحكايات الشيقة والمغامرات التى حدثت طوال اليوم وشقاوة الأولاد . 
    فتدخل أمى حجرتنا وتضئ النور وهى تضحك : يجازيكوا ياعيال لسه صاحين ، وتدخل معنا فى الحكايات والقصص والمغامرات ونظل طوال الليل من حديث !لى حديث !لى أن يأتى النهار بالحر والملل فننام . 

    اليوم لا توجد ضحكات ولا حكايات ولا صوت جدتى ، ولا حكايات أمى . ولكن ظل حمار الليل يركبنا ويهز رجليه وهو منتصرا بحمريته .
  • الضيفان

    لم تكن تريد أن تعرف أكثر مما عرفته منهما . 
    فقط كانت هناك بعض الرتوش المشوهة للمنظر . 
    قامت من مكانها وأخذت تستند بكفها على الكرسى والمنضده التى تعترض طريقها وتنهدت فى صوت خفيض : الله يسامح الكل بقى ! 
    ثم دخلت حجرتها بعد معناة طويلة فى السير ببطء !لى أن وصلت وأضأت النور وأخذت تبحث بيديها العروقتين عن حجة البيت والكيس الذى تضع بداخله الأدوية . 
    ثم نادت بصوتها الخفيض : يابنت . أنت يازفته فين كيس الدوا ؟ 
    جاء صوت أبنتها من بعيد فى نهاية الشقة : عندك يا امى فى درج الكوميدينو . 
    تنهدت الأم ساخطة : مش موجود ياست البنات ؟ 
    خرجت الأبنه من المطبخ وهى تنشف يديها وتجرى نحو أمها و ثم فتحت الدرج واخرجت منه كيسا صغيرا به بعض الأدوية وقدمته لها فى رقة وصطنعة : أهه يا أمى . ثم عادت !لى المطبخ سريعا . 
    خرجت الأم من الحجرة وهى تتحسس طريقا وعادت !لى جلستها الأولى أمام الضيفين وفتحت الكيس بعناية واخرجت حجة البيت وأعطتها !لى الأول ثم تناولت بعض الأدوية وأغلقت الكيس جيدا . 
    ثم توجهت بحديثا !لى الثانى وقالت : أحنا كنا بنقول أيه ؟ 
    أيوه كنا بنقول أن المرحوم مات يوم الأحتفال بثورة 23 يوليو ، لما الشباب دول كانوا رايحيين عند وزارة الدفاع ، يوم معركة العباسية ، أنتوا نسيتوا ولا أيه ؟ 
    تنحنح أحد الضيفين من ثقل ذاكرة الأم وقال : نعم نعم ، نعرف هذا اليوم جيدا . 
    ثم رد الآخر فى برود ولا مبالاة : يا حاجة الموضوع وما فيه عايزيين نعرف حقنا فين ؟ 
    هبدت الأم بيدها على مقعد الكرسى غاضبة : حق أيه يا أبو حق ، هو أنت لك عندى حاجة ؟ 
    وأن كان الرحوم أبنى خد منك حاجة أهو عندك فى المدافن روح خده منه . 

    وغضبت غضبا شديدا جعل وجهها يحمر أو كاد يدمى ، وسعلت سعلا متواصلا ، ولكنها مازالت تتحدث بكلمات وعبارات متداخلة جعل صوتها أقل حدة وأكثر مرونة : بقى أنا بقول لك مات ، والبيت بأسمى وحجة الأرض معاك وتقولى حق ، أنا متعاطفة معاك وعايزة أحل لك مشكلتك و تقولى حق ومستحق ، بالعربى أنا مخدتش منك حاجة ومالكش حاجة عندى . لكن ... ثم تناولت كوبا من الماء وأخذت رشفة كبيرة . الله أما أخزيك ياشيطان ، عايزنى أبيع البيت اللى متاوينى أنا والأيتام دول يرضى مين بس ياربى ، أستغفر الله العظيم . 
    رد الشخص الآخر المصاحب له : نصبر ياحاجة ، نصبر . 
    ثم قام من مكانه وأخذ بيد صديقه وخرجا . 
    أغلقت الباب خلفهما بقوة وهى مازالت تسعل : قال حق قال ! وأنا حقى عند مين ؟ أربيه وأربى عياله كمان . 
    خرجت أبنتها من المطبخ وهى مازالت تمسح يديها من أثر الطعام : خير ياأمى ، أهدى عشان خاطر الطفلة اللى أتفحمت من العياط دى . 
    ثم مالت بنصف جسدها وقبلت رأس أمها : مش حلو الغضب على شانك الكبد يرجع ينزف تانى . 
    ثم ألتقطت الطفلة الجالسة على الأرض تبكى فى صمت وأخذت تغنى لها : بابا جى أمتى جى الساعة سته ، راكب ولا ماشى ، راكب بسكلته ، بيضه ولا حمره ، بيضه زى القشطة ، وسعوا له السكة وأضربوا له سلام . 
    ثم أخذت تهدهد الطفلة حتى نامت .

قصة فأل سئ

  فأل سئ لا أعرف بالضبط ماذا حدث لي؟ منذ ليلة أمس وأنا تنتابني حالة من العراك والغضب الزائد، لقد ألغيت لقاءً كان مهما بالنسبة لي في العم...

المتابعون