الجمعة، 20 فبراير 2015

مدونة

مدونة 55


  • كانت كأمى

    كل مساء ، كنت اذهب إلى هناك ، أحمل كتبى تحت أبطى ، وأدخل إلى محراب العلم والهدوء . 
    كانت تفتح لى الباب وتضحك : أدخلى يابنت الكلب ، وأوعى تعملى صوت ، الأستاذ لسه نايم . 
    أدخل ، وأجلس إلى جوارها مثل قط أليف . 
    وهى تطبق الغسيل وتضحك : أتعلمى يابنت الكلب كويس ، أوعى تطلعى خايبة ، سيبك من الهم اللى فيه أنا وأمك . 
    أضحك بشفتين قرمزيتين صغيرتين ، وأمد يدى أطبق الغسيل معها . تجذب من يدى الملابس وتنهرنى : أفتحى الكتاب وذاكرى ، راجعى اللى خدتيه إمبارح ، سيبك من الغسيل ده ، خلى الهم لأصحابه . 
    كانت كلما تها تبهرنى رغم الشتائم المتواصلة والمصحوبة بنصائحها ، ومع ذلك كانت هى بوابتى المخلصة التى تفتح لى باب الحياة الحلوة ، وتضحك : تعالى يابنت الكلب ،الأستاذ نايم . 
    أضع كتبى فى أدب ، وأسير على أطراف أصابعى ، وأجلس إلى جوارها ، وهى تصنع كل شىء بهدوء وصمت . 
    أمد يدى كى أساعدها ، تنهرنى بعنف رقيق ، وأعشق كلماتها الجميلة والخبيثة ، والمدللة لى أحيانا عندما أحصل على درجة عالية . 
    ثم تصنع كوبا كبيرا من الشاى ، وتطلب منى أن أناولها قرص أسبرين من الأجزخانة المعلقة فى الصالة . 
    كانت معلقة عاليا ، وأنا قصيرة جدا ، أشب على أطراف أصابعى بهدوء ، واسمع صوتها ينادى : أوعى تقعى ، أو توقعى حاجة . 
    أعود بخفة وسعادة لأننى نجحت ، وأحضرت قرص الأسبرين ، دون خوف وبهدوء شديد . 
    وبعد أن تشرب الشاى ، وتأخذ قرص الأسبرين ، تصنع كوبا آخر من الشاى ، وتبدأ فى النداء على الأستاذ كى يصحو . 
    تكون الساعة السادسة تماما . 
    ثم تدير وجهها نحوى : صاحى ياضناى طول الليل يذاكر ، ياعين أمه لحد الفجر ، وراح الجامعة ، ورجع على ريق النوم من غير فطار ، وجه الساعة أربعة ، أتغدى ونام ، وأنت يابنت الكلب ديمن تيجى عشان تصحيه ، آه منك آه . 
    أدارى خجلى الطفولى ، وأصمت ، ثم أسير نحو المكتب ، وأنا أحتضن كتبى على صدرى ، وأسير على أطراف أصابعى .
  • النبؤة

    النبؤة 

    كل يوم يراها ، والكتب تحت إبطها وهى خارجة من الدرس . 
    ينظر إليها بعينه اليمنى الزجاجية ، ويناديها : ياست الناظرة .. أتفضلى . 
    تسير بخطوات بطيئة حذرة وهى تضحك : بخير الحمد لله . 
    تقترب المسافة بينهما ، تنظر إلى عينه المصنوعة من الزجاج ، وتتعجب ، كيف يرى بها ؟ 
    ينظر إليها بشكل واضح : والله نظرة ، ناظرة بإذن الله . 
    ثم تبتعد عنه ، بعد أن نالت بركاته ودعواته ، وتتركه جالسا على ناصية الشارع أمام المحل ، يطرق بقدومه على حذاء قديم ، يرتقه 
    ( الحذاء بين المطرقة والسنديان) يضحك ، ويضع مسمارا صغيرا ، ويواصل الدق : طب والعدار ناظرة ، نظرة ياست . 
    تضحك فى سرها ، وتسير مبتعدة ، يصبح هو نقطة بعيدة ، هى لا تصدق نبؤته ، ولا خرفاته ، ولا صيحاته العالية ، مناديا عليها : ياست الناظرة ، نظرة ياست ، ويواصل عمله بهمة ونشاط . 

    طفلة صغيرة فى الثامنة من عمرها ، كيف يعلم هو ما فى الغيب ، والمصير ، والمقدروالمكتوب ؟ 
    تدخل البيت ، وهى مازالت تتعجب ، وتضحك فى سرها ، وصوته يتبعها فى كل مكان ، ونداءه يلاحقها : نظرة ياست ، ياست الناظرة . 
    تجلس على المكتب ، تذاكر دروسها بجد وإجتهاد ، وطنين الجملة واضحا . 
    لقد أدركت بحس طفولى صادق أن الأيام تعدها بشىء عظيم ، سرى وغامض ، ومحببا لديها ، ربما يكون هو رأى هذا المستقبل داخل
    ( العين السحرية ) التى لديه ، وهى عين مصنوعة من زجاج ، ويرى بها من خلال جحوظها عن أختها العادية ، ربما ! 

    يكون هو يرى بها بشكل صادق ، خصوصا أنه ينادى عليها وهى تمر من أمامه ، لا ترى إلا عينه الزجاجية فقط ، والأخرى الحقيقية تختفى ، يغمضها كى يراها . 
    تجتهد بكل مالديها من قوة وحنين لهذا المستقبل القادم ، الذى تنتظره بشغف . 

    وأحيانا كانت تهرب ، وتمر من شارع آخر حتى لا يراها ، فهو يجلس فى مفرق طرق ، يلمح خيالها تمر برائحتها ، فينادى عليها : ياست الناظرة ، نظرة ياست . 
    يحمر خداها خجلا ، وتعود تسير من أمامه وتحدثه : أزيك ياعم (عيسى) ، وتتعمد أن تلقى عليه السلام ، وينتبه لها عندما يكون مشغولا ، أو يتحدث مع زبون من الزبائن ، فتنتصر الرغبة داخلها ، ويتبدد الزعر ، وتنتشى لصوته الذى يتبع خطواتها : ناظرة ياست ، ياست نظرة . 
    تزداد تألقا وحيرة . 
    ولكنها تواصل ما بدأته من مغامرة للمعرفة . 
    المعرفة ! 
    التى سوف تعانى من هذه النبؤة القاتلة والجميلة ، والجملة التى ألقاها ذات يوم رجل غامض ، كان يسكن حيهم ، وهى صغيرة ، ويجلس فى مفرق طرق ، يلمح طيفها ، ويشم عطرها ، فينادى هائما " ياست الناظرة ، نظرة ياست .
  • قصة للأطفال

    قصص للأطفال 
    الكاتبة صفاء عبد المنعم 
    ----------------------- 
    هل ستصبح عصفورا مثلى ؟ 

    زياد يحب العصافير . 
    ودائما يقلدها وهى تطير ، يرفع ذراعيه عاليا ويرفرف بهما مثل عصفور صغير . 
    وعندما تأتى أمه . 
    يقول لها : نفسى أصبح عصفورا كى أطير . 
    تضحك أمه وتقبله : نحن خلقنا بلا أجنحة ، لنستقر فى الأرض ونعمرها ، ولكن يمكنك أن تطير بخيالك عاليا . 
    يغضب زياد ، ويدبدب بقدميه على الأرض : أريد أن أطير .. أريد أن أطير . 
    وعندما تأتى العصافير ، وتقف على النافذة . 
    تأتى الأم ببعض الحبوب فى الطبق ، وتعطيها له وهى تقول : يازياد ، ضع الحب للعصافير كى تأكل . 
    يجرى زياد فرحا ، وهو يقرب الطبق من سور النافذة . 
    والعصافير تلقط الحبوب ، ثم تطير . 
    يغضب زياد ويدبدب بقدميه على الأرض : أمى أحب أن أكون عصفورا ، أنا عصفور ، أنا عصفور ، ويلف ويدور فى الحجرة مقلدا العصافير . 
    وفى يوم من الأيام . 
    وقع عصفور داخل النافذة . فرأته الأم ، وحملته بين يديها . 
    كان العصفور صغيرا وجريحا ، وبعض قطرات الدم على ريشه . 
    نادت على زياد وقالت له : هات قطعة من القطن يازياد . 
    ضمدت جرح العصفور الصغير . 
    وجاء زياد بطبق الحب ووضعه أمامه . 
    فأكل العصفور ، ثم حاول أن يطير ثانية ، ولكنه لم يقدر ، ووقع على الأرض . 
    قال زياد للعصفور : لا تطر ياصديقى ، ظل معى ، وسوف أضع لك الحب كل يوم . 
    ظل العصفور لعدة أيام ، يأكل الحب ، ويرفرف بجناحيه ، ويزقزق . 
    وكان زياد فرحا به ، ويرفرف بذراعيه مثله . 
    وعندما شفى جرح العصفور طار ، وترك زياد فى مكانه واقفا . 
    غضب زياد كثيرا ، ودبدب بقدميه وقال لأمه : أنا أريد العصفور صديقى . 
    ضحكت أمه وأخذته فى حضنها ، وقبلته : لا تغضب ياصغيرى ، لقد ذهب العصفور عند أمه ، أتحب أن تتركنى ؟ 
    قال زياد : لا . ولكنى أحب أن أكون عصفورا أرفرف بجناحى ، وأطير فى الفضاء . 
    بعد لحظة عاد العصفور الصغير ومعه مجموعة من العصافير وأخذ يرفرف بجناحيه ويحوم ويحط على النافذة هو وأصدقاءه . 
    ضحكت الأم وقالت لزياد : العصفور يشكرك هو وأصدقاءه على الجميل الذى صنعته معه ، وعودته إلى أمه سالما . 
    فرح زياد كثيرا ، وجاء بطبق الحب ، ووضعه أمام العصافير ، وأخذ يرفرف ، ويزقزق معهم ، ويرفع ذراعيه ، ويلف ويدور فى الحجرة وهو سعيد . 

    نوفمبر 2013
  • خرف الوحدة وألم الصمت

  • الخضر

    لم تعد تذكره إلا كالحلم ! 
    عندما ياتى إليها فى الأزمات ، تراه باشا ضحوكا بصحة جيدة . 
    وتطن الهواجس الباطنية فى داخلها .. إنه يحيى حياة طيبة ، ويتركها وحيدة تقاسى الضجر ، وصوت البحر الصاخب فى قلبها عاشق مهجور . 
    دائما تشتاق إلى لمسته ، همساته ، إلى ممارسة الحب معه ، قلبها ، قلب طفلة لم تغادرها المراهقة بعد . 
    حدثته كثيرا عن تلك الحالة الشعورية ، أن قلبها قلب طفلة ، قلب فتاة فى الرابعة عشرة من عمرها ، لم ينفر نهداها بعد بشكل جيد ، وعقلها عقل كاهنة فى معبد دلفى . 
    هو كان يضحك . 
    ويملأ رئتيه برائحتها الطازجة ، وشعرها المبعثر حول كتفيها ، شعرا جميلا مبتلا ، يعطيها بهاء وشموخا وعظمة ، إنها فينوس الجميلة خارجة الآن من البحر . 
    هى كانت تحب نفسها هكذا . 
    وخاصة عندما ترى نفسها فى عينيه .. 
    وراحت أنامله الطيبة تحرك بعض الشعيرات القليلة المبعثرة ، وتبعدها عن وجهها . فتضحك بود عميق : يالله .. بحبك يايحيى . 
    وتدفن رأسها فى صدره ، فيضمها بقوة أب حنون ، وقلب ملاك طيب ، وأنفاس عاشق . 
    كانت تحرقها تلك الأنفاس . وهو يصنع موسيقاه الخاصة فوق ظهرها ، ويعزف بأوتار عاشق ، ويغنى بترانيم شجية ، ويدق بطرف السبابة بعض الدقات الخفيفة التى تشى بالنشوة . 
    هذه الدقات ، كانت تسمعها تسرى فى جسدها من أطراف أصابعه إلى أطراف قدميها ،فتطير .. تطير وترتفع . 
    وتقول له ضاحكة : أحبك .
  • صفر

     
    صفر 
    استوقفنى الخضر 
    وأعطانى تفاحة 
    قال : هذه لك يا أبنة الماضى 
    قضمتها بتلذذ غريب 
    فوجدت بطنى تنتفخ ... تنتفخ 
    وترتفع الملابس إلى أعلى 
    جريت وراءه ، أسأله 
    ماذا فعلت بى ياسيدى ؟! 
    استدار ، ونظر إلىّ طويلا 
    ثم تركنى وقال : هذا هو أنت 
    فاتركى مابين نهديك ينبض 
    وابتسمى للحياة .
  • سيدة المكان

    صدرت عن دار وعد للثقافة والنشر 
    مجموعة قصص : سيدة المكان 
    تحتوى على 32 قصة من الحجم المتوسط 
    والمجموعة تنقسم إلى جزئين 
    الجزء الأول سيدة المكان 
    18 قصة 
    ومهداة إلى أمى 
    والجزء الثانى : حتى تمتلىء بالموسيقى 
    14 قصة 
    مهداة إلى الشاعرمجدى الجابرى
  • كيف

    كيف لم أراها تلك البنت الواقفة على حافة السقوط ، تفتح مظلتها لترقص التانجو مع حبيبها فى الفراغ الرهيب . 
    وهو فقط ينظر إليها ويشعل سيجارته بحماس وبهمة غير متوفرة لديه ، يقوم صانعا بيديه فراغ أكبر كى يقبض على الدخان الطائر .
  • بيروت بتوقيت القاهرة

    ] 

    هى لا تريد أن يوترها أحد ، فقط تريد النوم بعد أن جهزت نفسها للسفر ، منذ المكالمة العادية التى تمت مع شخص ما لا تعرفه ولم تراه من قبل . قال لها بكل ذوق وأدب : أستاذة أنت معنا ببيروت . 
    هو قال هذه وصمت . 
    وهى أوسعت دائرة طموحها ، لقد ألمتها المشاعر الجارحة كثيرا ، هى أبنة الأبيض والأسود ، والقلوب النقية التى لا تعرف المراوغة ، كانت تحب دائما أن تكون حاضرة عندما تناديها أمها ، وتكتب الواجب ولا تؤجله ، كل ذلك من أجل أن تحظى برتبة عالية من المحبة ، فأخذت من الطاعة طريقها ، ولكى لا يتم الأستحواز على عقلها العلمى أصرت على الصمت ، وأوقفت الأحاديث . 
    من تحادث وهى التى لا تقرب الصلاة ، ولا تعرف الوضوء ، كل ما تعرفه حاضر ياماما .صغيرة كانت . 
    والأنتهازية الإنسانية كانت قليلة فى جعبتها ، فتعلمت أن تعطى ولا تنتظر . 
    السبيل الوحيد للنجاة هو الحب سرا ، حتى تتخطى كل مفردات القهر الواضحة . 
    هى الآن تسجل عفويتها ، وألقت بجعبة المسؤليات خارج نطاق الخدمة ، مثلما ألقت بشنطة السفر على السير قبل الوصول إلى الطائرة ، وختمت من الجوازات تأشيرة دخول .
  • امرأة تراقب نفسها

    أصبح العمل هو الملجأ الوحيد بالنسبة لها ، بعد الأنهيارات الكبرى ، والربيع العربى ، والفوضى التى أنتشرت بعد كل هذه الأحداث الجسام . 
    لقد نزل بالبلاد بلاء عظيم ( إنها الفوضى والعنف ) لا أعرف لماذا كل يوم أتذكر رواية وليم فوكنر الصخب والعنف ، والبنت التى هربت من البيت ، إنها الإنهيارات والأنكسارات التى لا حدود لها . 
    الحياة أصبحت تشبه الحب فى زمن الكوليرا ، لا منجا ولا مهرب إلا السجود لله . 
    هكذا كانت تحكى الجدة ( تماضر ) عن أحداث العصور السابقة ، وهى مشغولة بغسل يديها جيدا قبل البدء فى تقسيم الطعام على أحفادها الصغار . 
    جلست على الكرسى الكبير المتصدر المدخل الخلفى للبيت ، وأخذت تنادى على الأحفاد ، كل طفل باسمه ، وتقول لها : أدى تيتا سكر. فيقوم الطفل بتقبيل وجنتيها بحب شديد ، لقد اصبح لديها رصيدا كبيرا من الحب والأحفاد ، وأحيانا الذاكرة لا تسعها فى أختيار الأسم الصحيح للأحفاد الجدد ، فجاسر ربما يكون أحمد ، ومهند ربما يكون محمود ، ومازن هو سيد ، فقررت أن تنادى على الأطفال بأسماء أبائهم ، وتفتح حضنها الكبير وتنادى : حبا حبا مين يجينى ، فيأتى الجميع مهرولين ، فاتحين أذرعهم الصغيرة مثل العصافير الطائرة ، ويجتمعون فوقها ، فتضحك كثيرا وهى تردد : مين هايدى تيته سكر ؟ 
    هكذا كل يوم بعد اطاع تجلس الجدة على الكرسى وتنادى على أحفادها : حبا حبا مين يجينى

قصة فأل سئ

  فأل سئ لا أعرف بالضبط ماذا حدث لي؟ منذ ليلة أمس وأنا تنتابني حالة من العراك والغضب الزائد، لقد ألغيت لقاءً كان مهما بالنسبة لي في العم...

المتابعون