كتاب
في كلمة
وكلمة في كتاب
* من حلاوة الروح "رواية بالعامية"
* صفاء عبد المنعم
* كتاب رؤى
* القاهرة
علاء الديب
هذه كاتبة تسبح ضد
التيار، وتقدم نوعا من الفكر والأدب يختلف
عن السائد والموضة، كتابة عن الناس ولهم تكسر بفنية حاجز اللغة، وتكتب عن قاع المجتمع بلغته وصوره وتصوراته.
"من حلاوة
الروح" رواية واقعية عن حوش تسكن فيه مجموعة من العائلات المهمشة حول زمن
النكسة ووفاة عبد الناصر، تقع الرواية في حوالي 60 لوحة فنية، لكل لوحة عنوان
مستقل ولكل لوحة نغم وإيقاع لكي يشكل الجميع في النهاية عملا موسيقيا متعدد
الأبعاد والأعماق، فاتن فيما يصنعه من تموجات سمعية وبصرية تبعث حية، هذه الحياة
الخشنة القاسية، والفاتنة الدافئة والمثيرة في شكل خاص بها لا هو تقليدي تقريري
جامد، ولا ينتمي في نفس الوقت إلى تيارات الحداثة الذاتية الغامضة التي تختلق
للأدب وظائف مختلفة غير تلك التي نعرفها، والتي تتمثل في الكشف والتنوير، التي تعتمد
على تصوير الواقع ليبقى للأدب معناه ووظيفته كواحد من أهم الوسائل لتحقيق التحرك
الاجتماعي والوعي الإنساني بقضايا المجتمع ومشاكله. ليس الأمر في الرواية القصيرة
خطابيا إلى هذه الحد ولكنه شعور بالمحبة والمسئولية الاجتماعية يصنع طريقة الكتابة
والتناول في نوع من المشاعر بادت وانقرضت تحت أنوار حارقة لرأسمالية متوحشة وعولمة
فجة تكتسح أمامها كل شيء. هل تقف الكاتبة
عند حدود الفكر والرؤية الاشتراكية؟ لا أعتقد أن المرء يقف عند هذا الحد، ولكنها تكتب
عن هذا العالم بنوع من المحبة والفهم والانتماء فتخرج روايتها "إلى الذين
رحلوا وتركوا مساحة أسى في القلب" ثم تقدم هذه الرواية بصورة كأنها الوشم
الشعبي: "قاعد لوحدك بين سبع ببيان/ متفتحين عليك، وتفك زراير القميص من
العرق/ وصهد الذكريات اللي ابتدى يقب عليك فجأة../ دا من حلاوة الروح".
في تاريخنا الأدبى رواية واحدة ـ فيما أعلم ـ كتبت بالعامية هي رواية "قنطرة الذي كفر" لمصطفي مشرفة، التي كتبت في الأربعينيات، في مرحلة التجريب والأشكال الفنية الجديدة ولكنني أعتقد أن استعمال الأديبة صفاء عبد المنعم في روايتها هذه للغة العامية ليست من باب التجريب في الشكل ولكنها تقصد التمسك والاحتفاظ بنوع من الحس الاجتماعي والمسئولية الإنسانية عن طبقات فقيرة ما زالت تشكل أغلبية المجتمع ولحمة الحي. والتي لا يستطيع كل الكتاب البرجوازيين، إنكار وجودها وأهميتها فهي الطبقات "الغنية بالصور، المتدفقة بالخصوصية والحياة"، ومهما كانت القشرة التي تغطى مجتمعنا براقة تزداد سمكا وغلظة، فإن القلب يدق هناك والدم يتدفق من هناك: "والسما زي الحرير، والقمر فوق باصص، طبق مدرو كبير والقفص الجريد في الركن مكانه زي إمبارح، وأول، وكل يوم وهي نايمة، وباصة لفوق، وسرحانة، وبالراحة بالراحة قوي، رحت ماشي، بشويش على أقل من مهلي، وناطط مرة واحد.."
في تاريخنا الأدبى رواية واحدة ـ فيما أعلم ـ كتبت بالعامية هي رواية "قنطرة الذي كفر" لمصطفي مشرفة، التي كتبت في الأربعينيات، في مرحلة التجريب والأشكال الفنية الجديدة ولكنني أعتقد أن استعمال الأديبة صفاء عبد المنعم في روايتها هذه للغة العامية ليست من باب التجريب في الشكل ولكنها تقصد التمسك والاحتفاظ بنوع من الحس الاجتماعي والمسئولية الإنسانية عن طبقات فقيرة ما زالت تشكل أغلبية المجتمع ولحمة الحي. والتي لا يستطيع كل الكتاب البرجوازيين، إنكار وجودها وأهميتها فهي الطبقات "الغنية بالصور، المتدفقة بالخصوصية والحياة"، ومهما كانت القشرة التي تغطى مجتمعنا براقة تزداد سمكا وغلظة، فإن القلب يدق هناك والدم يتدفق من هناك: "والسما زي الحرير، والقمر فوق باصص، طبق مدرو كبير والقفص الجريد في الركن مكانه زي إمبارح، وأول، وكل يوم وهي نايمة، وباصة لفوق، وسرحانة، وبالراحة بالراحة قوي، رحت ماشي، بشويش على أقل من مهلي، وناطط مرة واحد.."
أحداث الرواية تدور
في الزمان والمكان صانعة نوعا من الدوار الذي
تضعه الألعاب الشعبية حيث يدور الإنسان وتختلط الصور والألوان. وهى تقع
كلها في حي المطرية الغني بالتراث الشعبي وأساطير "العدرا" والموالد،
والأولياء وبقايا الفراعنة وأساطير التاريخ: انظر إلى تلك المرأة التي تدور بحثا
عن ابنها الذي غاب واختفى ولا يريد أن
يعود:
"زرت أولياء
الله الصالحين، فتحت المندل، شفت الأثر، ولا حس ولا خبر، ولدي ضاع يا ناس، ابني
ضاع يا خلق، ابني راح ولا رجعش، رحت وخوضت في زفارة السمك، ما خليتش مطرح جيبتها
من عزبة العقاد، للميدان لشارع المطراوي للأمون، لمساكن شجرة مريم، لسوق سميكة
ولفيت من ورا الكنيسة وعديت رحت أرض البلسم والخارجة ومحطة القطر، ولفيت ورجعت عين
شمس ع المسلة على شارع التروللي، ورجعت تانى على الميدان، رحت القفاصين والزاتون،
ماخلتش لحد وابور المية ورجعت واندرت على الطرب القديمة بشارع الصحة بداير الناحية
وجيت من عند سيدي إبراهيم لفيت المطرية لف، أنا قلقانة".
وتختم الفنانة
روايتها ومجموعة لوحاتها بلوحة أخيرة عن
"وفاة عبد الناصر" تحت عنوان: "ماحد عارف دي مظاهرة ولا
هوجة".
الناس هاجت من
بيوتها، ودايرة تلف وتعدد حتى العيال، ما حد عارف دا بكا ولا نواح.. اسمعي كده..
اسمعي.. اسمع العيال بيقولوا إيه: "ساب لك إيه يا حبيبة حبيبك لما
مات.."
هاجت الناس هاجت،
وكل البيت خرج صغير مع كبير والناس نسيت الحرب والنكسة، وما افتكرت إلا حبيبها اللي
مات.
غنوا يا ولاد، قولوا
"سابلك إيه يا حبيبة حبيبك لما مات"
نوع من الكتابة الشعرية المتدفقة تصنع رواية غنية
وخاصة وفريدة.
جريدة
القاهرة
6/9/2005