الجمعة، 27 فبراير 2015

شهادة أدبية


شهادة
للكاتبة / صفاء عبد المنعم

            **********

     بينى وبين نفسى علاقة غير مستقرة !

علاقة امرأة تقوم بكل الأدوار بأمانة وصدق ، وعلاقة الغرام بالكتابة وبالذات بدأت منذ الصغر عندما كانت جدتى تجمعنا حولها قبل النوم لكى تحكى لنا الحكايات الغرائبية عن الجن والغول وأم الشعور وجنية الساقية ، وعن الحيوانات الأليفة والمفترسة ، وكانت حكاية ست الحسن والجمال والشاطر حسن هى من أمتع وأجمل الحكايات عندى .
وكانت تشجعنى جدتى على القوة والشراسة وعزة النفس ، وحب الكتابة عندما بدأت أمسك بالورقة والقلم ، وأرسم الحكايات ، وامسكت القلم وكتبت به على الصفحة البيضاء كى أكتب شعرا فى المناسبات وألقي بعضا منه فى الإذاعة المدرسية صباحا ، وكنت أخط بعض الجوابات للأحبة المقهورين من تلميذات الثانوى صديقاتى ، فعرفت بينهن بصاحبة الأشعار والأحاسيس الرقيقة ، ثم عشقت شكل الكلمات والإتيان بكل ماهو جديد ومختلف ، والبحث فى الأثر عن الجذور التاريخية للهوية المصرية ، وكيف صنعت الهوية الشخصية فى مصنع الآخر .
وكانت الحرب فى البداية عنيفة ( هزيمة 67 وحرب الأستنزاف ثم حرب أكتوبر 1973 ) كنت أخاف من صوت المدافع واهرب داخل حضن جدتى الكبير .
ومع الوقت أصبحت علاقتى بالكتابة غير مستقرة ، وأتجهت نحو القراءة فى السياسة كى أفهم مايحدث  ( الأنفتاح – السوق الحرة – تعويم الجنية المصرى – الخصخصة ) كانت المعركة بين الإبداع والسياسة شديدة ، فأنتصرت الكتابة وطغت علىّ  روح الإبداع ، وبدأت معركة مختلفة هادئة وبصبر عجوز تجاوزت رومانسيتها ، خرجت مجموعة ( تلك القاهرة تغرينى بسيقانها العارية 1990 ) إصدارات مصرية ، إنها كتابة الجسد والقلب الرومانتيكى تبحث عن الذات الضائعة  فى حوارى العاصمة ومقاهيها .
أيتها الذات القلقة !
والخجولة ، الصامتة التى تلقى بى إلى المهالك دائما رفقا بى أرجوكى  ، فكانت  ذاتى تعانى فى صمت من عملها فى التدريس ، واشيائها الضاغطة والمشكلة عبأ رومانتيكيا ومؤسويا على وجودها المادى ، فأنتجت مجموعة ( أشياء صغيرة وأليفة عام 1996 ) عن سلسلة أصوات أدبيية .
وبسبب طيبتها وصمتها ، ورحابة صدرها ، والتمتع بدرجة عالية من التسامح  مع الآخرين ، خرجت مجموعة ( بنات فى بنات عام 2000 ) بعد رحيل رفيق الإبداع والطريق القصير الشاعر مجدى الجابرى .
دائما أتهم نفسى بالتسرع كما حدث مع أوديب فوقع فى الخطأ ، وقتل الملك أنا أدفع دائما ثمن تسرعى واختيارى السريع ، ولكنها الكتابة ، أكتب وكأن الشخصيات تقف فوق رأسى صارخة : نريد الخروج ، نريد الخروج .
فتملى علىّ مايحلو لها من أزمات وحكايات ، وتصبها صبا على الورق ، فكانت رواية ( من حلاوة الروح عام 2001 ) بالعامية المصرية طبعة أولى أصدارات رؤى ، طبعة ثانية أصدارات سنابل  .. وكانت أول رواية لى .
هاتفنى بعض الأصدقاء
أكتبى بالفصحة –  من أجل الترجمة والنشروالجوائز والتوزيع فى الدول العربية .
لماذا كتبتى بالعامية ؟
هذه المخططات لم تكن فى رأسى ، كل ماكان يشغلنى هو التخلص من إلحاح الذاكرة .
عندما سألتنى صديقة لى عن البحث عن جدى القديم ، أخترت جدى الحكيم بتاح حتب من الدولة القديمة .
وعدت أبحث فى الفلسفة الوجودية عن تاريخ وجودى مختلف فعشقت كياركجورد وفلسفته الوجودية المؤمنة فكانت رواية ( قال لها يا إنانا عام 2008 ) أصدارات نفرو .
لم يشغلنى كثيرا كونى كاتبة !
ولم أروج قط لمفهوم ثابت ومثالى !
ولكن كان هناك إيمان قوى بعشق الأماكن والوجوة ، وأن الحكى هو الوسيلة الوحيدة للأنقاذى من كل الحروب الرومانتيكية مع الذات فكانت رواية ( التى رأت عام 2009 ثم رواية فى الليل لما خلى 2010 ) فتخلصت فيهما من جزء كبير من المشاعر الضاغطة والمعطلة للنفس ورهرطة المشاعر الثقيلة على الذات .
كنت أحب المعارك والغزوات التى أدخلها مع نفسى ، والتى تعزلنى أحيانا عن الناس ، وتسبب لى إكتيئاب موسمى فى الشتاء .
وأحلم دائما أن أكتب عملا مختلفا عما قبله وثوريا فيما يقدمه فكانت رواية ( ريح السّموم )مكتبة الأسرة النبؤة لم نحن نعيش فيه ونعانيه من تصحر المشاعر بين الأخوة ، والمد الوهابى للفكر المصرى ، والثقافة البدوية تزيح فى طريقها ثقافة دامت ألاف السنين ..فخرجت الرواية بروح شاعرة تدق ناقوس الخطر من العدو الضمنى الذى يجلس أمامك أو بالقرب منك ، أو على بعد خطوات ، ربما يكون شريكك فى البيت .
كان جدى  يبهرنى بأسطورة الثرى العاطل حفيد حسن باشا زايد ، كان يجلس على الزراعية فى قريتنا ، ويمسك فى يده المنشة ، ويرتدى الجلابية السكروتة الغالية و يتعالى على جدتى الفلاحة المصرية بنت الأرض ويقهقه :
 أنا بيه ، وجدى باشا ، وخالى العمدة ، وأنت فلاحة .
وضاعت ثروته ، وذهبت الأرض ، فبهرنى هذا العالم ، والتاريخ العائلى الملىء بالأسرار والطفولة  ، وتعلقت بالعالم السحرى من الحكايا ، وشعرت بالبحث عن جذورى واحسست بالقيمة ، ولكن لم يصبنى العفن الأسطورى فجدى هو حسن باشا زايد من أعيان المنوفية والذى تبرع لبناء جامعة القاهرة بخمسين فدانا  وهذا مذكور فى تاريخ بناء الجامعة ، وقد ذكره الكاتب محمد السيد عيد فى مسلسل قاسم أمين .
أحسست بقيمة الذات المحبة للعلم والمعرفة ، وبأننى سيدة الحكايات ، وأن تكاملى النفسى والذاتى والإجتماعى يأتى من أغوار النفس العميقة المحبة الرومانتيكية ، فلم أعد ألوم قلبى على رومنتيكيته .

    وأنا أكتب لا أتمثل فى ذهنى أى قارىء بعينه !
أكتب لأننى أحب الكتابة واللعب بالكلمات على الصفحة البيضاء ، والولع بأن هناك قارىء ضمنى يبحث عن كتابتى وابحث عنه فنلتقى فى نص أو أثنين ونفترق لنعود فنلتقى فى نص أو أثنين ، ولا يرضينى إلا أن أبهره دائما بكل ماهو جديد وواقعى ومعاش ، ويسير على الأرض مثلى ، لا أقبل الخرافات واللعب بالمشاعر ، ولكننى أجيد تجسيد الواقع بشخوصه وحياتهم المختلفة والمرتفعة قليلا عن أرض الواقع .
ومغرمة أيضا بالشخصيات التى أصادفها فى حياتى فتترك فى نفسى أثرا لا ينسى أو آسى لا يمحى مثل شخصية أم جابر فى رواية التى رأت ، وجميع شخصيات من حلاوة الروح ، وشخصية أمى فى سيدة المكان ، وشخصية جدتى فى نفخ القرب ، وستى تفاحة عمة أبى ، والبروفسير فى رواية قال لها ياإنانا ، ونور وملك فى رواية امرأة راقية ..الخ
المكان عندى هو بطل وهو شخصية محورية أيضا !
حى المطرية فى رواية من حلاوة الروح ، وحى بولاق أبو العلا فى رواية التى رأت ، ومحطة الرمل فى الأسكندرية فى رواية ستى تفاحة .
الأماكن التاريخية هى مكان روحى ومكمن طفولتى فأعشقها دائما .

الأماكن ..
الجغرافيا والتاريخ وجامعة أون والمسلة وشجرة مريم وبئر مريم وسيدى المطراوى  وسيدى أبو العلا فى بولاق ، هى نقطة النور التى أنطلق منها فى حركة مكوكية عبر الزمان والمكان ..
من الصعوبة أن يكتب المبدع كما يعيش بالضبط ، ولكن يعيش كما يكتب ليس لدى رسالة جاهزة أقوم بتبليغها أو أقدمها للعالم المعرفى أو الإبداعى ، ولكن أعيش داخل الفوضى كى أصل إلى الرسالة المكتشفة عبر الكتابة .
الراوى ..
عندى يتجدد ويختلف من عمل إلى آخر ،ولكنه دائما يقع فى يد امرأة غير خجولة عن تعرية أوراقه الشائكة .
لا ألتفت كثيرا لما يثار من جدل حول أعمالى !
لا أبحث عن الأضواء  أو الجوائز أو الترجمة  أو غيرها ، هى تأتى أو لا تاتى فأنا أكتب لكى أحيا ، أكتب لكى أعيش ، أكتب لكى أفهم .
عندى مجموعة من القناعات الشخصية أحبها وأحافظ عليها مثل العمل كمديرة مدرسة ، حب الأطفال ، ورشة تدريب الموهوبين ، ورشة الحكى ، أحاول أعادة مجد جدتى الحكاءة القديمة شهرزاد .
ولكن هناك سؤالا حائرا .
لماذا هربت الملائكة المرفرفة من حولى .



قصة فأل سئ

  فأل سئ لا أعرف بالضبط ماذا حدث لي؟ منذ ليلة أمس وأنا تنتابني حالة من العراك والغضب الزائد، لقد ألغيت لقاءً كان مهما بالنسبة لي في العم...

المتابعون