كان لجدتى شال من القطيفة الأحمر الكبير ، وكانت تضعه على كتفيها فى ليالى
الشتاء الباردة وهى تضحك بدراديرها وفمها الواسع الكبير ، وهى فخورة بهذا الشال
الكبير وتقول :
هذا شال جدتى ، لقد ورثناه جدة عن جدة عن جدة
. وأنا فى يوم من الأيام سوف أهديه لك ياصغيرتى .
مددت يدى الصغيرتين ، وأنا مندهشة من لونه
البراق ، إنه يشبه ياقوتة حمراء كبيرة لم أرى مثلها يوما من الأيام ، ولا فى كتب
الحواديت التى كنت أقرأها ، وتنسل منه بعض الخيوط الضعيفة من حوافه المهترئة بعض
الشىء ، ولكن عندما كانت جدتى تضعه على كتفيها وتتباه به أمامنا ، كنت أراه جميلا
زاهيا يخطف البصار من لونه الأحمر ، وبرغم ذلك يبدو قويا لامعا ، ضحكت بصوت ضعيف
خوفا من إثارة غضب جدتى السريع وحرمانى من هذا الشال التحفة الأثرى ، قلت لها فى خجل
: شكرا لك ياجدتى ، إنه هدية عظيمة وسوف أحافظ عليه داخل دولابى الصغير .
ضحكت الجدة مرة أخرى وهى تمد يدها الكبيرة
بالشال القطيفة الأحمر كى ألمس نعومته وأتمتع ببهائه وقالت : ياصغيرتى هذا الشال
لا يحفظ داخل الدواليب أو الخزائن ، إنه يحفظ فى القلب ، حافظى عليه فى قلبك سوف
تجدين بداخله أرارا كثيرة ، هذا الشال يبوح بأسراره للمحبين .
ضحكت وواريت خجلى الطفولى الشديد ، ثم وضعت
الشال الأحمر الجميل إلى جوارى ، وبين لحظة واخرى ، أنظر إليه فى تعجب ، أجده
لامعا براقا جميلا ، وكأن السنوات التى مرت عليه زادته جمالا وتالقا .
فسرت بخطوات بطيئة نحوه وهو راقدا أمامى ،
ومددت يدى الحانيتين ، وملست على أطرافه وخيوطه ، فوجدت رعشة خفيفة وقوية تسرى منه
إلىّ ، ورأيتنى أنمو واكبر ، أنمو واكبر ، وارتدى طرحة عروس جميلة بيضاء ، وقفت
على اطراف أصابعى راقصة ، وصوت الدفوف تدق فى رأسى ، أحتضنت الشال بقوة بين يدى ،
واخذت أرقص معه رقصة منفردة وسعيدة ( أنه فالس الوداع ) بل إنها رقصة الشال
القطيفة الأحمر الكبير ، كما أخبرتنى جدتى ذات يوم بعيد من أيام الشتاء الباردة ،
وأنا الآن أمد يدى داخل الدولاب الكبير ، وأحمله بهدوء ومحبة مثل طفل رضيع ، وابتسم
وأنا أعطيه لحفيدتى .
*******************