الأربعاء، 21 يناير 2015

قصة حورية البحر





     ونحن نتحلق حول جدتى الكبيرة بجوار المدفأة التى صفيت بها نار الحطب الشديدة ، وجدى الكبير يقلب بعض كيزان الذرة الشهية على النار ويشويها لنا ، والنار تطقطق صانعة دوائر حمراء صغيرة متطايرة ، فنلم اقدامنا الصغيرة خوفا منها ، ثم نلقى داخل النار الكبيرة ببعض جذور البطاطا  ونحن خائفين نلقى بداخلها بايد مرتعشة ببعض البصل ، والبيض المبلل بالماء كى ناكله بشهية ورضا ، وجدى يضحك ويحذرنا : حاسب أنت وهو النار تلسعك .
تضحك جدتى وهى تمد يدها وتوزع علينا أكواب الشاى الساخن ، نأخذها بين ايدينا ونتدفىء بها من لسعات البرد المتتالية فى الشتاء ، ثم نقول فى صوت واحد ضعيف مرتعش : أحكى لنا ياجدة حكاية جنية البحر ، تضحك جدتى وهى تصب الشاى فى الكواب الصغيرة وتقول من بين اسنانها القوية : قصدكم أم الشعور ، نضحك فى نفس واحد ونحن نرتعب : نعم ياجدة أم الشعور ، أم الشعور ، ونرسم فى مخيلتنا الصغيرة أشكالا متعددة لأم الشعور هذه وكيف تكون .
تقول جدتى بصوت متهدج وهى تجلس بيننا على المصطبة داخل الدار والنار تطقطق ، وجدى مازال يغذيها بأعواد الحطب حتى لا تنطفىء .
كان ياما كان ، فى سالف العصر والأوان ، ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام .
نردد مرتعشين ، منصتين فى هدوء وخشوع وادب :
 عليه الصلاة والسلام .
تقول فى هدوء : كان فيه رجل فلاح جميل ، جميل قوى ، وكان كل يوم يقعد آخر النهار على الترعة بعد الأنتهاء من عمله فى الغيط ينفخ على الناى وهو ينادى ويغنى :
 ياليل ياعين .
كان صوته جميلا وعذبا ، يسرى مع اوراق الشجر ونسمات الربيع الهادئة ، فتجتمع الطيور ، وتزقزق العصافير فى أعشاشها طربا لصوته ، ويظل طوال الليل على هذا الحال ، إلى أن يغيب القمر ويختفى خلف السحابات الكبيرة العالية .
وفى يوم من اليام وهو يغنى إذ بحورية جميلة ، جميلة تشبه البدر فى تمامه ، تخرج له من البحر وهى فاردة شعرها الطويل الطويل وتجلس غلى جواره على الشاطىء تسمعه وهو يغنى على ناية المصنوع من البوص ، ويغنى :
ياليل ياعين .
فتطرب له الجنية وتسعد بصوته العذب .
وكل يوم على هذا الحال هو يصفر ويغنى ، وهى تخرج من الماء وتجلس على الشاطىء إلى جواره .
وفى يوم من اليام طلبت منه أن يأتى معها إلى قاع البحر ، حيث القصر الجميل المصنوع من الؤلؤء والمرجان والقواقع الجميلة الذى أعيش فيه أنا وأخواتى حوريات البحر .
قال لها : تعالى أنت معى وعيشى فى بيتى الصغير الجميل ، وانا أغنى لك كل يوم .
وبالفعل ذهبت معه إلى بيته الصغير وعاشا سعداء فرحين ، وفى يوم من اليام طلبت منه أن ترى أخواتها الحوريات الصغيرات فى قاع البحر وهى تشتاق إليهن كثيرا ، وحذرته قائلة : إذا رأيت البحر تحول إلى بحيرة من الدم الحمر ، أجرى بسرعة ولا تنظر خلفك ، سوف يقتلك ابناء عمى ، أهرب سريعا ، واجرى بكل قوتك ، وأتركنى ، ولا تجلس على شاطىء البحر ثانية وتغنى .
وإذا رأيت البحر صافى ورائقا وجميلا ، أنتظرنى سوف اعود .
كان الرجل حزينا وهو يودع زوجته الجميييلة ذات الشعور الطويلة   ااالطويلة ، وتركها تغطس فى الماء ، ووقف بعيدا على الشاطىء ينتظر خروجها ، وبعد لحظة رأى البحر أنقلب إلى بركة كبيرة من الدماء الحمراء ، وسمع صوت صرخات عالية ، واستغاثة ، وآهات ، ونداء طويل : ياليل ، ياليل .
أخذ الرجل يجرى سريعا وهو يشعر بأن البحر يجرى وراءه ويطارده ، والدماء الحمراء تجرى وراءه ، ثم وقع على وجهه وهو حزين ، ومن يومها وإلى اليوم فقد السمع ، وظل فقط طوال الليل ينادى عليها : ياعين ، ياعين .
ويسمع صوتها يأتيه من البعيد البعيد : ياليل ياليل .
وإلى اليوم كل رجل يمر من جوار البحر ليلا يسمع صوت نداء ساحر وجميل ينادى : ياليل ، ياليل ، ويرى امرأة جميلة ساحرة شعرها طويل طويل ، تخرج من الماء وتنادى عليه : والنبى ياعم خد أيدى .
فإذا مد الرجل لها يده ، أخذته معها إلى عمق البحر حيث القاع والقصر الكبير المرصع بالؤلؤ والمرجان وقواع البحر .
وإذا رأها وتركها وجرى ، يشعر أن البحر يطارده ويجرى وراءه حتى ينكفىء على وجهه ، فيجلس على الشاطىء حزينا يغنى : ياليل ، ياعين .
نرتعد جميعا من الخوف ونحن نسمع حكاية جنية البحر من جدتى ، وصوت متهدج يندفع من داخلها وهى تقلد صوت الجنية وتغنى : ياليل ياعين .
ثم نشعر بلسعات البرد القوية تغذونا فنجرى خائفين داخل الدار ونضع الغطية الثقيلة فوقنا ، كأن  ماء البحر جاء إلينا فنرتعد رعدات صغيرة مرتعشة ، ونرى ضحكة جدى الصافية العافية ويديه الحانيتين وهى توزع علينا أكواز الذزة الساخنة ، وجذور البطاطا الشهية برائحة الشى وطعمها اللذيذ ، نفيق من غفوتنا على صوت جدى يغنى بصوته الرجولى القوى :
 ياليل ، ياعين .
نضحك ، ونحن نرى جدتى قد ذهبت فى نوم عميق ، وشعرها الطويل الطويل حولها .
------------------------------------------------------------


قصة فأل سئ

  فأل سئ لا أعرف بالضبط ماذا حدث لي؟ منذ ليلة أمس وأنا تنتابني حالة من العراك والغضب الزائد، لقد ألغيت لقاءً كان مهما بالنسبة لي في العم...

المتابعون