الأحد، 22 يونيو 2014

قصة قصيرة


                                              متحف 

 

 

          كان يكتسب أهميته من طريقة الوقفة , فاتحا قدميه على شكل حرف v    , ومن العنجهية والتوتر , وهو يشعل سيجارته , ثم يلقى بعود الثقاب على الأرض بعد أن يحركه في الهواء عدة مرات , فينطفئ .

ثم يبدأ الحوار بصوت خافت وناعم ولذيذ , يجعل خدرا ما يسرى في كيانها , بعد أن تشرب فنجان القهوة المصنوعة بالروم على نار هادئة . فيحتويها بعينيه الضيقتين واللتين ازدادتا حدة وضيقا , فيخرج منهما شعاعا نافذا يخترق قلبها ويشل أفكارها .

وهو ينظر !ليها بحنان واستعطاف طفل يتيم . فكادت أن تزهق روحها وهى تنتظر خروج الكلمات التي سوف يتبعها بعد ذلك سيلا طويلا من اللعاب في حالة أخذ ورد , فتبتلع ريقها جيدا وهى تتذكر رباعيات الخيام ( أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب ) .

 فتثار وتصبح شهوانية .عندما يهمس لها : هاتى لسانك .

هنا الإذابة والنشوة والتعلق برقبته !لي مالا نهاية .

 

    

         قال مدرس الرسم وهو يشرح للطالبات في المتحف عن تمثالين جميلين لزوج وزوجته  من العصر الفرعوني :" !ن براعة المثال المصري القديم تظهر في جودة هذا العمل , لأن جسد الزوجة أكتسي باللون الوردي , وجسد الزوج أكتسي باللون البني , دليلا على أن لوحته الشمس ".

 

      عندما كانت تنظر !لي ظهره بعينيها التي كانت تصر على أن يظلا مفتوحتين أثناء الحب , كانت ترى نهرا فياضا من الخمر يتصبب منه , فتشرب حتى ترتوي , وجسده الأبيض يشبه الحليب الطازج .

 

       قال المدرس مرة أخرى , وهو يعرض أمام طالباته على اللاب توب صورتين من أعمال صلاح عناني , الأولى الراقصة والطبال , والثانية صورة تذكارية , وأخذ يشرح عبقرية التعبير وتداخل جسد الراقصة وذراعيها وقدميها في لحم الطبال , وهو يحنو عليها بعينيه الواسعتين , ويلتهم جسدها . وهى ترفع رأسها تجاهه وتدق بصاجها دقا متواصلا .

وقال : !ن هذا التلاحم يعطى أهمية للحركة , وضرورة كل منهما للآخر .. لأنهما لا ينفصلان , فالطبال لن ينجح !لا برقصات الراقصة , وهى لن تنجح !لا بإيقاعاته .

أما صورة تذكارية فهيمنة الرجل – الزوج – بادية في الشكل الهرمي الذي يعطى الثبات والقوة , وهو يضع أطراف أصابعه بترفع على الزوجة , وهى ساكنة !لي صدره برأسها في وداعة وصمت , ولون فستانها الأحمر طاغي على اللوحة .

 

 

        كانت تقول له في كل مرة : بحبك .

ثم تمسك يده اليمنى وتقبلها جيدا , وتقول له في وداعة : أشكرك على هذا اليوم الجميل .

وبقوة العادة أصبحت مدفوعة تجاهه لا تستطيع إيقاف اندفاعها أو التحكم في مشاعرها نحوه , لم تتحكم بجد وقوة في عواطفها , فصارت تشبه الريشة الخفيفة التي يطوحها الهواء بعيدا , فتعلو , وتعلو , وتعلو .

 

       قال مدرس الرسم :" !ن ما يعيب هذه الأعمال هو سيمترية الألوان .

فالأزرق والأحمر دائما لونان يكرران في جميع اللوحات ". ثم اتجهوا بعد ذلك !لي رأس نفرتيتي , فأخذ المدرس يصف جمال وروعة الفن المصري , ثم أخذوا يتجولون كثيرا في الطرقات .

 

      كان كل مرة يقف عند أقرب بائع يشترى لها زجاجة عصير لتروى الظمأ , وهو يشترى علبة سجائر وزجاجة مياة معدنية .. ثم يلقى في حجرها باكو شيكولاتة كبيرا . فتأكل في تلذذ , وتذوب مع طعمها الحلو . 

 

     جاءها خاطرا الآن , لماذا لا تسير بمفردها في منتصف الليل , حيث الشوارع تكاد أن تخلو من المارة , وبرد ديسمبر يبعث لها بعض الواخزات الخفيفة من أسفل الأيشارب ,و فتحات معطفها , والخدر اللذيذ مازال يملأ جسدها .

 

      وقف المدرس عند باب المتحف وقال لتلميذاته : الآن ننصرف . فجهزت كل منهن نفسها لعبور الشارع , ولم أطراف الشيلان على أكتافهن و انصرفن .

 

     قال لهن بصوته العالي قبل أن تبتعد عن عينيه صورتهن : اللقاء القادم في متحف الفن الحديث .

هزت كل منهن رأسها , وصرن يضحكن مقهقهات , والبرد يرسل لهن وخزات خفيفة , خفيفة ومنعشة .

 
 
 

 

 

 

                                  صور في معرض اللوحات

 

 

      ( كان كما لو أنه يرمى حاجة في الزمن )

 

 

       كان كما لو أنه يلقى شيئا في الزمن , فيذهب بعيدا , بعيدا مختفيا خلف الأجرام والكواكب والسماوات البعيدة التي تطل منها الملائكة الحسان وبنات الحور الخارجات من الجنة , ولم يمسسهن بشر .

 

       هكذا قال مدرس الموسيقى وهو يدير الأسطوانة , ويشعل الموسيقى في الحجرة .

 

" عندما تكون في حضرة الموسيقى , لابد أن تسير على أطراف أصابعك , ولا تحدث صوتا في القاعة , وتجلس على أقرب كرسي أمامك ."

ثم يخفض الصوت ويشرح معنى الجمل والألحان والمقاطع اللحنية والآلات , ودور كل آلة في اللحن .

 

     ( وكأن النغمات آتية من مكان بعيد )

     وكأن النغمات آتية من مكان بعيد , وصوت الموسيقى الهادئ الأتي من( لوحات في معرض الصور) للموسيقى ( موديست موسورسكى ) تدعوها للتجوال معها داخل هذا المعرض الذي تركه الرسام ( فيكتور ) كي يفتتحه أصدقاءه بعد موته .

 

اللوحات تتحرك أمامها في تراتب وشجن وصوت الساكس يذهب بها بعيدا , كما لو كان يرمى حاجة في الزمن .

الموسيقى تتلون وتعبر في تناغم هرموني . والفراشات تأتى, تأخذها من يدها وتذهب بها !لي ( حدائق التورين ) حيث الدادات يتركن الأطفال الصغار يلعبون ويمرحون داخل العربات الصغيرة في الهواء الطلق المنعش . الأطفال ينطون الحبل .

 الصور المتحركة تتوالى على رأسها , وهى تحاول جاهدة اللحاق بهم

والموسيقى تأخذها بعيدا , بعيدا , حيث ينبت لها أجنحة صغيرة , تنط بهم مزهوة وراء الفراشات المتطايرة فرحة , ومنتشية في أبهي جمالها

وعن بعد تلمح عربة خشبية عتيقة آتية يجرها أثنين من الثيران , يجران عربة ثقيلة .

الموسيقى تدور كأنها تحرث الأرض , والحمل الثقيل , يمثل عبئا على ظهر الثورين وهما يواصلان حركتهما داخل اللوحة .

وعيناها تتابع اللوحات المتخيلة .

والصوت يرن في أذنيها عاليا ثقيلا , دقات الطبول , الزحف البطئ , البطء الذي يمثل الثقل .

آلة ( التيو ) النحاسية تخترق اللحن .

والموسيقية تهدأ ليدخل الصغار تاركين عرباتهم خارج اللوحة ويتحركون مع     (بالية الكتاكيت ) .

 

قررت أنها لن تترك اللوحة قبل الامتلاء بها ولو ظلت أمامها لساعات واقفة , تتأملها في صمت وهدوء غريبا عن عاداتها , فهي كانت لا تطيق الوقوف ولو لبضع دقائق أمام عمل فني واحد .

  الموسيقى تتقافز خارجة من اللحن .

كأن كتاكيت صغيرة تصوصو في مرح وتناديها : هاتى يديك سيدتي .

وتمد يدها عبر الزمن والألوان والحركات الساكنة .

تمد يدها وتدخل , تقف على أطراف أصابعها تتمايل .

 

 ( اثنان من اليهود البولنديين, جر برت واشما يل ).

الأول ثمين وعريض وغنى , والآخر نحيف وضعيف وفقير , رجلان واقفان أمام كل منهما , إصبع الثمين مشهره في وجه الضعيف , يطرده من المحل .

وقفت الصورة .

ولكن اللحن استمر ممتدا !لي مالا نهاية .

طول ما هناك أشارة الإصبع مرفوعة ومشهره ,سيظل اللحن يعزف مصورا حالة البؤس والفقر في تكرار دائم .

(تر مبيت ) مكتوم الصوت للفقير يظهر الهمس والضعف .

( وتريات الباص والتشيلو ) للغنى تظهر الغلظة والقوة .

هكذا وقفا الاثنان وقفة أبدية !لي ما لا نهاية .

النحيف والثمين في مواجهة الحياة .

 

وتخرج هي من اللوحة مع الكتاكيت الراقصة .

وتدخل ( محل بيع في السوق )

التجوال , الحركة , البيع والشراء , صخب الناس المتصاعد والمتواصل , يظهر في أداء ( الوتريات ) ترتفع , ترتفع , تهبط , تهبط , تعلو , تعلو , تنهار نازلة على الإسفلت

 

     !نها الموسيقى بكل قدرتها الفائقة في تصوير الحالة الشعورية ,والحركية للناس .

زعيق , ضجيج , أنها ( النحاسيات ) تتجول في السوق , وتقف نافخة بنفير زاعق أمام ( بوابة كليف )قوس النصر الكبير مرتفعا أمام باب القلعة القديمة , والجنود يدخلون منتصرون من باب النصر .

 

      كان الموسيقي ( موسورسكي ) يتجول داخل اللوحات يلون بألحانه وآلته .

مثلما كان يفعل صديقه الرسام ( فيكتور ) يعزف بريشته وألوانه الألحان .

وأنا أعزف بالحروف والكلمات لكي تدوم اللوحات عبر التاريخ .

 

                                 ( وكأني أرمى حاجة في الزمن ) .

 

قصة قصيرة (عزيزي أصلان)

  عزيزى أصلان     الآن وللمرة الثانية انتهى من وردية ليل . لم يكن يشغل بالى سوى العم بيومى وهو يرفع وجهه ( أول دور مش تانى دور ) جملة ...

المتابعون