ثلاثة أحلام متتالية!
الحلم الأول :
استيقظت من نومى على
صوت صراخ أمى .
رأيتها تقوم من نومها
وهى تصرخ . وأنا أجرى عليها وأناديها : فيه أيه ياماما , مالك ياحبيبتى .
جلست على سريرها ,
مرتدية جلابية بيضاء بنقاط سوداء , ووضعت رأسها بين كفيها . وأنا أمد لها يدى بكوب
الماء , ويدى الآخرى تملس على شعرها : خير ياحبيبتى مالك ؟ اللهم أجعله خير !
كانت صامتة , وجميلة
, وفى عز شبابها , وظلت واضعة رأسها بين كفيها صامتة .
وضعت كوب الماء ,
وجلست أمامها , أنظر أليها .
كان نفس الجلباب الذى
رأيته يوم وفاة خالتى . والذى تحتفظ به أبنتى هاميس فى دولابها الى الآن من رائحة
جدتها .
رأيت فيما يرى النائم
.
وكانت الساعة الثانية
ظهرا , كنت عند أمى , وبعد الغداء رقدت على الكنبة , وجاءت مى الصغيرة الى جوارى
ونامت فى حضنى .
"رأيت أمى تسقط
على الأرض وسط الحجرة , وأخواتها الثمانية الى جوارها جالسات يرتدين نفس الجلباب
ونفس اللون , جلباب أبيض بنقاط صغيرة سوداء .
هن صامتات . وانا
الوحيدة المزعورة بينهن , أصرخ وأولول صائحة : عوضى عليك يارب , عليه العوض ومنه
العوض" .أستيقظت من نومى , وجدت خالتى نائمة على الكنبة التى أمامى , جريت
الى حجرة أمى فوجدتها نائمة على سريرها , و عدت الى الصالة وجلست على الأرض واضعة
رأسى بين كفى , وأنا أردد فى سرى : أستغفر
الله العظيم , أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
طلبت من زوجة أخى صنع
كوبا من الليمون لى .
دخلت المطبخ .
وأستيقظت خالتى من
نومها , ودخلت المطبخ , وأحضرت طبقا به بعض الجبن ورغيف عيش وحبة طماطم , وجلست
على الكنبة أمامى تأكل . وأنا مطأطة الرأس , "أفسر الحلم داخلى" . وهى
تأكل أمامى , ونادتنى : تاكلى معايا ياعين خالتك ؟
لأ , شكرا بالهنا
والشفا .
أحضرت زوجة أخى كوب الليمون . شربته فى صمت .
وكان أبى بالخارج حضر , وجلس جوار خالتى على الكنبة . ضحكت وهى تأكل : كده
ياعبده أتأخرت علىّ وانا كنت عايزة أروح بدرى .
ضحك وهو يخلع حذاءه :
لسه بدرى مستعجلة على أيه ؟ أشرب الشاى , وأصلى
العصر , وبعدين أوصلك .
هذا الحوار دار بينهما . وأنا أشرب الليمون , وأفكر فى الحلم , ووجهى أحمر
يشبه الكبدة الساخنة .
هزتنى زوجة أخى بيدها فى رأسى وقالت : مالك ؟ مالك يابنت ؟
أعطيتها الكوب وأنا أردد : مافيش حاجة , شكرا .
وعدت لصمتى وفكرى .
وضعت هى كوبين من الشاى لأبى وخالتى .
وكان أبى قد أنتهى من الصلاة . أستيقظت أمى من نومها بعد زيارة عمتها وأختها
, ثم ذهابهما الى البلد وذهب أخى معهما الى المحطة .
شرب أبى الشاى وأخذ خالتى وخرج ليوصلها الى البيت . سمعت أمى تناديها من
الداخل : يابت ما تتأخريش علىّ .
قالت لها خالتى بصوت مرتفع ومرتبك من الخارج : حاضر من عينى , ثم قبلت
البنتين وخرجت مسرعة .
بعدها بنصف ساعة تقريبا فى حوالى الرابعة , خرجت أنا والبنتين , بعد وداع
أمى والأطمئنان انها بخير . ولكنى مازلت" أفكر فى الحلم ".
على ناصية الشارع , وجدت خالتى وأبى جالسين عند بائع الفراخ .
جاءت هى تجرى وقبلتنى , وقبلت البنتين فى لهفة وشوق , ثم عادت وجلست مكانها
.
وأنا سرت فى طريقى ومعى البنتين والحلم . صعدت أعلى الكوبرى الدائرى ,
أنتظارا لوصول ميكروباص الهرم دائرى . بعد دقائق كثيرة وجدتها تصعد السلم , وتقف
الى جوارى حاملة على رأسها كرتونة ثقيلة .
وقالت : أنت لسه واقفه ياعين خالتك ؟
وقف أبى جوارى ومال على أذنى هامسا : أنا قلت أجيب لها , فرختين وشوية أرز
ومكرونة بدال ماتدخل فاضية .
هززت رأسى بالموافقة على فعلته وصمت .
جاء ميكروباص مؤسسة دائرى . قلت لخالتى : أركبى . ركبت . ثم ركب أبى وراءها
.
لأول مرة أأخذ بالى من وجهها , كان
شاحبا ويميل الى البياض المشوب بالصفرة , قلت فى سرى ربما من صعود السلم فهو متعب
.
بعد قليل جاء ميكروباص الهرم , ركبت أنا والبنتين فى الكنبة الأخيرة , وعند
محطة بهتيم توقف السائق , نزل بعض الركاب وصعد آخرين , وسمعت أحدى الراكبات تقول :
ياعينى فيه حادثة على الدائرى , واحدة ست عربية خبطاها .
نظرت من الشباك على المكان الذى أشارت اليه , رأيت أبى واقفا وعينيه حمراوين , أبحث بعينى عن خالتى
لم اجدها , أبتعد الناس قليلا رأيت خالتى واقعة على الأرض بجلبابها الأسود
والكرتونة الى جوارها , والناس تجمع الأشياء التى تناثرت .
كان السائق بدأ فى التحرك البطىْء . صرخت فيه : أستنى ياأسطى , يالهوى دى
خالتى .
نزلت من العربة , وأخذت البنتين الصغيرتين فى يدى , وجريت مهرولة , وجدت أبى
واقفا يبكى وفى حيرة كبيرة , ولا يعرف ماذا يفعل ؟
وعندما أقتربت منه , أمسك يدى فى لهفة وقوة وقال لى : والله ياحبيبتى قلت
لها تعالى ننزل من على السلم , هى اللى سابت أيدى وجريت تعدى الطريق بسرعة .
وأخذ يمثل لى كيف كان هو ماسكا يدها بقوة ,و هى التى هربت منه وجرت .
كان مثل الطفل يبكى ,
وجسده يرتعش , ثم أخذ يردد :الحمد لله يابنتى ربنا بعتك لى , انا كنت لايص ومش عارف أعمل ايه ؟ أمسك هو البنتين , وأقتربت
أنا من جسد خالتى النائم على الأرض , وضعت أذنى على قلبها وجدت مازال النبض مستمرا
, أخذت اصرخ :" عوضى عليك يارب , عليه العوض ومنه العوض ," نفس الصرخات
التى كنت أصرخها فى الحلم منذ ساعتين تقريبا .
أقترب منى رجل وقور ,
ومد لى يده بورقة صغيرة وقال لى : دى نمرة العربية , واللى ضربها عقيد فى الجيش ,
وعربيته هى الحمرا اللى هناك دى , أوعى يفلت منكم , دا باين عليه رتبة كبيرة قوى .
وأشار بأصبعه تجاه
عربة تقف على بعد أمتار من الحادث .
ذهبت الى هناك , كانت
عربة 128 حمراء , وحولها بعض الناس ورجل بداخلها , وآخر يقف أمام الباب , والناس
تصرخ : أسعاف , فين الأسعاف , أتأخرت ليه ؟
طبعا لم تأتى عربة
الأسعاف , ولكن العسكرى وضابط المرور وأمين الشرطة , أوقفوا عربة ميكروباص وأنزلوا الركاب منها , وركبنا
جميعا ," أنا وأبى والبنتين وخالتى المصابة , والعسكرى , وركب أمين الشرطة
جوار السائق . صرخ السائق : كده هتودونى فى داهية .
صرخت فيه : ياعم أطلع
أبوس أيدك , وأحنا هنشهد أنك لست السائق الذى خبطها .
زغده أمين الشرطة فى
كتفه وقال له : أنا معاك , والباشا حرر المحضر بالواقعة , أطلع وبطل غلابه .
أنطلق السائق بنا ,
وأخذت رأس خالتى الصامتة على صدرى وقلبها الذى ينبض , وبدأت الدموع تنزل من عينيى
فى شلال متواصل , وأنا أفسر" الحلم" الذى رأيته منذ ساعتين , ولكن
تفسيره كان "خالتى ", وليس أمى , هل لو كان الله أعطانى علمه كاملا
وعرفت من المقصودة فى الحلم , هل كنت أستطيع أن أمنع القدر ؟! .
أنا اليوم لم أعد الى هذا الموضوع , بغرض
الكتابة عن حادثة خالتى التى ماتت منذ سنوات طويلة , بعد وفاة زوجى بشهور , ولا
أمى التى ماتت بعدها بشهور أخرى , ولكن الكلمات هى التى تأتى والأحلام هى التى
تفسر بعضها البعض , وما نراه فى الحلم ماهو ألا أشارة ودلالات لانفهمها , وأنما
نفسرها فيما بعد , عندما تنجلى الصورة , وتظهر الحقيقة واضحة .
فأمى رأيتها فى الحلم
بالأمس تصرخ , صراخا مرا وشديدا , قلب أم ملتعا على شىْ ما خطير هى تعرفه وتشعر به
ولديها رسالة تريد ايصالها , ولكن غير
مسموح لها فى الحلم ,بالتصريح . والدلالة واضحة , والأشارة موجودة , لاأعرف
تفسيرها , ولكن أشعر بخطورتها , وربما أكون ربطت بين ألمى ومعاناتى وصراخها والحلم
, وأنا التى استحضرتها من موتها , كما يقول " فرويد " فى كتاب تفسير
الأحلام , وقوة عقلى الباطن يفكر فيها لكى تكون الى جوارى فى أزمتى الصحية , فهى
أذن تصرخ بقلب أم ملتاعة على أبنتها الوحيدة .
وربما تكون أحست بى
فى مرقدها , فجأت شغوفة , لهفة لتقف الى جوارى , أو تاخذنى معها .
وهذا ما جعلنى أربط
بين حلم أمى وحلم خالتى .
الحلم الثانى :
يوم وفاة أبن عمتى ,
وقبل أن أعرف الخبر .
وانا نائمة , رأيت
يدا ترتدى قميصا أبيض مزركش بورود صغيرة بيضاء , يشبه ملابس الأمراء فى العصور الوسطى , أو فى
الحكايات القديمة (حكاية ست الحسن والجمال والشاطر حسن ) , يد تشدنى , تحاول
أيقاظى وهى تنادينى باستعطاف : قومى تعالى معايا .
خطفت يدى بسرعة وذعر,
وأنا أردد : أوعى , أوعى كده , اعوذ بالله .
وفتحت عينى ,
وأستغفرت الله العظيم , وأستعذت به من الشيطان .
ثم أنقلبت من على
جنبى الأيسر الى جنبى الأيمن كما يقول الحديث , وجدت السرير يهتز بى هزا عنيفا
وبقوة , كأن زلزالا يحدث , قمت مسرعة , نظرت على البنتين وجدتمها نائمتين فى دعة
وسلام .
خرجت من حجرة النوم ,
وجلست فى حجرة المكتب , وأنا أحاول تفسير" الحلم" المخيف , ويد من هذه ؟
والصوت تقريبا أعرفه , ومازال جسدى يهتز هزا , نظرت نحو الساعة كانت حوالى الثامنة
ونصف تقريبا , واليوم هو السبت , يوم عطلة
عندى .
دقائق معدودات , وأنا
مازلت فى دهشة من أمرى ومغروسة فى تفسير الحلم , وهزى بعنف , رن الموبايل , وصوت أخى الصغير ينادينى : أنت
صحيتى ؟
-
نعم .
-
طيب تماسكى , وفوقى .
-
أنا صاحية وفايقة , خير .
-
أبن عمتك تعيشى أنت . يالله أصحى وصحى البنتين وتعالى .
أه . جاء تفسير" الحلم" سريعا , أسرع مما توقعت , واليد الممدودة
والتى كانت تاخذنى , كانت يده , الآن عرفت صاحب الصوت .
والسرير الذى كان يهتز بى ظهر بعد ذلك أنه كان " جهاز الغسيل الكلوى
" الذى توفى فوقه منذ دقائق .
هل يصدقنى أحد ؟
الحلم الثالث :
رأيت زوجى يركب سيارة بيضاء فارهة وينطلق بها سعيدا ومبتهجا على غير عادته
, علما بأنه لم يعرف السواقة ولا كان يملك سيارة فى يوم من الأيام .
وأناجالسة على الكنبة الخلفية وأنظر اليه بأستغراب ودهشة من ضحكاته العالية
.
وهو بين لحظة وأخرى ينظر نحوى , ويحثنى على ترك المقعد الخلفى , والجلوس
الى جواره .
وأنا أنهره بخشونة وعنف وأقول له : مافيش فايدة فيك أبدا , زى ما أنت عمرك
ماهتتغير , بطل سخافة بقى .
ورفضت رفضا قاطعا ترك مكانى والجلوس الى جواره . فأنطلق بالسيارة مسرعا .
وصحوت من نومى وأنا أضحك .
لماذا توقفت عن
الكتابة ؟
عامان مرا , لم أكتب
فيهما شيئا يذكر !
منذ كتبت رواية ( بيت فنانة ) وأهديتها الى روح
صديقتى نعمات البحيرى , وأنا متوقفة عن الكتابة , كأن ماكينة الحكى قد تعطلت ,
والحقيقة الذهنية هى أننى توقعت دورا أفضل من هذا , أو ربما ثناء ما على ما كتبت .
أو ربما يكون ماتعرضت
له من غبن مفاجىء ,وأحساسى بفقدها , يوم وفاتها هو ما أثر فىّ وعلىّ فى آن واحد ,
ولبست عبائة الضحية بدلا من عبائة الذئب , أو ربما ظهور نتيجة ( جوائز الدولة ,
وخاصة التشجيعية ) ولم أحصل عليها للمرة الثالثة , وذهبت للمحظوظين , مثلما ذهبت جائزة أتحاد
الكتاب لآخرين , ولم أحصل عليها أيضا ! عوامل كثيرة تعطلنا فى الحياة وتتداخل
وتتصارع .
منذ 17 أكتوبر 2008
والى الآن هبت عواصف , وأتت رياح
وأجتاحت المظاهرات الشوارع فى 25يناير
2011 .
عام أسود بدأ بليلة(
رأس السنة) , فى هذه الليلة أحتفلت بعيد ميلادى أنا وأبنتى هاميس, وكان يوما بهيجا
وممتعا أتى الأصدقاء والأهل وفرحنا ,وبعد الثانية عشرة ليلا فتحت( الفيس بوك)
لمطالعة الرسائل , وهالنى ما قرأت ( ضرب كنيسة القديسين بالأسكندرية , ليلة رأس
السنة ) .
خيبة :
" ياصاح , أن كل
شىء كنت تحبه أصابك بالخيبة , صارت الخيبة ديدنك من كل بد , وحبك الأخير الذى
تسميه حبال ( الحقيقة ) هو بالضبط ما يجب أن يكون حبا للخيبة ).
أغلقت كتاب نيتشه ( الحكمة الشريرة ) وفتحت أوراقى القديمة وعدت الى خيباتى
وفقرى الشديد , وأحتياجى للحب .