الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

الفصل الثالث من رواية حافة الروح


ثلاثة أحلام متتالية!
 

الحلم الأول :

 

استيقظت من نومى على صوت صراخ أمى .

رأيتها تقوم من نومها وهى تصرخ . وأنا أجرى عليها وأناديها : فيه أيه ياماما , مالك ياحبيبتى .

جلست على سريرها , مرتدية جلابية بيضاء بنقاط سوداء , ووضعت رأسها بين كفيها . وأنا أمد لها يدى بكوب الماء , ويدى الآخرى تملس على شعرها : خير ياحبيبتى مالك ؟ اللهم أجعله خير !

كانت صامتة , وجميلة , وفى عز شبابها , وظلت واضعة رأسها بين كفيها صامتة .

وضعت كوب الماء , وجلست أمامها , أنظر أليها .

كان نفس الجلباب الذى رأيته يوم وفاة خالتى . والذى تحتفظ به أبنتى هاميس فى دولابها الى الآن من رائحة جدتها .

رأيت فيما يرى النائم .

وكانت الساعة الثانية ظهرا , كنت عند أمى , وبعد الغداء رقدت على الكنبة , وجاءت مى الصغيرة الى جوارى ونامت فى حضنى .

"رأيت أمى تسقط على الأرض وسط الحجرة , وأخواتها الثمانية الى جوارها جالسات يرتدين نفس الجلباب ونفس اللون , جلباب أبيض بنقاط صغيرة سوداء .

هن صامتات . وانا الوحيدة المزعورة بينهن , أصرخ وأولول صائحة : عوضى عليك يارب , عليه العوض ومنه العوض" .أستيقظت من نومى , وجدت خالتى نائمة على الكنبة التى أمامى , جريت الى حجرة أمى فوجدتها نائمة على سريرها , و عدت الى الصالة وجلست على الأرض واضعة رأسى بين كفى  , وأنا أردد فى سرى : أستغفر الله العظيم , أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

طلبت من زوجة أخى صنع كوبا من الليمون لى .

دخلت المطبخ .

وأستيقظت خالتى من نومها , ودخلت المطبخ , وأحضرت طبقا به بعض الجبن ورغيف عيش وحبة طماطم , وجلست على الكنبة أمامى تأكل . وأنا مطأطة الرأس , "أفسر الحلم داخلى" . وهى تأكل أمامى , ونادتنى : تاكلى معايا ياعين خالتك ؟

لأ , شكرا بالهنا والشفا .

أحضرت زوجة أخى كوب الليمون . شربته فى صمت .

وكان أبى بالخارج حضر , وجلس جوار خالتى على الكنبة . ضحكت وهى تأكل : كده ياعبده أتأخرت علىّ وانا كنت عايزة أروح بدرى .

ضحك وهو يخلع حذاءه :

    لسه بدرى مستعجلة على أيه ؟ أشرب الشاى , وأصلى العصر , وبعدين أوصلك .

هذا الحوار دار بينهما . وأنا أشرب الليمون , وأفكر فى الحلم , ووجهى أحمر يشبه الكبدة الساخنة .

هزتنى زوجة أخى بيدها فى رأسى وقالت : مالك ؟ مالك يابنت ؟

أعطيتها الكوب وأنا أردد : مافيش حاجة , شكرا .

وعدت لصمتى وفكرى .

وضعت هى كوبين من الشاى لأبى وخالتى .

وكان أبى قد أنتهى من الصلاة . أستيقظت أمى من نومها بعد زيارة عمتها وأختها , ثم ذهابهما الى البلد وذهب أخى معهما الى المحطة .

شرب أبى الشاى وأخذ خالتى وخرج ليوصلها الى البيت . سمعت أمى تناديها من الداخل : يابت ما تتأخريش علىّ .

قالت لها خالتى بصوت مرتفع ومرتبك من الخارج : حاضر من عينى , ثم قبلت البنتين وخرجت مسرعة .

بعدها بنصف ساعة تقريبا فى حوالى الرابعة , خرجت أنا والبنتين , بعد وداع أمى والأطمئنان انها بخير . ولكنى مازلت" أفكر فى الحلم ".

على ناصية الشارع , وجدت خالتى وأبى جالسين عند بائع الفراخ .

جاءت هى تجرى وقبلتنى , وقبلت البنتين فى لهفة وشوق , ثم عادت وجلست مكانها .

وأنا سرت فى طريقى ومعى البنتين والحلم . صعدت أعلى الكوبرى الدائرى , أنتظارا لوصول ميكروباص الهرم دائرى . بعد دقائق كثيرة وجدتها تصعد السلم , وتقف الى جوارى حاملة على رأسها كرتونة ثقيلة .

وقالت : أنت لسه واقفه ياعين خالتك ؟

وقف أبى جوارى ومال على أذنى هامسا : أنا قلت أجيب لها , فرختين وشوية أرز ومكرونة بدال ماتدخل فاضية .

هززت رأسى بالموافقة على فعلته وصمت .

جاء ميكروباص مؤسسة دائرى . قلت لخالتى : أركبى . ركبت . ثم ركب أبى وراءها .

لأول مرة أأخذ بالى من وجهها  , كان شاحبا ويميل الى البياض المشوب بالصفرة , قلت فى سرى ربما من صعود السلم فهو متعب .

بعد قليل جاء ميكروباص الهرم , ركبت أنا والبنتين فى الكنبة الأخيرة , وعند محطة بهتيم توقف السائق , نزل بعض الركاب وصعد آخرين , وسمعت أحدى الراكبات تقول : ياعينى فيه حادثة على الدائرى , واحدة ست عربية خبطاها .

نظرت من الشباك على المكان الذى أشارت اليه , رأيت  أبى واقفا وعينيه حمراوين , أبحث بعينى عن خالتى لم اجدها , أبتعد الناس قليلا رأيت خالتى واقعة على الأرض بجلبابها الأسود والكرتونة الى جوارها , والناس تجمع الأشياء التى تناثرت .

كان السائق بدأ فى التحرك البطىْء . صرخت فيه : أستنى ياأسطى , يالهوى دى خالتى .

نزلت من العربة , وأخذت البنتين الصغيرتين فى يدى , وجريت مهرولة , وجدت أبى واقفا يبكى وفى حيرة كبيرة , ولا يعرف ماذا يفعل ؟

وعندما أقتربت منه , أمسك يدى فى لهفة وقوة وقال لى : والله ياحبيبتى قلت لها تعالى ننزل من على السلم , هى اللى سابت أيدى وجريت تعدى  الطريق بسرعة .

وأخذ يمثل لى كيف كان هو ماسكا يدها بقوة ,و هى التى هربت منه وجرت .

كان مثل الطفل يبكى , وجسده يرتعش , ثم أخذ يردد :الحمد لله يابنتى ربنا بعتك لى , انا كنت لايص  ومش عارف أعمل ايه ؟ أمسك هو البنتين , وأقتربت أنا من جسد خالتى النائم على الأرض , وضعت أذنى على قلبها وجدت مازال النبض مستمرا , أخذت اصرخ :" عوضى عليك يارب , عليه العوض ومنه العوض ," نفس الصرخات التى كنت أصرخها فى الحلم منذ ساعتين تقريبا .

أقترب منى رجل وقور , ومد لى يده بورقة صغيرة وقال لى : دى نمرة العربية , واللى ضربها عقيد فى الجيش , وعربيته هى الحمرا اللى هناك دى , أوعى يفلت منكم , دا باين عليه رتبة كبيرة قوى .

وأشار بأصبعه تجاه عربة تقف على بعد أمتار من الحادث .

ذهبت الى هناك , كانت عربة 128 حمراء , وحولها بعض الناس ورجل بداخلها , وآخر يقف أمام الباب , والناس تصرخ : أسعاف , فين الأسعاف , أتأخرت ليه ؟

طبعا لم تأتى عربة الأسعاف , ولكن العسكرى وضابط المرور وأمين الشرطة , أوقفوا  عربة ميكروباص وأنزلوا الركاب منها , وركبنا جميعا ," أنا وأبى والبنتين وخالتى المصابة , والعسكرى , وركب أمين الشرطة جوار السائق . صرخ السائق : كده هتودونى فى داهية .

صرخت فيه : ياعم أطلع أبوس أيدك , وأحنا هنشهد أنك لست السائق الذى خبطها .

زغده أمين الشرطة فى كتفه وقال له : أنا معاك , والباشا حرر المحضر بالواقعة , أطلع وبطل غلابه .

أنطلق السائق بنا , وأخذت رأس خالتى الصامتة على صدرى وقلبها الذى ينبض , وبدأت الدموع تنزل من عينيى فى شلال متواصل , وأنا أفسر" الحلم" الذى رأيته منذ ساعتين , ولكن تفسيره كان "خالتى ", وليس أمى , هل لو كان الله أعطانى علمه كاملا وعرفت من المقصودة فى الحلم , هل كنت أستطيع أن أمنع القدر ؟! .

 

      أنا اليوم لم أعد الى هذا الموضوع , بغرض الكتابة عن حادثة خالتى التى ماتت منذ سنوات طويلة , بعد وفاة زوجى بشهور , ولا أمى التى ماتت بعدها بشهور أخرى , ولكن الكلمات هى التى تأتى والأحلام هى التى تفسر بعضها البعض , وما نراه فى الحلم ماهو ألا أشارة ودلالات لانفهمها , وأنما نفسرها فيما بعد , عندما تنجلى الصورة , وتظهر الحقيقة واضحة .

فأمى رأيتها فى الحلم بالأمس تصرخ , صراخا مرا وشديدا , قلب أم ملتعا على شىْ ما خطير هى تعرفه وتشعر به  ولديها رسالة تريد ايصالها , ولكن غير مسموح لها فى الحلم ,بالتصريح . والدلالة واضحة , والأشارة موجودة , لاأعرف تفسيرها , ولكن أشعر بخطورتها , وربما أكون ربطت بين ألمى ومعاناتى وصراخها والحلم , وأنا التى استحضرتها من موتها , كما يقول " فرويد " فى كتاب تفسير الأحلام , وقوة عقلى الباطن يفكر فيها لكى تكون الى جوارى فى أزمتى الصحية , فهى أذن تصرخ بقلب أم ملتاعة على أبنتها الوحيدة .

وربما تكون أحست بى فى مرقدها , فجأت شغوفة , لهفة لتقف الى جوارى , أو تاخذنى معها .

 

وهذا ما جعلنى أربط بين حلم أمى وحلم خالتى .

 

 

الحلم الثانى :

 

يوم وفاة أبن عمتى , وقبل أن أعرف الخبر .

وانا نائمة , رأيت يدا ترتدى قميصا أبيض مزركش بورود صغيرة بيضاء  , يشبه ملابس الأمراء فى العصور الوسطى , أو فى الحكايات القديمة (حكاية ست الحسن والجمال والشاطر حسن ) , يد تشدنى , تحاول أيقاظى وهى تنادينى باستعطاف : قومى تعالى معايا .

خطفت يدى بسرعة وذعر, وأنا أردد : أوعى , أوعى كده , اعوذ بالله .

وفتحت عينى , وأستغفرت الله العظيم , وأستعذت به من الشيطان .

ثم أنقلبت من على جنبى الأيسر الى جنبى الأيمن كما يقول الحديث , وجدت السرير يهتز بى هزا عنيفا وبقوة , كأن زلزالا يحدث , قمت مسرعة , نظرت على البنتين وجدتمها نائمتين فى دعة وسلام .

خرجت من حجرة النوم , وجلست فى حجرة المكتب , وأنا أحاول تفسير" الحلم" المخيف , ويد من هذه ؟ والصوت تقريبا أعرفه , ومازال جسدى يهتز هزا , نظرت نحو الساعة كانت حوالى الثامنة ونصف  تقريبا , واليوم هو السبت , يوم عطلة عندى .

دقائق معدودات , وأنا مازلت فى دهشة من أمرى ومغروسة فى تفسير الحلم , وهزى بعنف ,  رن الموبايل , وصوت أخى الصغير ينادينى : أنت صحيتى ؟

-        نعم .

-        طيب تماسكى , وفوقى .

-        أنا صاحية وفايقة , خير .

-        أبن عمتك تعيشى أنت . يالله أصحى وصحى البنتين وتعالى .

أه . جاء تفسير" الحلم" سريعا , أسرع مما توقعت , واليد الممدودة والتى كانت تاخذنى , كانت يده , الآن عرفت صاحب الصوت .

والسرير الذى كان يهتز بى ظهر بعد ذلك أنه كان " جهاز الغسيل الكلوى " الذى توفى فوقه منذ دقائق .

 

هل يصدقنى أحد ؟

 

 

الحلم الثالث :

 

رأيت زوجى يركب سيارة بيضاء فارهة وينطلق بها سعيدا ومبتهجا على غير عادته , علما بأنه لم يعرف السواقة ولا كان يملك سيارة فى يوم من الأيام .

وأناجالسة على الكنبة الخلفية وأنظر اليه بأستغراب ودهشة من ضحكاته العالية .

وهو بين لحظة وأخرى ينظر نحوى , ويحثنى على ترك المقعد الخلفى , والجلوس الى جواره .

وأنا أنهره بخشونة وعنف وأقول له : مافيش فايدة فيك أبدا , زى ما أنت عمرك ماهتتغير , بطل سخافة بقى .

ورفضت رفضا قاطعا ترك مكانى والجلوس الى جواره . فأنطلق بالسيارة مسرعا .

وصحوت من نومى وأنا أضحك .

 

 

لماذا توقفت عن الكتابة ؟

 

عامان مرا , لم أكتب فيهما شيئا يذكر !

 

 منذ كتبت رواية ( بيت فنانة ) وأهديتها الى روح صديقتى نعمات البحيرى , وأنا متوقفة عن الكتابة , كأن ماكينة الحكى قد تعطلت , والحقيقة الذهنية هى أننى توقعت دورا أفضل من هذا , أو ربما ثناء ما على ما كتبت .

أو ربما يكون ماتعرضت له من غبن مفاجىء ,وأحساسى بفقدها , يوم وفاتها هو ما أثر فىّ وعلىّ فى آن واحد , ولبست عبائة الضحية بدلا من عبائة الذئب , أو ربما ظهور نتيجة ( جوائز الدولة , وخاصة التشجيعية ) ولم أحصل عليها للمرة الثالثة  , وذهبت للمحظوظين , مثلما ذهبت جائزة أتحاد الكتاب لآخرين , ولم أحصل عليها أيضا ! عوامل كثيرة تعطلنا فى الحياة وتتداخل وتتصارع .

 

منذ 17 أكتوبر 2008 والى الآن هبت عواصف  , وأتت رياح وأجتاحت  المظاهرات الشوارع فى 25يناير 2011 .

 

عام أسود بدأ بليلة( رأس السنة) , فى هذه الليلة أحتفلت بعيد ميلادى أنا وأبنتى هاميس, وكان يوما بهيجا وممتعا أتى الأصدقاء والأهل وفرحنا ,وبعد الثانية عشرة ليلا فتحت( الفيس بوك) لمطالعة الرسائل , وهالنى ما قرأت ( ضرب كنيسة القديسين بالأسكندرية , ليلة رأس السنة ) .

 

خيبة :

 

" ياصاح , أن كل شىء كنت تحبه أصابك بالخيبة , صارت الخيبة ديدنك من كل بد , وحبك الأخير الذى تسميه حبال ( الحقيقة ) هو بالضبط ما يجب أن يكون حبا للخيبة ).

 

أغلقت كتاب نيتشه ( الحكمة الشريرة ) وفتحت أوراقى القديمة وعدت الى خيباتى وفقرى الشديد , وأحتياجى للحب .
 

قصة فأل سئ

  فأل سئ لا أعرف بالضبط ماذا حدث لي؟ منذ ليلة أمس وأنا تنتابني حالة من العراك والغضب الزائد، لقد ألغيت لقاءً كان مهما بالنسبة لي في العم...

المتابعون