حواديت عيل موكوس ( بالعامية المصرية )
من الصعب على اى ناقد أو كاتب مقارنة عمل بعمل !لا فى الأدب المقارن .
فرواية ( من حلاوة الروح ) التى صدرت طبعة أولى عام 2001 ثم طبعة ثانية عام 2005 وهى مكتوبة ( بالعامية المصرية ) قد سبقتها أرهاصات كثيرة من كتابة السرد بالعامية وعلى سبيل المثال وليس الحصر ( رائعة مصطفى مشرفة , قنطرة الذى كفر ثم مجموعة قصص هذيان لنفس الكاتب , ويوميات طالب بعثة للويس عوض , وشقة فى وسط البلد وغيرها القليل , ثم صدرت رواية لبن العصفور للكاتب يوسف القعيد , ورواية الباذل ثم رواية حكايات عيل موكوس ) .
ولكن العمل الحقيقى الذى كان يقف أمامى ويسد علىّ الطريق وكان فى رأسى دائما وأحاول طرده ومحاربته هو رائعة مصطفى مشرفة ( قنطرة الذى كفر ) وقد قام الناقد فاروق عبد القادر رحمه الله بعمل موازنة للروايتين ونشرت فى مجلة وكتاب الهلال , وقام كذلك الباحث فرانشيسكو من !يطاليا بعمل هذه الموازنة فى رسالة دكتوراة فى !يطاليا وقد وازن بين ( اللغة والشخصيات والزمن والمكان )
فرواية قنطرة الذى كفر
كانت تتحدث عن ثورة 1919
فى ربع والشخصية المحورية هى الشيخ عبد لسلام خريج الأزهر والذى كان يحاول كتابة قصيدة عصماء يمجد فيها شخصية كبيرة كى يتم تعينه فى وظيفة ولكنه يقدم سيدة للبيه ثمنا لهذا العمل وتكون ضحية تنتهى بموتها .
رواية من حلاوة الروح
تدور أحداثها تحديدا بعد نكسة 1967 وتنتهى فى جنازة عبد الناصر 1970
الزمن ثلاث سنوات تقريبا هو زمن الرواية , ولكن داخل العمل كل شخصية تتحدث عن نفسها تستحضر زمنها هى ومكانها الذى جاءت منه سواء من القرى القريبة من القاهرة أو من الصعيد للعمل فى العاصمة ويعيشون على هامش المدينة فى منطقة ( المطرية ) التى كانت فى ذلك الوقت منطقة شعبية قريبة من الريفية .
وجاءت الشخصيات بعاداتها وتقاليدها المتوارثة عبر آلاف السنين منذ التاريخ الفرعونى سواء كان فى طقوس الميلاد أو الموت ( حتى الشخصية المسيحية داخل العمل وهى أم رامى ) تعيش معهم نفس الطقوس والعادات والتقاليد لأنهم جميعا مصريين لا فرق بين مسيحى أو مسلم فهم جميعا فى الفقر والمرض والتخلف سواء ويخضعون جميعا لقهر المؤسسات الأجتماعية والسياسية والثقافية والتعليمية فى ذلك الوقت .
فمثلا خلال الرواية لم نسمع كلمة أنت مسيحى وأنا مسلم ولا نعرف من العمل !لا بعد صفحات عديدة وبالصدفى البحتة عندما تحدثها أم عكاشة وتقول لها ( مجدى سيدك ) وعندما يذهب جميع سكان البيت ( رجال ونساء وأطفال ) !لى مولد ( العدرا بمسطرد ) وكان من وجهة نظرى من أمتع الفصول فكاهة وحنين وحب , عندما تستقبلهم أم رامى وتقدم لهم الطعام ( لحم ضأن ذبحه أخواتها فى مولد العدرا ) بعد أن أكلوا ملوحة وسردين مخلل ولع قلبهم كما قالت لها أم فيفى .
هذه هى مصر وهؤلاء هم الناس شعب مصر فى الحلوة والمرة والهم سواء وفى الأعياد والمناسبات الجميلة والحزينة يد واحدة , ويتضح هذا فى جنازة عبد الناصر خرج جميع سكان البيت يلطمون الخدود ويعددون عليه مسيحى ومسلم معا ينعون أبوهم الذى سوف يصبحون أيتام من بعده .
والآن لو تتبعنا حركة الشارع المصرى والفكار المندثة بين الناس والأطفال وتلاميذ المدارس نجدها بجد مخزية ومحزنة ومجرمة وليس هذا سلوك المصريين الحقيقين سواء مسلم أو مسيحى فالوطن واحد والأرث الثقافى واحد وجمل العديد واحدة والعادات والتقاليد والطقوس تتشابه لأنها أبنة البيئة المصرية .
منذ أيام ذهبت عند صديقة مسيحية أعزيها فى وفاة والدتها وأخذت تحكى لى عن وجودها فى الغسل وهذا يحدث لها لأول مرة ثم أتيان الأب ( القسيس ) بعد ثلاثة أيام من الوفاة للترتيل فى بيت كى يصرف الروح وقامت بغسل هدوم أمها ثم توزيعها على الفقراء بعد أن صلى القسيس عليها .
طب والله العظيم هى حكت ما قمت به تماما عندما توفى زوجى ( مجدى ) وعندما توفت أى وذكرت ذلك فى رواية ( فى الليل لما خلى )
أنا أسفه على الأطالة ولكن نعود !لى رواية ( حواديت عيل موكوس )
على فكرة العنوان جميل ومناسب تماما .
وكذلك الغلاف أيضا .
الوارية تحكى من وجهة نظر ( طفل صغير) يرى مايدور حوله ويسمع ويخزن فى الذاكرة الشفهية التى أمتلأت بالحكايات والحواديت والأغانى والأشعار الشعبية فى المولد .
فهو أذن ممتلئ عن آخره بهذه الذكريات الحميمية والتى شكلت وجدانه وذائقته الثقافية عن طريق الشفاهه .
فعندما يريد أن يكتب عمل يرصد فيه هذه التجربة من الجميل والطبيعى أن يكتب ( باللغة العامية ) و!لا يصبح كاذبا وهو من داخله ببراءة الطفل يريد أن يقول الحقيقة كاملة كما سمعها ورأها تحدث فى القرية .
وقد أستخدم أسلوب السجع بكثرة وهذا ما جعل العمل من يعتقد من الوهلة الأولى أنه ( شعر ) وليس ( رواية ) ويقارنها ظلما !ذا فعل برواية ( من حلاوة الروح ) لأن العالم مختلف المدينة مختلفة عن عالم الريف والريف يتم الحكى عنه من عين كل راوى على حده ومن وجهة نظره هو لا من وجهة نظر الكاتب ( صفاء عبد المنعم ) فالكاتب غائب هو يترك الشخصيات فى حرية تامة تتحدث عن نفسها وبلغاتها الخاصة ( بحرى أو قبلى ) ولكن فى حواديت عيل موكوس الراوى هو الكاتب ذاته فى طفولته فلابد أن يعلق على الأحداث أثناء السرد .
ويتناول الشخصيات من وجهة نظره هو ويحكى على لسانه ويصفها كما أنطبعت فى ذهنه أو كما قيل عنها ( ما قاله الآخرون ) .
المكان قرية بعيدة عن المدنية بها الفقر والخرفات عن يوم القيامة يسيطر عليها الغفر والعمدة والبيه .
مثل أى قرية فى مصر وكما جاءت فى فيلم الأرض مع بعض التحفظات فى بناء الشخصيات والأحداث .
توجد الجدة ( فهيمه) المسيطرة على البيت والتى فى عراك دائم مع زوجة أبنها وتناديها (يا أم الموكوس ) والموكوس عند العامة هو ( الخائب ) الذى به بعض التصرفات العبيطة من وجهة نظر الجدة .
وهناك الجد والعمدة والمولد ويوم القيامة الحدث الجلل والذى تنام القرية جميعها فى هذا اليوم كما أفتى الشيخ (زباللى) .
الأطفال يدفنون الأقلام والكراسات , والغفر يدفنون البنادق التى تشبه النبابيت ( العصى ) وينامون جميعا, وعندما يستيقظون يجدون أنفسهم فى نفس المكان فيضحكون .
الضحك هنا دليل على الخيبة ( خيبة الأمل) الجميع ينتظر الموت ويوم القيامة حتى يستريحوا من العناء .
الوحيد الذى لا ينتظر الموت هو شخصية (عم فاروق) الذى يأتى فى المولد بصندوقه الساحر وأرقامه التى تكسب صاحب الحظ السعيد وأبنته ( مصر ) التى تلف معه.
المشهد الحقيقى هو العودة من سيناء بخيبة الأمل والهزيمة والأم التى تفقد ( شابين) فى حرب خاسرة وتطرد ابنها كى يأخذ بثأر أخيه( ارجع يا جبان مش عايزاك , ارجع لجمال واوعاك اشوفك غير لما تكون الرملة وجتة أخوك وياك ) وتبص ف صورة سيدنا الريس واللى يكلمها تقول له : سيبونى .. مهمومة وزعلانه . )