رائحة انوثة غائبة
امراة تخطت الخمسين بثلاثة أيام .
يأتى يناير وهى وحيدة , لا تعرف ماذا تقول ؟ وكيف أختارت حياتها ؟ ولماذا صارت هكذا صعبة المراث ؟
لاتنام !
لا تأكل !
لا تحب !
فقط تحيا حياة فارغة من وجهة نظرها , ولكنها مليئة بالمشاغبات والناواشات الكثيرة !!
كيف ترى هذه الأنثى حياتها بعد مرور هذه الأعوام ؟
هل هى حقا فارغة كما تدعى وتشعر ؟
وهل تكتل الحزن الفظيع فطبع بصمات واضحة على عينيها وحياتها ؟
هى أصبحت تكره كل شىء , وشاخت من الداخل كسلحفاة عجوز , تقترب من النهاية , مرت عليها الذكريات دفعات متواصلة و عينيها لا تتطلع لشىء سوى الحزن والأكتئاب , !نها كرهت وجودها , وتسأل الله أن ينهى هذه الحياة الفظيعة التى بداخلها من وجهة نظرها الآن , ومع ذلك تستمر الحياة .
لقد كرهت وجودها المادى , وأحيانا يختلط عليها الحلم بالواقع ( هل هى فراشة تحلم أنها انسان , أم أنسان يحلم أنه فراشة ) تصحو من النوم وتسال نفسها هل ماكانت فيه حقيقة أم حلما ؟
الحلم والواقع .
المسافة بينهما جد متناهية أو كادت أن تتلاشى , أصبحت تستدعى أصدقائها فى الحلم وتحدثهم , وتحكى معهم , وتزور الأماكن البعيدة , وتذهب !ليها وتعيش داخلها بكل تفاصيلها القديمة والجديدة , ترى الأشياء قبل حدوثها , وتحدث الموتى فى حياتهم وصخبهم .
!نها تحيا حياتين ( الواقع بكل تفاصيله واحباطاته , والحلم بكل سعادته وشفافيته , وأناسه الذين فقدتهم )
لقد جاء ديسمبر دون أن تحتاط أو تجهز له كما كانت تفعل سابقا .
( أموات لم نتعرف عليهم قط )
فى ديسمبر 1960
ولدت " المكتنزة البيضاء" بعد خمس سنوات من البحث لأبوين طيبين .
ظل والدها يحملها على يديه طوال الليل وهو جالسا على الكرسى مستريحا ولا يعرف أن يد الكرسى صنعت فجوة عميقة فى رأسها فأصبحت محشوة بالألم والزكرايات .
سوف ترسم لها صورة هى ليست حقيقية ولا متصورة , ولكن صورة تحاول البحث من خلال بعض الوثائق والتحقيقات وأراء المكتنزة نفسها من خلال تصورات وأحلام وطموحات , وأحباطات عديدة , كانت كفيلة بهدم جبل المقطم او بسقوط تلك الصخرة على رؤوس الأبرياء .
!نها صور ذهنية وحقيقية ومتخيلة !!!
عوالم عديدة ومتداخلة فيها من الكذب ما يوازى الصدق , وفيها من الشفافية ما سوف تظل تعانيه طوال حياتها الممتدة كسلحفاة عجوز .
أحبت فيرجينيا وولف فى السيدة دالاواى .
وكذلك موشيما فى أعترافات قناع .
وتمتعت بكتابات ديستوفسكى وأعجبت بشخصية ديميترى فى الخوة كرامازوف .
وبكت كثيرا على موت موظف لتشيكوف .
وتمنت طوال رحلتها فى الكتابة أن تكتب مثل هذا النص (المدمر) والحزين والأنسانى بعمق .
اليوم 4 ديسمبر 2010
ذبابة تخايل وجهها وتفشل محاولات الكتابة والتواصل !
بعد أيام قليلة سوف تتم الخمسين ( اليوبيل الذهبى ) كان سيضحك كثيرا وهو يقدم لها هدية بسيطة وكلمات كتبها خصيصا لها ويقول ( عيد سعيد ياتوتة ) ويوبيل ذهبى كبير وعظيم ويقبلها على جبينها أو فى عينيها وهى تضحك وتهرب من أمامه وهو يجذبها بقوة نحوه .
من سوف يمنحنى هذه القبلة العميقة بعد هذه السنوات الطويلة من الفقد ؟
ربما تتذكر البنتان هذا اليوم وربما تنشغل كل منهما بحياتها الخاصة وتنسى ؟ ربما !
تقدم كل منهما هدية وتحملها بين يديها .
المهم أنها سوف تجلس منزوية على الكنبة , وتعبث فى اوراق قديمة باحثة عن رائحة أنثى غائبة , كان لها حبيبا يدب بقدميه على باب حجرتها ويقول لها " كل عام وأنت بخير حبيبتى "
ويكتب : أعلمى ياحبيبتى الوحيدة والواحدة أن حريتك هى حريتى .
سوف يكتب هذه ويرحل تاركا لها حرية كبيرة وكاملة , ولكن ماذا تفعل بها فى ظل الوحدة المتناهية .
الحرية .
قديما كانت تعشق هذه الكلمة بمعناها المادى .
كانت تريد أن تخرج من كلاسيكيتها ورومانسيتها المفرطة و وتحكم الجدة فى كل شىء ( الكلام , الجسد , الروح )
كانت تعد لتزمت قادم وحجاب داخلى صارم وقاتل !
من يكسر هذا الساتر الحديدى ويعبره مثل عبور خط بارليف ؟ او مثل حرب الخليج التى فتت المشاعر وسطحت الأراء ففقد الوطن معناه القديم .
كل هذه الصور تتزاحم داخلها الآن وهى تقرأ أندريه موروا ( فن التراجم والسير الذاتية )
وتسمع صوت نانسى عجرم .
هل أنا مضطرة أن أصدق هذه الكلمات المكتوبة ؟
وهل أنا مطالبة بكتابة الحقيقة كاملة ؟
هناك خيوط سوداء تتمدد خلف الخيوط البيضاء والعكس بالعكس مثل صعود الفجر وتنفسه و الخيوط خلف الخيوط .
نحن لا نشوه صور العابرين .
ولكن نحاول أن نلتقطهم بكاميرا ثابتة الحية / الميتة على حقيقتها .
هذا هزل !
هل يوجد أحدا يقول الحقيقة ؟
أم هو يكون صورة كاذبة وجميلة مثل عين الحبيب الذى يرى حبيبته كاملة دون نواقص .
وهذا ما يطلق عليه الحب الأعمى الذى يجعلك ترى الصفات الجميلة فقط فى الحبيب المخادع والأكثر براعة منك فى كذبه !!!!!!!!!!!!!