الاثنين، 6 ديسمبر 2010

رائحة أنوثة غائبة

رائحة انوثة غائبة
امراة تخطت الخمسين بثلاثة أيام .
يأتى يناير وهى وحيدة , لا تعرف ماذا تقول ؟ وكيف أختارت حياتها ؟ ولماذا صارت هكذا صعبة المراث ؟
لاتنام !
لا تأكل !
لا تحب !
فقط تحيا حياة فارغة من وجهة نظرها , ولكنها مليئة بالمشاغبات والناواشات الكثيرة !!
كيف ترى هذه الأنثى حياتها بعد مرور هذه الأعوام ؟
هل هى حقا فارغة كما تدعى وتشعر ؟
وهل تكتل الحزن الفظيع فطبع بصمات واضحة على عينيها وحياتها ؟
هى أصبحت تكره كل شىء , وشاخت من الداخل كسلحفاة عجوز , تقترب من النهاية , مرت عليها الذكريات دفعات متواصلة و عينيها لا تتطلع لشىء سوى الحزن والأكتئاب , !نها كرهت وجودها , وتسأل الله أن ينهى هذه الحياة الفظيعة التى بداخلها من وجهة نظرها الآن , ومع ذلك تستمر الحياة .
لقد كرهت وجودها المادى , وأحيانا يختلط عليها الحلم بالواقع ( هل هى فراشة تحلم أنها انسان , أم أنسان يحلم أنه فراشة ) تصحو من النوم وتسال نفسها هل ماكانت فيه حقيقة أم حلما ؟
الحلم والواقع .
المسافة بينهما جد متناهية أو كادت أن تتلاشى , أصبحت تستدعى أصدقائها فى الحلم وتحدثهم , وتحكى معهم , وتزور الأماكن البعيدة , وتذهب !ليها وتعيش داخلها بكل تفاصيلها القديمة والجديدة , ترى الأشياء قبل حدوثها , وتحدث الموتى فى حياتهم وصخبهم .
!نها تحيا حياتين ( الواقع بكل تفاصيله واحباطاته , والحلم بكل سعادته وشفافيته , وأناسه الذين فقدتهم )
لقد جاء ديسمبر دون أن تحتاط أو تجهز له كما كانت تفعل سابقا .
( أموات لم نتعرف عليهم قط )
فى ديسمبر 1960
ولدت " المكتنزة البيضاء" بعد خمس سنوات من البحث لأبوين طيبين .
ظل والدها يحملها على يديه طوال الليل وهو جالسا على الكرسى مستريحا ولا يعرف أن يد الكرسى صنعت فجوة عميقة فى رأسها فأصبحت محشوة بالألم والزكرايات .
سوف ترسم لها صورة هى ليست حقيقية ولا متصورة , ولكن صورة تحاول البحث من خلال بعض الوثائق والتحقيقات وأراء المكتنزة نفسها من خلال تصورات وأحلام وطموحات , وأحباطات عديدة , كانت كفيلة بهدم جبل المقطم او بسقوط تلك الصخرة على رؤوس الأبرياء .
!نها صور ذهنية وحقيقية ومتخيلة !!!
عوالم عديدة ومتداخلة فيها من الكذب ما يوازى الصدق , وفيها من الشفافية ما سوف تظل تعانيه طوال حياتها الممتدة كسلحفاة عجوز .

أحبت فيرجينيا وولف فى السيدة دالاواى .
وكذلك موشيما فى أعترافات قناع .
وتمتعت بكتابات ديستوفسكى وأعجبت بشخصية ديميترى فى الخوة كرامازوف .
وبكت كثيرا على موت موظف لتشيكوف .
وتمنت طوال رحلتها فى الكتابة أن تكتب مثل هذا النص (المدمر) والحزين والأنسانى بعمق .
اليوم 4 ديسمبر 2010
ذبابة تخايل وجهها وتفشل محاولات الكتابة والتواصل !
بعد أيام قليلة سوف تتم الخمسين ( اليوبيل الذهبى ) كان سيضحك كثيرا وهو يقدم لها هدية بسيطة وكلمات كتبها خصيصا لها ويقول ( عيد سعيد ياتوتة ) ويوبيل ذهبى كبير وعظيم ويقبلها على جبينها أو فى عينيها وهى تضحك وتهرب من أمامه وهو يجذبها بقوة نحوه .
من سوف يمنحنى هذه القبلة العميقة بعد هذه السنوات الطويلة من الفقد ؟
ربما تتذكر البنتان هذا اليوم وربما تنشغل كل منهما بحياتها الخاصة وتنسى ؟ ربما !
تقدم كل منهما هدية وتحملها بين يديها .
المهم أنها سوف تجلس منزوية على الكنبة , وتعبث فى اوراق قديمة باحثة عن رائحة أنثى غائبة , كان لها حبيبا يدب بقدميه على باب حجرتها ويقول لها " كل عام وأنت بخير حبيبتى "
ويكتب : أعلمى ياحبيبتى الوحيدة والواحدة أن حريتك هى حريتى .
سوف يكتب هذه ويرحل تاركا لها حرية كبيرة وكاملة , ولكن ماذا تفعل بها فى ظل الوحدة المتناهية .
الحرية .
قديما كانت تعشق هذه الكلمة بمعناها المادى .
كانت تريد أن تخرج من كلاسيكيتها ورومانسيتها المفرطة و وتحكم الجدة فى كل شىء ( الكلام , الجسد , الروح )
كانت تعد لتزمت قادم وحجاب داخلى صارم وقاتل !
من يكسر هذا الساتر الحديدى ويعبره مثل عبور خط بارليف ؟ او مثل حرب الخليج التى فتت المشاعر وسطحت الأراء ففقد الوطن معناه القديم .

كل هذه الصور تتزاحم داخلها الآن وهى تقرأ أندريه موروا ( فن التراجم والسير الذاتية )
وتسمع صوت نانسى عجرم .
هل أنا مضطرة أن أصدق هذه الكلمات المكتوبة ؟
وهل أنا مطالبة بكتابة الحقيقة كاملة ؟
هناك خيوط سوداء تتمدد خلف الخيوط البيضاء والعكس بالعكس مثل صعود الفجر وتنفسه و الخيوط خلف الخيوط .
نحن لا نشوه صور العابرين .
ولكن نحاول أن نلتقطهم بكاميرا ثابتة الحية / الميتة على حقيقتها .
هذا هزل !
هل يوجد أحدا يقول الحقيقة ؟
أم هو يكون صورة كاذبة وجميلة مثل عين الحبيب الذى يرى حبيبته كاملة دون نواقص .
وهذا ما يطلق عليه الحب الأعمى الذى يجعلك ترى الصفات الجميلة فقط فى الحبيب المخادع والأكثر براعة منك فى كذبه !!!!!!!!!!!!!

فصل من رواية عطية الشمس

  (عطية الشمس)  رواية صفاء عبد المنعم -----------------------   إهداء إلى/ أبطال رواية من حلاوة الروح --------------------------...

المتابعون