الاثنين، 5 أبريل 2010

الفصل الثانى

" أوقفنى فى الليل وقال لى : !ذا جاءك الليل فقف بين يدى وخذ بيدك الجهل فاصرف به عنى علم السموات والأرض فأذا صرفت رأيت نزولى ..."    النفري .
_________________________________________________________
النار
__
ساعتان وسط النار .. أحاو لأنقاذ ما بقى .
لم أكن أدرك تماما مدى تأثير هذه الأغنية فى روحى بعد عودتى من بيت أمى .
وترك الماضى بكل صوره وحنينه .
انبعث صوت الأغنية بريئا , طازجا , شاحنا كل عواطفى الطيبة .
بللت دموع انبعثت بغزارة , وأصبحت غير قادرة على أيقافها , وانهمرت الدموع من عينيى فى شلال طويل من الحرقة والألم .
( ماذا أصابنى ؟ )
هل أصبحت ممتلئة بالحزن لهذه الدرجة ؟
ومجرد أغنية كنت لا أعيرها انتباها تسحب مشاعرى هكذا .. !؟
أخذت أمسح الدموع المنسابة فى رقة لم أعهدها , وأنا أتأرجح على الكرسى الهزاز , جالسة أمام النافذة , أنظر !لى الليل والوحشة .
الأغنية تفجر بداخلى أحساسا باليتم !
فركت عينيى بظهر يدى , قاومت بكل جهدى انهمار الدموع , وأحمرار عينيى .
مددت يدى , أخرجت علبة السجائر من الشنطة أشعلت واحدة , وأخذت أدخن بشراهة واستمتاع .
النافذة تتأرجح أمامى .
والأغنية تصب توحشها داخلى .
لماذا لم ألعن تلك الستائر الهادئة , والمسدلة فى وقار ؟
تنام محبوسة فى سلام , مطمئنة أنها لن تلمس ؟
لماذا لا أبيع البيت ؟
من آن لآخر , أمد ظهر يدى أمسح الدموع .
تركت نفسى حرة .
تفرغ الشحنات العاطفية المفرطة .
وأصغيت فى صمت .
لماذا ذهبت !لى مقابر العائلة ؟
لماذا أرسيت قاربى على شاطئه الضحل بعد رحلة الغياب الطويلة ؟
الصوت بداخلى يتعمق ..
 يتجزر ..
وأنا أتسلل فى خفة وراءه على أن أكتشف سر هذا الكم الهائل الذى أخص به نفسى من الآلام .
كل شئ يتدفق
دفعة واحدة .
مددت يدى , سحبت صينية القهوة , أشعلت وابور السبرتو , صنعت فنجانا كبيرا من القهوة .
وأخذت أترصد حركات النار , وى تتراقص أمامى .
أشعلت واحدة أخرى .
رصصت النار أمامى .
وأخذت أتأمل فى صمت .
تاركة دموع عينيى , واحمرار جفنى , والحرقان الخفيف الذى بأت أشعر به .
ودخلت فى جدلية طويلة مع نفسى , وأنا أرتشف القهوة والنار تتراقص .
السيجارة تشتعل .
والقهوة فى يدى .
وثلاث نيران تحيطنى ( موت أمى , بيع البيت, أعراب الجملة خطأ ) ويهتز الكرسى , وتتأرجح النافذة ويتفجر صوت أمى هشا .
- اللى يستره الرب بالليل , ما يفضحوش العبد بالنهار .
هكذا تركت رسالتها , ورحلت .
تذكرت تلك الليلة عندما ذهبت !ليه , استشيره هل أبيع البيت ؟
وألقى بهدى خارجه ؟
أم أترك النظام كما كان سابقا .
تلفن لى عشرات المرات , عله يحظى بليلة أخرى .
ولكنى طردت تلك الأشباح , وقررت أن أكون لنفسى .
الكلمات أريد أن أفرغها دفعة واحدة .
أمى
تطل علي صورتها
!نها قريبة منى
يدها
قلبها
جسدها!
!نها تتملكنى
وأنا أرتعد.
النار مشتعلة , والحجرة مليئة بالدخان , والفنجان ملقى على الأرض , النار تحيطنى .
ثلاث نيران ( نار الألم , نار الفرقة , نار الوجد ) فركت عينيى .
أمى
اقتربى منى , هاتى يديك الحانيتين ضعيهما على شعرى , مسدى خدى بكفك , أصغ !لى , اصنعى لى ضفيرتين , مثلما كنت تفعلين . ارتعشت يدى ونحن نسحبها من الثلاجة .

( جسد من الثلج والجمال , ممددا أمامى , صامتا , نفعل به ما نشاء .)

اسكتوا ما تعيطوش , خلو الميتة تسمع غسلها فين بنتها يا ولاد ؟
اللى حنين ع الميتة قوى , تتغسل وراسها على !يده .
أمى .
جسدك ممددا أمامى , ورأسك على يدى , والماء يسقط غاسلا الآلام والأوجاع والسكر والضغط والأدوية  , وأيدى الممرضات والدكاترة وعيون الآخرين .
والمغسلة تضغط على الكلمات لترهبنى :
بكره نموت وبعده نموت
ونتشال على تابوت
ننسى الأهل والمولود
ويتجلى علينا الله .
                      لا !له !لا الله محمد رسول الله .
سحبت عمتى يدى , ووضعت يدها .
طاهرة يا أختى ؟
متوضية ؟
حطى الأيشارب ده على راسك .
فعلت ما أمرتنى به , ووقفت بعيدا , مكتوفة اليدين صامتة , أتابع عن بعد مشد الغسل والمغسلة تواصل ترتيلاتها :
- اللهم أعطها كتابها بيمينها
اللهم يسر ولا تعسر
اللهم ثبت قدميها على صراطك المستقيم
البخور يا ولاد البخور.
مددت يدى بعود من البخور المشتعل , وانشغلت عيناى بمتابعة المشهد والترتيل .
وهم يلفون الجسد بالكفن , ويربطون الأربطة . صرخت فى عمتى : أنا كنت عايزة أكفنها فى حرير أصفر زى اللى شفته فى الحلم !
زغرت لى بعينيها لأصمت , وهدأتنى : والله يا حبيبتى الملس ده جميل , و أنا هاستخصر فيها الحرير !
ومالت على فمها وقبلتها : مع السلامة يا جمالات , مع السلامة يا اختى . ياحلاوتك ع الغسل , ولا البنت البنوت .
أغمضت عينيى لكى تظل صورتها دائما جميلة أمامى , مشرقة , وجسدها البارد أمامنا .

( اللهم يا أنيس كل وحيد , وياحاضرا ليس يغيب , ارحم غربتنا وغربتها , وارحمنا !ذا ما حاسبتنا , واعلم يا عبد الله أنك مت , وأن الموت حق , وأن القبر حق , فى هذه الساعة المباركة حق . )

أخذوها منى .
ارتميت بين أحضان الواقفات , فاقدة الوعى والحركة , وحملونى خارجة .
سحبنى الرجل الواقف على باب المغسلة وأبعدنى حاملا الخشبة .
- خلاص دورك خلص لحد نا ياست
وسعى للرجالة .
تركت رأس أمى يسقط مستقرا داخل الخشبة كنت أريد أن أمطرا بمئات القبلات الحارة والحبيسة ولكنهم أبعدونى .
الكلمات ..
لى الكلمات .. مطارق فى روحى .
وأمى ممددة يصلون عليها , والخشبة أمامى واضحة بنقوشها الباهتة .
انظر !لى بعقلك
                    أنا المهيأ لنقلك
أنا  سرير المنايا
                    كم سار مثلى بمثلك .
لم أتمالك نفسى . وهم خارجون بها من الجتمع وصرخت .
صرخة مدوية , كأنى أريد أن أفزعها , أن تصحو , أن تستيقظ .
لطمتنى عمتى على وجهى كى أفيق , وضمتنى لصدرها .
- والله يا بنت أخويا باين اجننتى .
تصرخى كدا زى الجهلة .
وتساقطت الصرخات حولنا من الواقفات جميعا .
_--_______________________________

قصة فأل سئ

  فأل سئ لا أعرف بالضبط ماذا حدث لي؟ منذ ليلة أمس وأنا تنتابني حالة من العراك والغضب الزائد، لقد ألغيت لقاءً كان مهما بالنسبة لي في العم...

المتابعون