عزيزى أصلان
الآن وللمرة الثانية انتهى من وردية ليل .
لم يكن يشغل بالى سوى العم بيومى وهو يرفع
وجهه ( أول دور مش تانى دور ) جملة ذكرتنى بمشهد موت العم مجاهد والشيخ حسنى يجره
فوق عربة الفول ، وضبابية الفجر خلفهما .
أفق يفتح على أننا سوف ندفع تجاهه ، واليوم
ليس معى مليم ، أرسل به برقية إليك ، أهنئك على روايتك التى أخيرا قرأتها .
" ياه صعب قوى "
الليلة ، أرتدى التيير الأخضر ، والحذاء
الشمواة الأخضر ، أكور يدىّ ، وأنفخ فيها نفسا دافئا ، والبنايات العالية تتضخم أمام
عينى فى شارع قصر النيل .
" ياه مجدى وحشنى قوى "
لى مقهى زهرة البستان ، كانا صامتين ،
ويدخنان بشراهة وعدم أكتراث ، استدارا بوجهيهما ناحيتى .
كان لحق يوحشك .
أسكت أنت ياياسر .
ليك وحشة كبيرة قوى يايوسف ، تيجو نمشى ،
لحسن البستانفاضى وممل .
سرنا أنا وياسر الزيات ، ويوسف النجار ،
البرد يفجؤنا ، والشوارع خالية ، نكور أيدينا ، وننفخ فيها ، أنفخ بشدة ، وأجرى
بينهما .
تعرفوا ..
الشرب فى الجو ده لذيذ .
يابنت المجنونة .
أهدى .
يوه يايوسف ، أصل مجدى له وحشه .
دا عشان أول مرة .
تعالوا نرجع القهوة .
سينما قصر النيل تعرض فيلم ( العسكرى الأزرق
) قلة يدخلون ، لمحنا سليمان يقف خلف بنت سمراء ، تنظر إلى أفيشات العرض ، بفستان
تيل سادة ، ندهنا فى نفس واحد :
ياسليمان ..
استدار بارتباك ناحيتنا .
أهلا
أنا كنت فى وردية وراجع .
شفتوا أصلان .
تلاقيه ع القهوة .
أقترب يوسف .
تعرف ياسليمان ..
أنا كنت هناك ع القهوة .
شفت أصلان وشحاتة ، وناس كتير عاملين زينا ،
واحنا بنشرب غزازتين البيرة الساقعة ، فى كشك الخواجة على حساب سليمان الصايغ .
وبنضحك عيه وعلى روايح .
اقترب سليمان وسرنا .
ياه يايوسف ، تعرف قبل ما أجى عديت على
إبراهيم فهمى صاحبنا ، اللى معايا فى الشغل ، فتحت عليه الوضة ، لقيته ممدد على
الأرض حزين ، ومركون على جنب وميت .
سبته زى ماهو وجريت .
معرفش إيه اللى ودانى السيما وقابلتها ،
لابسه فستان تيل ولمة شعرها .
جت جنبى وطلبت .. ولما شدتها ، رفضت تخرج
للشارع ، همست فى ودنى ( أنا ما بروحش بيوت )
... توقفنا عن السير ، كانت أندهاشة يوسف
النجار أوسع من ان ندركها ، ظل صامتا ، ثم فاجأنا .
حاسس إنى هاموت زى العم مجاهد وحدى ، إمبارح
أم روايح ماتت على روحها من الضحك وهى بتقوللى : يوه يااستاذ يوسف ، لسك لوحدك !
منور .
ومدت إيدها تحت منها وهرشت وهيه ..بتضحك .
أنا كنت بحب فاطمة وهجوزها .
الليل يشعرنا بالوحدة ، وقسوة الشارع ، وهو يصفر حولنا ، جعلت وجوهنا أكثر
حميمية واقل توترا .
خلاص أنا تعبت .
ومترو النفاق خلص .
تعالو نرجع .
خلاص نسيتى ؟
لأ
أنا عايزة اشرب .
" على بابا " مكان ضيق وكئيب ،
ومبنى الجامعة الأمريكية يقف أمامنا شامخا فى وحشة .
أزايز البيرة عملت جو .
يعنى المخزن مش أحسن .
يوه ياياسر كفاية شرب .
أنت بالذات تسكتى .
فاكر يايوسف مشهد الهرم لما زنقة الشيخ حسنى
فى الحمام .
أنا ساعتها مت من الضحك .. والسيما هاجت .
المشهد اللى معشش جوايا بجد ، مشهد يوسف وهو
متمدد ونايم والقارب على وش المية .
طول عمرى بحلم بالمشهد ده .
مية ، وأنا نايم على ضهرى ، وانا .. وواحد ..
واحد جميل .. جميل قوى ، بنمارس جنس .
من غير مركب .
من غير مركب .
عريانة .
يابنت المجنونة .
الله يخرب بيتكم .
البيرة دى هايلة .
مايو 1994
(من مجموعة أشياء صغيرة وأليفة )
صدرت عام 1996
سلسلة أصوات أدبية
الهيئة العامة لقصور الثقافة
*************************************