شجرة
عتيقة فى الممر
--------- ------------
كل يوم
صباحا.
أفتح
نافذتى التى تطل على حديقة صغيرة أمامية، أرى من خلف القضبان الحديدية بعض
العصافير تهجر أعشاشها حرة طليقة، تبحث عن غذاءها، وبعض الغربان السوداء تحوم حول
الشجرة الممتلئة بالخضرة.
أفتح
نافذتى.
وأضع
القلة البيضاء فيها، وأظل أطارد الطيور وهى تحوم حول الشجرة بعيني الجاحظتين،
وأثر
النوم مازال يملأ جفني.
كل
صباح.
تعودت
على هذه العادة، منذ أن سمعت صوت الكروان يردد مقولته الشهيرة فى الفضاء
الواسع(الملك لك لك يا صاحب الملك)بعد عدة أيام من تعودي على الاستيقاظ مبكراً،أصبحت
أسمع أصواتاً أخرى، مثل صوت الأمري، وهذا نادراً ما يحدث في المدينة، كنت قديماً
أسمع هذه الأصوات المغردة عندما كنت أذهب عند جدي فى القرية، وأجلس أمام الدار
أنصت إلي أصوات الطيور على أختلاف أشكالها، حتى صرصور الغيط كنت أعرف صوته وأميزه.
وكانت تضحك جدتى وهى تدارى خجلها الريفي وتقول لى : آه منكم أنتم يا بتوع مصر
أجرى
وأرتمي فى حضنها الواسع وهى جالسة أمام الفرن، تخرج الأرغفة الطازجة الشهية، وأنا
أقبل رأسها : تسلم أيدك يا جدتي.
وتعطينى
رغيفاً ساخناً.
أقضم
منه في شهية وتلذذ : الله طعمه حلو قوي يا جدة.
تمد
يدها وترفع الماجور وتخرج من أسفلة صينية كبيرة من الأرز المعمر، وتقطع قطعة كبيرة
وتعطيها لي فى طيبة مفرطة : خدي يا عين ستك حلي.
أتناول
قطعة الأرز، وأظل جالسة إلى جوارها أستمتع بصوتها العذب الحنون وهى تغني.
هنا والآن
فى هذه المدينة البعيدة.
أقف
وحدي خلف القضبان الحديدية، أبحث بين الأشجار القليلة عن صوت الزرزور الذى كنت أحب
أن أسمع صوته، هناك بعيداً في القرية التى أختفت الآن، وتحولت
إلى غابة من الأسمنت المسلح.
------------------------------------------------------------------------------------