قهوة فى جروبى
----------------------
كلما مررتُ من أمامه، وأرا مغلقا أحزن، كأنه
بيت أبى وأغلق بعد وفاته.
أقف أمامه، أتأمله للحظات، وأشعر بشجن وحزن
خفى، عندما كنتُ أهرب من ضجيج الشارع، وزحام وسط البلد نهارا، وخاصة شارع طلعت
حرب، كنتُ أجلس فيه وقت الذروة كما نسميها، أدخل أنا وصديقتى التى رحلت سريعا،
وبعدت عنى، مع أنها وعدتنى أنها ستظل إلى جوارى حتى نزوج البنات، ثم نختلى بأنفسنا
كى نبدع ونشاهد سينما ومسرح، وربما نسافر معها فى رحلات بعيدة، ونجوب العالم كما
كنا نخطط فى المساءات البعيدة.
كانت تاتينى ببهجتها المفرطة، وصخبها الدائم،
وهى تصيح فى وجهى بحبور طفلة(شيلى ايدك من على خدك) يا اللا نروح مسرح، ثم نذهب
إلى جروبى، نحتسى القهوة معا، كنا نطلبها مضبوطة، ويأتى الجرسون العجوز بزيه
المميز منذ أيام الملكية، وهويهش فى وجوهنا ويضك من خلال اسان ناصعة البياض، ويضع
امامنا فنجانين كبيرين من القهوة اللذيذة والتى يتصاعد بخارها، فنشم، ونشم،
وننتشى، ثم نطلق آه كبيرة، وبعدها كلمة الله، ممدودة وطويلة، ونبدأ فى احتساء
القهوة فى صمت. كانت تخرج علبة سجائرها، وتشعل واحدة، وتشرب فى هدوء المستمتع،
وبعد رشفة طويلة، تقوم بفك توكة شعرها، وتتركه يسترسل على كتفيها÷ وكأن القهوة
خلصتها من القيود، ويجب عليها ان تتحرر، كنتُ أراها تسحب نفسا طويلا من سيجارتها،
وتذهب بعيدا عنى، كنتُ أحترم ذلك الطقس البهيج، وأذهب إلى عوالم بعيدة، أصعد جبال،
واهبط وديان، واقابل الماردة والجان، وانا أحلم على صوت الموسيقى المنبعث، والمكان
هادىء، ويرتفع صوت خرير الماء الذى يأتى من بعيد، أسير نحوه، فأرى رجلا عجوزا
زاهدا، يجلس داخل صومعته المتواضعه، فاجلس إلى جواره، وأكمل فنجان القهوة بأنتشاء
ومحبة.
----------------------------------------------------------------------------------------------------