برد يناير

برد يناير

---------------- 

نمت السنوات بسرعة.

نمت مثل حبة الشعير، أو الزرع الشيطانى كما كانت تقول لنا الجدة أثناء حديثها لنا قبل النوم.

كانت تغفو فى وسط الحكاية. ونحن مازلنا مستيقظين، وأحيانا تضحك وهى تقول لنا(أبن الحدوتة بيكبر بسرعة) لقد كبرتُ يا جدتى فى غفوة من نفسى، صرتُ رجلا كبيراً مسناً. وأنتِ مازلتى داخل مخيلتى الطفولية تحكين لى حكاية(لول بنت الغول واليوسفى) وأنا أهرب من نظراتكالثاقبة، عندما توجهين لى سؤالا صعبا(ذاكرت، خلصت الواجب اللى عليك) أضحك وأنا أدارى خيبة طفولية، لعدم فهم بعض المسائل الرياضية، وأردد بصوت متلعثم، تكتشفين مادا كذبى بعد ذلك : نعم.

يفتن أخى الصغير وهو يلهو بالمسدس اللعبة : دا كداب يا تيتا.

أجرى، وأدفس رأسى أسفل اللحاف، عندما أسمع نحنحات أبى القادمة من الصالة الكبيرة، واتصنع النوم.

يبهرنى أخى الصغير دائما، بقدرته على تعكير صفو حياتى، ويقول لأبى ببراءة مفرطة : محسن نام، قبل ما يخلص الواجب.

ينهرنى أبى وهو واقفا فوق رأسى، ويوقظنى بغلظة.

أفتح عينى بطريقة أجيد صنعها، وأدعى النوم. تقترب أمى، وتأخذنى فى حضنها الواسع الحنون، ثم تقبلنى : نام يا قلبى.

أدفس رأسى تحت اللحاف ثانية، وأذهب فى نوم عميق، وحقيقى، قبل أن يخلع أبى الحزام الجلد من بنطاله، ويعلقه أمامنا جميعا على الشماعة، كى يرهبنا به نحن الصغار.

فى الصباح وهو يرفع سبابته الغليظة فى وجوهنا : يارب تنجح.

أمد يدى الضعيفة المرهقة من كثرة اللعب، وأتناول(القرش الصاغ). تخرج جدتى مسرعة من حجرتها وهى تحذره بشدة : بطل دلع، الواد جاب كحكة فى الشهادة.

أجرى مسرعا، قبل أن ينتبه ابى لمعنى كلمات جدتى، وانا اسمعها تودعنى عند الباب بصوتها المرتفع المتعب :  يا أبو كحكة بدلاية.

أهبط السلم فى سرعة، بغصة فى حلقى، وحزنا كبيرا فى قلبى، وخوفا عظيما من العقاب، لأن أخى الصغير وشى بى عند جدتى، وقال لها : محسن جاب كحكة كبيرة فى العربى. أنزل بسرعة، وأنط خمس درجات كاملة، أنا اسمع صوت أبى عاليا يعنف أمى بغضب شديد : دلعك المرق ده، هيودينا فى داهية، أجرى مسرعا نحو المدرسة، قبل أن يغلق عمى حامد الفراش باب المدرسة، رغم أننى لم أنهى الواجب ليلة أمس.

----------------------------------------------------------------------------------------------------