السبت، 2 يونيو 2018

فعل ماضى


فعل ماض

فى لحظات نتمدد فوق أسرة بيضاء، ومراتب من القطن الأبيض، تمر بنا الذكريات نحلق معها فرحين كأنها حكايات قديمة سمعناها من أفواه الجدات المسنات، ونحن نمتطى سهوة جواد أبيض قبل النوم، ونغلق أعيننا الصغيرة البريئة، ونتأهب للأنطلاق، نحو بيت أمنا الغولة، كى نحرر ست الحسن والجمال من محبسها المخيف، ونتخطى سبع جبال من شوك، وسبع بحور من دم، وعلينا أن نذبح الدجاجة الوحيدة والتى تبيض بيضة ذهب، كى ندهن الحيطان بدمها، ونخطف ست الحسن، ونفر بها هاربين معاً فوق حصان أبيض جميل، ومازالت الجدة تواصل الحكى فى أذن الصغار كى يناموا.
كانت هذه هى الأحلام المتواضعة البسيطة التى من فرط غرابتها، وعجائيبيتها نحلم بها كل يوم، نأتنس بنار العشق الحنون المغامر، ونغار على أحلامنا الصغيرة من البوح أمام الأمهات الرابضات على عتبة الباب فى المساء، تحكى كل منهن لجارتها حكاية شيقة ومولعة بالمغامرة وموغلة فى القدم عن حبيب ضاعت ملامحه فى عتمة الليل بين أعواد الذرة الكثيفة وهم صغار، وتظل كل واحدة منهن جالسة لبعض الوقت فى صمت وهى تعيد ترتيب الذكريات والأحداث فى مخيلتها، متى خطف الحبيب منها أول قبلة تحت العنباية فى وهج شهر أغسطس الحار، ومتى خطف حبيب آخر مولع بالستر أول قضمة من تفاحة صدرهاالرحب البض بين أوراق شجر الرمان المزهر، ومتى رأت كل منهن جنية الساقية رؤى العين واضحة فى حيرتها وهى تنادى على شاب وسيم : والنبى ياخوى ممكن تشيلنى الزلعة.
وعندما يقترب منها، تسحبه معها إلى العمق البعيد، وتعود لتسأله مرة أخرى : أنا أحلى ولا أمك؟
إذا قال لها أنتِ، نجا، وإذا قال لها أمى، هلك.
فهو فى كلا الحالتين هالك.
كانت أمى ونحن صغار، نلتف حولها فى أمسيات الشتاء الباردة، وهى تخيط لكل منا بيجامة من الكستور المقلم، من قماش الكساء الشعبى، بيجامة شتوية دافئة على مقاسة الجديد، وتحكى لنا حكايات جميلة وشيقة عن بنت الفوال وابن السلطان، وكيف نجت بالحيلة من مكائده المدبرة لأغتصابها، وكيف أن الخياطة الخبيرة، بخبث الرجال حين سألتها ببراءة متناهية عن قط الخزانة الذى يشكشها فى صدرها، كانت تكذب وتدارى عليها حيل ابن السلطان ومكأده، وهى تقول لها ضاحكة : معلش ياحبيبتى دا كابوس يحضن ويبوس، ويرمى على الناس الفلوس.
لنا الله ياامى الآن، بعد أن مر كل هذا العمر السعيد بكل حكياته وطفولته البريئة، فلم نعد الآن نذهب غلى بئر مريم، ولا نجلس تحت الشجرة المقدسة، ولم تعد النساء يربطن بها بعض مزق ملابسهن القديمة، كى يعود الغائب، وتختفى الدورة الشهرية، وترزق بمولود ذكر، لم تعد ياأمى المسلة العملاقة والتى كم من مرة تعبت عيناى من النظر إليها عالياً، ونحن عائدات من المدرسة الأعدادية، لم تعد الدنيا سهلة ولا بسيطة بساطة حكايات القديمة، ولا مثل طيبتك، لم تعد إنجيل تجلس إلى جوار فاطمة، ومدرس اللغة العربية ينظر من خلف نظارته بخبث شديد إلى البنت تماضر وهى تنطق كلمة(ماضى) بحرف التاء فتقول فعل(ماتى) فيضحك المدرس قليلاً، ثم يسخر منها أمامنا جميعاً بود الأب الطيب : يابنتى ياحبيبتى : فعل ماضى.
بالضاد ياأم جهل.
فنضحك جميعا نحن تلميذات أولى أول، خائفات، خائبات، لا ندرك أهمية الأفعال الماضية والنطق الصحيح.
***************************************************************************

قصة قصيرة (عزيزي أصلان)

  عزيزى أصلان     الآن وللمرة الثانية انتهى من وردية ليل . لم يكن يشغل بالى سوى العم بيومى وهو يرفع وجهه ( أول دور مش تانى دور ) جملة ...

المتابعون