فعل ماضى
فى لحظات نتمدد فوق اسرة بيضاء ، ومراتب من القطن المشبع برائحة العرق ، يمر بنا الزكريات ، نحلق معها فرحين كأنها حكايات قديمة سمعناها من أفواه الجدات المسنات ونحن نمتطى صهوة جواد أبيض قبل النوم ، ونغلق أعيننا الصغيرة البريئة ، ونتأهب للأنطلاق نحو بيت أمنا الغولة كى نحرر ست الحسن والجمال من محبسها المخيف بالبيت ، ونتسلق سبع جبال من شوك ، ونعبر سبع بحور من دم ، وعلينا قبل الرجوع منتصرين أن نذبح الدجاجة الوحيدة بالبيت والتى تبيض بيضة ذهب كى ندهن الحيطان العالية بدمائها ، ونخطف ست الحسن والجمال على الحصان الأبيض ونفر بها هاربين ، وإلى الآن مازالت الجدة تواصل الحكى فى أذن الصغار .
كانت هذه هى الأحلام المتواضعة البسيطة والتى من فرط غرابتها وعجائيبيتها نحلم بها كل يوم ونستأنس بنار العشق الحنون ، ونغار على أحلامنا الصغيرة من البوح أمام الجارات الرابضات على عتبة الباب فى المساء ، تحكى كل منهن لجارتها حكاية شيقة ومولعة بالمغامرة وموغلة فى القدم عن حبيب ضاعت ملامحه فى عتمة الليل بين أعواد الذرة الكثيفة ، وتظل كل واحدة منهن جالسة لبعض الوقت فى صمت وهى تعيد ترتيب الزكريات والأحداث فى رأسها حسب أهميتها ، متى خطف الحبيب منها أول قبلة تحت العنباية الظليلة فى وهج شهر أغسطس ، ومتى خطف حبيب آخر مولع بالستر أول قضمة من تفاحة صدرها الرحب البض بين أوراق شجر الرمان المزهر ، ومتى رأت كل منهن جنية البحر رؤى العين واضحة فى حيرتها وهى تنادى على شاب وسيم : والنبى ياخوى ممكن تشيلنى الزلعة .
وإذا أقترب منها الشاب الغافل الساهى ، تسحبه معها إلى العمق البعيد ، وتعود لتسأله مرة اخرى : أنا أحلى ولا أمك ؟
إذا قال لها أنتِ الأحلى نجى ، وإذا قال لها أمى هلك . فهو فى كلا الحالتين هالك .
كانت أمى ونحن صغار نلتف حولها فى أمسيات الشتاء البعيدة وهى تخيط لكل منا بيجامة من الكستور المقلم ، بيجامة شتوية دافئة على مقاسه ، وتحكى لنا حكايات جميلة و شيقة عن بنت الفوال وأبن السلطان ، وكيف نجت بالحيلة من مكائده المدبرة لأغتصابها ، وكيف أن الخياطة الخبيرة بخبث الرجال سألتها البنت ببراءة متناهية عن قط الخزانة الذى يشكشكها ، كانت الخياطة تكذب وتدارى عليها الحيل والمكائد وهى تقول ضاحكة : معلش ياحبيبتى دا كابوس ، يحضن ويبوس ، ويرمى على الناس الفلوس .
لنا الله ياأمى الآن بعد أن مر كل هذا العمر السعيد بكل حكاياته وطفولته البريئة ، فلم نعد الآن نذهب إلى بئر مريم ، ولا نجلس تحت الشجرة المقدسة ، ولم تعد النساء يربطن بها بعض مزق من ملابسهن القديمة كى يعود الغائب ، أو تختفى الدورة الشهرية وترزق بمولود ذكر ، لم تعد ياأمى المسلة العملاقة والتى كم من مرة تعبت عيناى من النظر إليها طويلا ونحن عائدات من المدرسة الأعدادية ، لم تعد الدنيا سهلة وبسيطة مثل طيبتك وحكاياتك ، لم تعد إنجيل تجلس إلى جوار فاطمة ، ومدرس اللغة العربية ينظر من خلف نظارته بخبث وخبرة نحو البنت تماضر وهى تنطق كلمة (ماضى) بحرف التاء وتقول (ماتى) فيضحك المدرس قليلا ثم يسخر منها أمامنا جميعا بود طيب ويقول : يابنتى ياحبيبتى ، الكلمة اسمها فعل ماضى ، بالضاد ياأم جهل .
فنضحك جميعا ، خائفات ، خائبات ، سعيدات ، لا ندرك أهمية الأفعال الماضية .
كانت هذه هى الأحلام المتواضعة البسيطة والتى من فرط غرابتها وعجائيبيتها نحلم بها كل يوم ونستأنس بنار العشق الحنون ، ونغار على أحلامنا الصغيرة من البوح أمام الجارات الرابضات على عتبة الباب فى المساء ، تحكى كل منهن لجارتها حكاية شيقة ومولعة بالمغامرة وموغلة فى القدم عن حبيب ضاعت ملامحه فى عتمة الليل بين أعواد الذرة الكثيفة ، وتظل كل واحدة منهن جالسة لبعض الوقت فى صمت وهى تعيد ترتيب الزكريات والأحداث فى رأسها حسب أهميتها ، متى خطف الحبيب منها أول قبلة تحت العنباية الظليلة فى وهج شهر أغسطس ، ومتى خطف حبيب آخر مولع بالستر أول قضمة من تفاحة صدرها الرحب البض بين أوراق شجر الرمان المزهر ، ومتى رأت كل منهن جنية البحر رؤى العين واضحة فى حيرتها وهى تنادى على شاب وسيم : والنبى ياخوى ممكن تشيلنى الزلعة .
وإذا أقترب منها الشاب الغافل الساهى ، تسحبه معها إلى العمق البعيد ، وتعود لتسأله مرة اخرى : أنا أحلى ولا أمك ؟
إذا قال لها أنتِ الأحلى نجى ، وإذا قال لها أمى هلك . فهو فى كلا الحالتين هالك .
كانت أمى ونحن صغار نلتف حولها فى أمسيات الشتاء البعيدة وهى تخيط لكل منا بيجامة من الكستور المقلم ، بيجامة شتوية دافئة على مقاسه ، وتحكى لنا حكايات جميلة و شيقة عن بنت الفوال وأبن السلطان ، وكيف نجت بالحيلة من مكائده المدبرة لأغتصابها ، وكيف أن الخياطة الخبيرة بخبث الرجال سألتها البنت ببراءة متناهية عن قط الخزانة الذى يشكشكها ، كانت الخياطة تكذب وتدارى عليها الحيل والمكائد وهى تقول ضاحكة : معلش ياحبيبتى دا كابوس ، يحضن ويبوس ، ويرمى على الناس الفلوس .
لنا الله ياأمى الآن بعد أن مر كل هذا العمر السعيد بكل حكاياته وطفولته البريئة ، فلم نعد الآن نذهب إلى بئر مريم ، ولا نجلس تحت الشجرة المقدسة ، ولم تعد النساء يربطن بها بعض مزق من ملابسهن القديمة كى يعود الغائب ، أو تختفى الدورة الشهرية وترزق بمولود ذكر ، لم تعد ياأمى المسلة العملاقة والتى كم من مرة تعبت عيناى من النظر إليها طويلا ونحن عائدات من المدرسة الأعدادية ، لم تعد الدنيا سهلة وبسيطة مثل طيبتك وحكاياتك ، لم تعد إنجيل تجلس إلى جوار فاطمة ، ومدرس اللغة العربية ينظر من خلف نظارته بخبث وخبرة نحو البنت تماضر وهى تنطق كلمة (ماضى) بحرف التاء وتقول (ماتى) فيضحك المدرس قليلا ثم يسخر منها أمامنا جميعا بود طيب ويقول : يابنتى ياحبيبتى ، الكلمة اسمها فعل ماضى ، بالضاد ياأم جهل .
فنضحك جميعا ، خائفات ، خائبات ، سعيدات ، لا ندرك أهمية الأفعال الماضية .
*********************************