فلاشات
وتوازيات الحزن والفرح
قراءة نقدية :
للكاتبة صفاء عبد المنعم
فى رواية (
أوقات للحزن والفرح ) للكاتبة إبتهال سالم
بداية من
العنوان / يطالعنا بأن حياتنا متوازى فيها الحزن والفرح ولا يخلو إنسان منهما وفى
الفترة الأخيرة ، أصبحت بين قوسين الحزن / على الشهداء والحال الذى وصلت إليه
البلد من فوضى وتراخى وبلطجة ، والفرح / بالثورة والحرية ، ونسيم الحياة الجديدة .
الغلاف صورة
تشبه امرأة فرعونية كأنها كاهنة أو فيلسوفة تتأمل ، وذلك من خلال النظرة والصمت
المتأمل وهى تجمع بين الحديث والقديم ، الألوان ، الزخارف ، القلادة ، الضفيرة ،
ولقد برعت الفنانة سوزان التميمى فى تجسيد الشخصية البصرية لتتوائم مع الشخصية
النصية ( سندس ) التى تعمل مرشدة سياحية فهى امرأة تجمع بين حضارتين .
الأهداء / إلى
قلمى .. حريتى .
ليس بريئا فهو
يصرح لنا بأن الحرية ليس فى الأفعال والأقوال ، الحرية فى أمتلاك حرية الراى
والصوت المنفرد .
شتاء هذا
العام ..
حزين ..
قاس
بداية من
السطر الأول يحيلنا إلى زمن فصلى وهو الشتاء ، فهذا الفصل يذكرنا بالبرد والليل
الطويل ، والبحث عن الدفء خلف الأغطية الثقيلة ، وذكرى الأحباب والراحلون ، وربما
يحيلنا إلى ثورة 25 يناير قلب الشتاء ، تقول الكاتبة
يداهمها ليله
الثقيل ..
غازيا قلبها
بذكريات لا تهدأ ..
ينقر المطر
الخفيف النافذة
فترحل عيناها
لحنين بعيد دافىء
فى هذا المقطع
الشعرى يحاكى الحالة النفسية التى عليها سندس ، ويعرفنا الحزن الخاص بأن سندس ترقد
الآن فى الغرفة 632 قسم الجراحة العامة ، إذن هى مريضة وتتلقى العلاج ، وقسم
الجراحة تحديدا يعنى بتر عضو من الأعضاء أو قطعة من الجسم مريضة ، والعامة تحيل
إلى المعنى القريب ( الحجرة ) والمعنى البعيد ( الناس أو العامة ) وكلمة قسم تعنى
خصوصية اللحظة والمكان ، فما أقصده هنا ( وهذا مفتاح فى النص ) وأحد المفاتيح التى
سوف تستخدمها الكاتبة بين الخاص والعام ، من خلال الفلاشات أو النبضات المضيئة
للنص ، والتوازيات ، وهى استخدمت هذا التكنيك فى الحكى لموائمة الحالة النفسية
التى عليها ( هناك جراحة تجرى فى القسم بالتوازى مع الجراحة التى تحدث فى الوطن ،
وغرفة العمليات هى ميدان التحرير ) والجراحة التى تجلرى للوطن يقوم بها الناس كافة
لستئصال جزء فاسد فى جسد الأم ( مصر ) وهو السلطة المتمثلة فى النظام
والناس هى
التى تقوم بالجراحة بدلا من الجراح .
تحدق فى
الحوائط الباهتة لتلك الحجرة الضيقة ، شباكها الوحيد يطل على النيل من بعيد ..
تركت سريرها
خلف ظهرها لتمسح بيدها الواهنة قطرات ندى مبعثرة على الزجاج المغبش ..
أولا : برعت
الكاتبة فى نسج خطين متوازيين ، خط الخاص وهو حياتها ، وخط العام وهو الوطنالمريض
أيضا ، ويجرى لهما عملية جراحية فى وقت واحد ، عالمان مختلفان ، عالم المستشفى ،
وعالم الميدان .
ونلاحظ الفساد
فى الداخل والتمثل فى تكاسل الممرضة عن أداء واجبها ، وتنقلنا إلى مشهد موازى وهو
معهد الأورام ، لتقول بشكل ضمنى أنه لن يوجد مستقبل لهذه البلد التى يمرض أطفالها
( طفل عمره شهور تجرى له عملية دقيقة فى حصيتيه .. يالله ما الذى حث لأطفالنا ؟!!
ثانيا : طبيعة
عمل سندس ( مرشدة سياحية )أعتقد أنه
إختيار موفق من الكاتبة حتى تسمح لنفسها بحرية الحركة فى الزمان والمكان وداخل
النص بالأضافة غلى مقابلة شخصيات مختلفة ، وربما من جنسيات مختلفة وكثيرة وذلك ما
سوف يعطى إثراء للنص .
فى ص 18 حوار
طويل بين سندس وصديقتها سامية عن طبيعة عملها تسرد فيه أهمية عملها ودورها المهم
فى تبادل الثقافات ونشر الحضارة المصرية القديمة ( أفهمك ياستى .. أولا : لأنك
بتنقلى للناس الوافدين من بلاد العالم تاريخ بلدك وحضارته وآثاره العظيمة ، ثانيا
: بتقابلى شخصيات من مختلف الجنسيات واللغات .. وغيره وغيره ..)
هذا العالم
المشحون والممتد الجذور والصاخب هو ما جعل صديقتها سامية تحسدها عليه مقارنة
بعالمها هى المغلق ( يابختك بشغلتك ياسندس ، مش أنا اللى مدفونة فى التربية
والتعليم ، العيال بيهربوا من المدرسة ، والمدرسين لا بيشرحوا ولا بيهببوا ..)
وكان سندس تقوم بدرو غير منوط بها وهو التعليم ؟
وعندما أرادت
صديقتها الخروج من الحياة الضيقة إلى العالم الواسع مثلها ، سوف تختار يوم ستحدث
فيه مفاجأة أو زلزال ( بكرة أجازة رسمية 25 يناير عيد الشرطة ، فرصة ناخد اليوم
بطوله ، فسحه وفرفشة )
ثم نلاحظ بعد
ذلك فى نفس الصفحة جملة سوف نقف عندها كثيرا ( حانت ساعة الصفر.. لا مفر )ص19
هذه الجملة
سوف تكون حركة المفصل فى التوازى بين العملية الجراحية لسندس ، والعملية الجراحية
للوطن .
وفى ص20 وص 21
داخل النص
حركة توازى بين أجراء العمليتين ( وجدت نفسها محاصرة بين مجموعة من الطباء
والممرضين والممرضات ..أقشعر بدنها .. بحلقت فى الضواء الكاشفة المسلطة عليها من
السقف ) عملية جراحة الجسد .
( يا أهالينا
أنضموا لينا ) الهتاف يعلو ، أعداد الشباب تتزايد ، وانضم إليهم مواطنون من مختلف
الأعمار والأجناس ، ويردد الشباب سلمية .. سلمية ، عملية جراحة الوطن .
ثالثا :
الثورة فى الواقع الفعلى خارج الرواية حدثت قبل عملية سندس ، ولكن تجاورها فى النص
يعطى توازى بين العمليتين التى تجريا فى مكان واحد على الصفحات البيضاء للرواية ،
والتحرك عبر الأزمنة والأمكنة المفتوحة من خلال الثالوث المستحدث ( الموبايل ،
النت ، الدش ) الثالوث العالمى الجديد للعولمة والمعرفة ، فسندس داخل حجرتها فى
البيت تتابع عملية جراحة الوطن ، ومحصورة داخل حجرة العمليات فى المستشفى مغيبة عن
الوعى ، ولكنها تدرك فى اللاوعى خطورة الجراحة .
ويتماس لحظتان
للأطمئنان لدى سندس ، الطمئنان الأول ، نزول الجيش لحماية المتظاهرين بعد أنسحاب
الشرطة ، واصبح الجيش والشعب أيد واحدة ، فتنزل إلى الميدان ، وتسرد كيف كانت
حالتها فى ص26 ( هدأت سندس قليلا .. بعد أرتياحها لوجود الجيش ، وقررت النزول إلى
الميدان ..) ثم يأتى الطئنان الثانى من الطبيب فى نفس الصفحة عندما ( ألتقت عينا
سندس قبل إجراء العملية بدقائق بعينى الطبيب الجراح المتابع لحالتها .. هز رأسه
مطمئنا لها ..) هنا حركة توازى بين الأطمئنان على الوطن أولا ثم على ذاتها .
رابعا : وبما
أن البطلة مرشدة سياحية وهذا يعطيها حرية الحركة والسفر ، ولقاء شخصيات متعددة ،
فهى ترصد لنا من خلال عينيها الفرق الحضارى بين مايحدث فى مصر سيدة العالم القديم
، وبين البلد الأجنبى الذى سافرت إليه .
المواقف على
سبيل المثال :
العلاقة
المفتوحة بين سوزانا وصديقها ، والعمل فى البنزينة ليلا والدراسة فى الجامعة نهارا
( حرية المرأة )
المرأة العجوز
التى رفعت براز الكلب من الشارع خوفا من غرامة قد تصل إلى مائة دولار ( تفعيل
القانون )
احترام غشارة
المرور ، أشارت لها أن تعبر مثلها الشارع ، ولكن وقفت سوزانا مكانها ( أحترام
النظام )
ضبط المواعيد
، عند زياراتها لمكتب د. أليسون ، جئت قبل موعدك ( الإلتزام بالمواعيد )
تفاجأ سندس
بمشاكل القليات داخل الوطن ، ونظرة الآخر خارجه ، فمثلا الشاب اليهودى الذى يحب
الحضارة المصرية ويود زيارتها ، يسألها بشكل مباشر ( .. فهل أنتم ترحبون بى لو
حضرت فى جولة سياحية إلى بلاد الفراعنة أو سوف تكرهوننى وتنبذوننى لمجرد أنى يهودى
الديانة ) نظرة الأخر لنا ( التطرف والتعصب الدينى )
موقف المرأة
اليرلندية التى أخذوا أبن أخوها للحرب فى أفغانستان ( .. هو ما كان له يحارب ،
ولكن لأننا أقلية من أصل أيرلندى أرسلوه هو وصاحبه الزنجى فى الجحيم هناك .. لو
كان من الطبقات العليا أو ابن واحد من الكونجرس ما كانوا شحنوهما بالساهل ..)
هنا تحيلنا
البطلة سندس فى حالة توازى آخر إلى طريقة تفكير الغرب صاحب التقدم والحضارة
المسيطرة الأن ، وكيف يكون وضع الأقليات هناك والوطن مصر صاحب الحضارة الممتدة
والعميقة وما أصبحنا فيه الآن ، ثم تتذكر بوادر ظهور الجماعات الإسلامية فى
الجامعة فى فترة السبعينيات ، وكيف ترك أبن عمها المتفوق الجامعة ( ترك دراسته
وسافر بغير رجعة متطوعا للجهاد فى أفغانستان ) وهى بالطبع تقارن هنا بين من أجبر
فى أمريكا على الحرب ومن أختار فى مصر طواعية ) ص41
خامسا :عودة
الروح لسندس
تعود الروح
بعودة اليمامة لتقف على شباكها تلتقط حبات الأرز ، وتنحى الرئيس .
( .. تحت
تأثير البنج هنا تعطى دلالة على أثر البنج بعد العملية الجراحية لسندس والعملية
الجراحية للوطن بتنحى الرئيس
من صفحة ص 48
تبدأ فى حركة
مكوكية جديدة بين المستشفى والبيت والمرض والحب الذى تفتش وتبحث عنه وتتلمسه مثلما
تتلمس الشفاء .
( بدأ إصبع
الأبهام فى التحرك .. أعادت قراءة الكارت د. سامح بدران )
نلاحظ كذلك
التوازى بين فيلم رصيف نمرة 5 ن ومقطع مقتل الزوجة خطأ على يد المجرم فى الفيلم ،
مع حادث ماسبيرو ( بالروح بالدم نفديك ياصليب ) وكأن المسيح رمز التسامح والمحبة
مقتول خطأ أيضا ، وكذلك توازى علاقتها بزميلاتها الأجانب فى القصر ، وخوفها من
سيلفيا ، ثم الحديث عن اليهود والأقليات والأضطهاد بالموازة مع ( الشعب يريد أسقاط
المشير ) والثورة مستمرة .
فى ص 87
تعود إلى
النيل والحزن والتوحد مع الطبيعة من جديد مثلما
فعلت فى بداية الرواية ( شتاء هذا العام .. حزين ) سوف نلاحظ ، أن سندس سوف
تدخل فى عملية جديدة ، وهى العلاقة بينها وبين ، د. سامح بدران ، التى سوف تنتهى
بإنكشاف أزدواجية الوعى لديه ( ..ياااه كأن الزمن لسه واقف هناك ) هناك تعنى مكان
اللقاء الأول بينهما خارج مصر ، وتعنى أيضا وقوف الفكر الذكورى عن تصور ثابت عن
المرأة ولم يتغير ( شخصية أخرى ) برغم علمه وثقافته .
المفتاح
الجديد فى النص والذى سوف يظهر بعد الثورة هو ( الطاعة )وهى المثول للأوامر وعدم
الإختلاف الطاعة لأوامر الطبيب ، الطاعة فى العمل ، الطاعة فى الجماعة مهما
للأنتماء والترشح للرأسه ، وكأنها هى الصفة أو الميزة الوحيدة التى تؤهله لذلك .
ومن ص104 إلى
ص114
يتضح ذلك .
ومن خلال ظهور
أبنة سندس سوف نلمح من خلال الحوار مدى التغير الذى حدث ليس لأبنتها وزوجها فقط ،
ولكنها ترمى على الواقع بعد نجاح الإخوان فى الأنتخابات والمستقبل المنتظر الذى
جاء من أجله الزوج ليسلهم فى صناعته من وجهة نظره ، وهو تطبيق الشرعية والشريعة ،
وتعريف الناس بالدين الصحيح الآتى من دول النفط ( البتروإسلامك ) الذى يتمثل فى
المظهر وتطبيق الشريعة بلوى العنق ودون أعتبار للفطرة والبساطة والوعى الدينى لدى
الناس البسطاء وأستغلال الجهل والفقر فى القفز على السلطة باسم الدين .
هنا سوف نلاحظ
عملية جراحية جديدة للوطن والناس من قبل الجماعة القادمة ، وسوف يضاف إلى الطاعة (
الشرعية ) .
ولا ننسى
التوازى فى المشهد المتخيل لمظاهرات الطلبة فى السبعينيات ص118 عندما ذهبت لزيارة
صديقتها سامية فى البيت بالعباسية ، وجلست فى الشرفة تتذكر وهذا ما يحيلنا أن
الثورة مستمرة وهى ليست وليدة 25 يناير فقط :
( .. وقفت وسط
الميدان .. تشم رائحة التاريخ والذكريات ..
ثلاثون عاما
مرت .. ورغم ذلك .. تشعر وكأنها موجودة هنا البارحة ..
هنا السور
الخلفى للجامعة ..
هنا النفق
المؤدى للباب الرئيسى ..
هنا عرق
الطلاب ممتزج بأسفلت الشارع .. وهو يهتفون فى مظاهرة خارج أسوار الجامعة :
ياحرية فينك .. فينك ،
حطوا السجن ما
بينى وبينك .
كان حماسها لا
ينضب ، ولا تكل طاقتها فى خوض المعارك الطلابية ، من أجل الحرية والكرامة
والإنسانية ..
وكتفا بكتف ..
كانت تقف مع زملائها ..)
النهاية :
تنتهى الرواية
بصوت الغسالة ، وللغسالة دلالة واضحة هى الغسيل والتنظيف ، ولكن ضمنيا لا بد من
غسل كل شىء ، الناس والشوارع والنظام والروح والأفكار .
( تقدر سندس
غسالتها كثيرا .. وتدعى من قلبها لمن اختعها وأراح يديها، أما الصوت الوحيد الذى
لا تنزعج منه .. فهو صوت كركبتها أثناء عصرها للغسيل ..تطمئنها تلك الكركبة أنها
لم تزل تعمل .. رغم كبر عمرها .. فهى عاشت معها ..ما يقرب من الخمسة عشر عاما ..
وأصبحتا الآن .. فى عمر متقدم معا ..)
والكاتبة برعت
أيضا فى أنسنة الأشياء التى حولها وأضفت عليها من روحها ، وتشبهها بها مثل حدث مع
الغسالة ، ومع نظارتها التى تشبه الجن فى الظهور والأختفاء وكأنها تراوغها أو تلعب
معها .
وتظهر اليمامة
الجميلة من جديد رمز التفاؤل والفرح ( رأت صاحبتها الصغيرة ) يمامتها الجميلة ص126
أقسمت أنها
رأتها تضحك .
والنهاية
المفتوحة التى أنهت بها الرواية ، ولم تغلق الملفات التى فتحتها من قبل ، ملف
الثورة ، ملف الجرح ، ملف الحب ، ملف السلطة ، ملف الطاعة ، ملف الشرعية ، علاقتها
بأبنتها وزوجها فى ظل النظام الجديد ، موقفها من د. سامح بدران .
كل هذا يجعلنا
أمام مساهمتنا فى كتابة النص وأختيار مايحلو لنا ، وأن الثورة مستمرة ، لأنه لم
يتم إلى الآن أصلاح كامل ، ولا نجاح نهائى لأى عملية أجريت ، سواء لسندس أو للوطن
.