الألعاب الخطرة
قصص
صفاء عبد المنعم
الإهداء /
!لي أصدقائي من جيل الثمانينات .
اسمع صوت الشاعر !
فهو يبصر الحاضر والماضي والمستقبل ,
وهو الذي سمعت أذناه الكلمة القدسية التي نمت
بين الأشجار القديمة .
- وليم
بليك –
متحف
كان يكتسب أهميته من طريقة الوقفة , فاتحا قدميه
على شكل حرف v , ومن العنجهية والتوتر , وهو يشعل سيجارته ,
ثم يلقى بعود الثقاب على الأرض بعد أن يحركه في الهواء عدة مرات , فينطفئ .
ثم يبدأ
الحوار بصوت خافت وناعم ولذيذ , يجعل خدرا ما يسرى في كيانها , بعد أن تشرب فنجان
القهوة المصنوعة بالروم على نار هادئة . فيحتويها بعينيه الضيقتين واللتين ازدادتا
حدة وضيقا , فيخرج منهما شعاعا نافذا يخترق قلبها ويشل أفكارها .
وهو ينظر !ليها
بحنان واستعطاف طفل يتيم . فكادت أن تزهق روحها وهى تنتظر خروج الكلمات التي سوف
يتبعها بعد ذلك سيلا طويلا من اللعاب في حالة أخذ ورد , فتبتلع ريقها جيدا وهى
تتذكر رباعيات الخيام ( أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب ) .
فتثار وتصبح شهوانية .عندما يهمس لها : هاتى
لسانك .
هنا
الإذابة والنشوة والتعلق برقبته !لي مالا نهاية .
قال مدرس الرسم وهو يشرح للطالبات في المتحف عن
تمثالين جميلين لزوج وزوجته من العصر
الفرعوني :" !ن براعة المثال المصري القديم تظهر في جودة هذا العمل , لأن جسد
الزوجة أكتسي باللون الوردي , وجسد الزوج أكتسي باللون البني , دليلا على أن لوحته
الشمس ".
عندما كانت تنظر !لي ظهره بعينيها التي
كانت تصر على أن يظلا مفتوحتين أثناء الحب , كانت ترى نهرا فياضا من الخمر يتصبب
منه , فتشرب حتى ترتوي , وجسده الأبيض يشبه الحليب الطازج .
قال المدرس مرة أخرى , وهو يعرض أمام طالباته
على اللاب توب صورتين من أعمال صلاح عناني , الأولى الراقصة والطبال , والثانية
صورة تذكارية , وأخذ يشرح عبقرية التعبير وتداخل جسد الراقصة وذراعيها وقدميها في
لحم الطبال , وهو يحنو عليها بعينيه الواسعتين , ويلتهم جسدها . وهى ترفع رأسها
تجاهه وتدق بصاجها دقا متواصلا .
وقال : !ن
هذا التلاحم يعطى أهمية للحركة , وضرورة كل منهما للآخر .. لأنهما لا ينفصلان ,
فالطبال لن ينجح !لا برقصات الراقصة , وهى لن تنجح !لا بإيقاعاته .
أما صورة
تذكارية فهيمنة الرجل – الزوج – بادية في الشكل الهرمي الذي يعطى الثبات والقوة ,
وهو يضع أطراف أصابعه بترفع على الزوجة , وهى ساكنة !لي صدره برأسها في وداعة وصمت
, ولون فستانها الأحمر طاغي على اللوحة .
كانت تقول له في كل مرة : بحبك .
ثم تمسك
يده اليمنى وتقبلها جيدا , وتقول له في وداعة : أشكرك على هذا اليوم الجميل .
وبقوة
العادة أصبحت مدفوعة تجاهه لا تستطيع إيقاف اندفاعها أو التحكم في مشاعرها نحوه ,
لم تتحكم بجد وقوة في عواطفها , فصارت تشبه الريشة الخفيفة التي يطوحها الهواء
بعيدا , فتعلو , وتعلو , وتعلو .
قال مدرس الرسم :" !ن ما يعيب هذه الأعمال
هو سيمترية الألوان .
فالأزرق
والأحمر دائما لونان يكرران في جميع اللوحات ". ثم اتجهوا بعد ذلك !لي رأس
نفرتيتي , فأخذ المدرس يصف جمال وروعة الفن المصري , ثم أخذوا يتجولون كثيرا في
الطرقات .
كان كل مرة يقف عند أقرب بائع يشترى لها
زجاجة عصير لتروى الظمأ , وهو يشترى علبة سجائر وزجاجة مياة معدنية .. ثم يلقى في
حجرها باكو شيكولاتة كبيرا . فتأكل في تلذذ , وتذوب مع طعمها الحلو .
جاءها خاطرا الآن , لماذا لا تسير بمفردها
في منتصف الليل , حيث الشوارع تكاد أن تخلو من المارة , وبرد ديسمبر يبعث لها بعض
الواخزات الخفيفة من أسفل الأيشارب ,و فتحات معطفها , والخدر اللذيذ مازال يملأ
جسدها .
وقف المدرس عند باب المتحف وقال لتلميذاته
: الآن ننصرف . فجهزت كل منهن نفسها لعبور الشارع , ولم أطراف الشيلان على أكتافهن
و انصرفن .
قال لهن بصوته العالي قبل أن تبتعد عن عينيه
صورتهن : اللقاء القادم في متحف الفن الحديث .
هزت كل
منهن رأسها , وصرن يضحكن مقهقهات , والبرد يرسل لهن وخزات خفيفة , خفيفة ومنعشة .