الأربعاء، 8 أغسطس 2012

تراتيل السفر - مايو 1987

عندما رأت أناسا صغارا يرتدون ملابس بيضاء , يطوفون الأفق .
طلبت الخروج دقيقة ترى أشعة الشمس .
دون أن يعيرها أهتماما , اتجه ناحية النافذة يغلقها , أجابها بغتة : لا . ثم جلس خلف الشيش ينتظر .
بتودد شديد نادته : سيدى ! الليلة عيد , أمنحنى دقيقة أرى الكون .
تأخذ نفسا وتدفعه : ربما أتذكر عندما كنت طفلة أغنى , والصغار يرددون معى , أنى اسمع صوتهم أتيا .
يقترب فاردا يده : حبيبتى , أخاف أن يأخذوك . انظرى .
انظرى خلف هذا الشيش , أنى أراهم بوضوح , وأعرف ملامحهم , وطنين أصواتهم اسمعه يخترق أذنى وينفذ .
                                 ***
حملت الريح القربان المرفوض , وطافت تبعثره فى الرض , وعادت تملأ الكون بصفيرها و والغبار يعلو مغيرا لون السماء , تجذب الغطاء مرتعشة .
- اهدائى , سأشعل بعض الحطب حين أنهى صلاتى . نويت أصلى .
- أرجوك , بمن تصلى له , أريد أن أخرج .
 تفرد يدها ضاحكة : الآن . أذكر لون فستانى الوردى , وقبلة أمى تلهب وجهى الصغير .
ينظر بجانب عينه : انتظرى , حتى نخرج معا .
- لن تخرج , وانا لن أنتظر .
يمرر يده على رأسها : حبيبتى , قريبا عندما يرحلون , ويصبح لى جناحان .
تحتضن يده بقوة : لن تترك هذا المكان , حتى نموت , لم أعد أذكر كم عاما مضى وأنا هنا . ترخى يديها , منذ سنوات , حلمت أن الرحم يسقط منى , وأمى تمسكه ضاحكة , وأنا أبكى فزعة و من يومها و وانا أشعر بالسقوط .
يميل عليها : انظرى عزيزتى , بعينين أكثر اتساعا , وأنت ترينهم هناك و والله يرعانا .
بغتة تبعده : ليبق الله فى رأسك , أريد أن أخرج .
يجذبها ناحيته : أراك ترتدين ملابسك أستعدادا للخروج , لن امهلك لحظة أنفراج تتخطين فيها حدود قلبى .
                                     ***
أبحرت السفينة , تحمل كل زوجين , تجوب بقاع الرض .
كقطعة لحم علقها : تردين الفرار ؟ اسمعى . هناك عند ألتقاء السماء بالأرض اراهم يزدادون , ويطيلون النظر .
يدور حولها : بالأمس رأيتهم يدخلون من بين الجدران , ويضغطون على رئتىّ وقلبى , حاولت النهوض , لكنى وجدتك معهم .
تدير وجهها أستغربا : هذا حلم .
يمسك يدها ويضغط : حلم ؟ يحدث كل ليلة , وساعة أريد النوم . أم تقصدين قتلى ؟
- قتلك ! لم ؟
كم عاما مضى وانا معك , كل ليلة تجلس فى هذا المكان تسترق السمع , اليوم أريد أن أعرف ؟
بوجه هيستيرى يميل عليها : لقد أخطاتى حبيبتى , منذ خلقنا و وجمعنا طير السماء , وأنت تعرفين , كم أحبك .
                                            ***
كان المد طويلا , وفى الجزر شق البحر , فعبرت الناس أسربا .
 يضغط بكفه على رأسها .
- تعلمين جيدا رفضى الخروج , ووافقتى , لذا يجب الحتمال .
تزيح يده : مجنون , هل أنا سجنت ؟
- بل سجنا , انظرى فى كفى جيدا , وأنت تعرفين .
تلقى براسها على صدره : أريد أن أرى امى .
- أمك !
أى أم ؟
- أمى التى أحملها فى رأسى .
- حسنا , أذكرى اسمها .
- اسمها ؟
أعرفه , واذكر ملامحها . آه  .. آه , أفتح الباب , أنى أرها آتية تفرد جناحيها وتطير .
يطيح براسها بعيدا : الباب ! هأ , أغلقته منذ طلبتى الخروج . أنظرى , لا باب , لا شيش , لا احد ؟ هأ .. هأ .
- سأقوم , وأحاول .
- قومى .
يسندها بيديه .
- قومى حبيبتى .
- قدماى .
- يضحك باتساع فمه , هأ , لايوجد سوى رأسك , ولسانك الذى سيقطع , ويلقى فى النار .
وتخرج منه رائحة شواء تدير رأسى هأ .
تسقط بين يديه .
- مجنون .
يضمها لصدره .
- حبيبتى , جنيتك ازهارا وشوكا , لكنى أراهم فى عينيك يزدادون .
- مجنون .
- أخاف حبيبتى أن يأخذوك بعيدا .

                                     *************
                                                               مايو 1987

فصل من رواية عطية الشمس

  (عطية الشمس)  رواية صفاء عبد المنعم -----------------------   إهداء إلى/ أبطال رواية من حلاوة الروح --------------------------...

المتابعون