روجوجو
----------------
يا الله ، كان صباحا مباركا.
كان صباحا مختلفا فى يوم من أيام الخريف
الهادئة.
سقطت بعض قطرات المطر، وأنا أسفل شجرة
الليمون، أجمع بعض الثمرات الناضجة فى الصباح الباكر.
كانت الساعة تقترب من السادسة صباحا تقريبا.
أطل الله من علياءه بوجهه الأبيض لبشوش
الكبير، واسقط بعض القطرات من ماء وضوءه، فاعتقدت البنت النحيفة التى تقف أسفل
الشجرة، تلتقط بعض الليمونات الخضراء والصفراء الناضجة، فأعتقدت، وكان هذا أعتقادا
خاطئا أن هذه القطرات هى قطرات الندى، وعندما خرجت من أسفل الشجرة ، وصارت بخطوات
متباطئة نحو الشارع، كى تلحق بالباص الذى وقف على الناصية، ورفعت وجهها للسماء
عاليا، رأت فما كبيرا يبتسم فى وقار عبر السموات العالية، فاخذت تتأمل هذا الجمال
النادر وهى تبسمل غير مصدقة ما ترى، ومن خلال سحابات كثيفة بيضاء، مدت يدها وألتقطت بعض القطرات
الساقطة، ومسحت بها وجهها الصغير، فأشرق أشراقة صافية، وسمعت صوت كلاكس الباص،
والسائق واقفا ينادى : يا ندى، ياندى.
جرت مسرعة كى تلحق بالباص، قبل أن ينطلق، فهى
تعرف عمى فرج جيدا، فهو لا يصبر كثيرا حتى تأتى له دائما ببعض الليمونات وتمد يدها
الصغيرة له وهى تضحك : صباح الخير ياعم فرج.
يتناول الليمون من يدها الصغيرة، ويضعه أمامه
بجوار علبة السجائر وهو يعقد حاجبيه ويتحدث فى صرامة واضحة : كل مرة تتأخرى فيها
ياعبلة، المديرة تنهرنى فيها بعنف بسببك.
تضحك عبلة، وترفع شعرها الذى أنساب على وجهها،
ثم تجلس فى مقعدها خلف السائق وهى مازالت تتذكر حكاية الأمس، وكيف أن الله الرحم
الرحيم فى علياءه أنقذ أمها من الغرق فى البانيو، بعد الأغماءه القصيرة التى
أصابتها، وهى تحاول الوقوف، إذ سقطت فجأة، وحاولت عبلة طويلا أن تساعدها ولكن بدون
فائدة، إلا أن جرت مسرعة، واخذت تطرق باب الجيران فى قوة وسرعة وهى تصرخ : ماما..
ماما، ألحقوا ماما . وتم إنقاذ الأم التى لم تكن تعرف أنها حامل.
وعندما جاء الطبيب مساءً حذرها بشدة وذعر من
خطورة هذا الحمل، وقال لها معنفا : مدام، أنا حذرتك من الحمل.
مسحت الأم وجهها من أثر الدمعات الساقطة على
خديها وقالت فى هدوء المستعطف، وأطئنان الواثق : يا دكتور ربنا موجود، وقادر على
كل شىء.
غضب الطبيب منها بشدة، ونهرها بعنف أمام
زوجها وابنتها الصغيرة : مداد أنا حذرتك، وخلصت ضميرى.
ولكن الأم أصرت على انها سوف تحتفظ بالجنين
مهما كانت العواقب.
كانت عبلة، تتذكر كل ذلك وهى بين لحظة وأخرى
تنظر إلى الخارج، ورتى بعض القطرات الضعيفة تسقط من السماء على هيئة دموع، وأن
هناك وجها جميلا، بلحية كبيرة بيضاء سوف يرعى أمها، هكذا قال لها والدها بالأمس(أن
الله الرحمن الرحيم قادر على كل شىء).
فتحت عبلة النافذة ومدت يدها وأخذت تتلقى
القطرات اللؤلؤية الصغيرة وتمسح بها وجهها الصغير وتقول بصوت واهن ضعيف : يا
الله.. أنقذ أمى، وأحرسها لى .
توقف السائق أمام باب المدرسة، ونزلت البنات
فى افواج متتالية إلى باب المدرسة، وظلت عبلة واقفة فى مكانها ثم قالت بصوت هادىء
رصين: عمو فرج، ممكن من فضلك أرجع البيت.
نظر إلى وجهها الصغير البض، وسألها : لماذا
يا عبلة؟
قالت له بصوت مختنق بالبكاء : ماما مريضة،
وأنا أريد أن أظل إلى جوارها.
أدار السائق الباص عائدا، وهو يدلل الفتاة
الصغيرة ويداعبها من خلال المرآة التى أمامه، عندما رأى دموعها تنساب على خديها(
حاضر يا روجوجو). ابتسمت الصغيرة، وجلست فى هدوء تفكر وتفكر فى أمها، والطفل
الصغير الذى سوف يأتى، وربما يشاركها حجرتها الجميلة.
فنظرت نحو السماء وابتسمت ابتسامة كبيرة
وواسعة، فسقط المطر غزيرا.
مدت عبلة يدها وأخذت تلتقط حبات المطر.
وعندما رأها السائق ضحك وقال لها : أدعى لماما بالشفاء وربنا هيستجيب لدعاءك يا
روجوجو، أبواب السماء مفتوحة الآن.
أخذت عبلة تطلب من الله الرحمن الرحيم أن
يشفى امها ويأتى أخيها الصغير لتلعب معه بألعابها الجميلة، ثم أغلقت الشباك، وجلست
تتابع سقوط المطر فى هدوء وأطمئنان.
___________________________________________________________.