متحف
كان يكتسب أهميته من طريقة الوقفة , فاتحا
قدميه على شكل حرف v ,
ومن العنجهية والتوتر , وهو يشعل سيجارته , ثم يلقى بعود الثقاب على الأرض بعد أن
يحركه في الهواء عدة مرات , فينطفئ .
ثم يبدأ
الحوار بصوت خافت وناعم ولذيذ , يجعل خدرا ما يسرى فى كيانها , بعد أن تشرب فنجان
القهوة المصنوعة بالروم على نار هادئة . فيحتويها بعينيه الضيقتين واللتين ازدادتا
حدة وضيقا , فيخرج منهما شعاعا نافذا يخترق قلبها ويشل أفكارها .
وهو ينظر
أليها بحنان واستعطاف طفل يتيم . فكادت أن تزهق روحها وهى تنتظر خروج الكلمات التي
سوف يتبعها بعد ذلك سيلا طويلا من اللعاب في حالة أخذ ورد , فتبتلع ريقها جيدا وهى
تتذكر رباعيات الخيام ( أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب ) فتثار و وتصبح شهوانية .
عندما يهمس
لها : هاتى لسانك .
هنا الإذابة
والنشوة والتعلق برقبته !لي مالا نهاية .
قال مدرس الرسم وهو يشرح للطالبات في المتحف
عن تمثالين جميلين لزوج وزوجته من العصر
الفرعوني : !ن براعة المثال المصري القديم تظهر في جودة هذا العمل , لأن جسد
الزوجة أكتسي باللون الوردي , وجسد الزوج أكتسي باللون البني , دليلا على أن لوحته
الشمس .
عندما كانت
تنظر !لي ظهره بعينيها التي كانت تصر على أن يظلا مفتوحتين أثناء الحب , كانت ترى
نهرا فياضا من الخمر يتصبب منه , فتشرب حتى ترتوي , وجسده الأبيض يشبه الحليب
الطازج .
قال المدرس مرة أخرى , وهو يعرض أمام
طالباته على اللاب توب صورتين من أعمال صلاح عناني , الأولى الراقصة والطبال ,
والثانية صورة تذكارية , وأخذ يشرح عبقرية التعبير وتداخل جسد الراقصة وذراعيها
وقدميها في لحم الطبال , وهو يحنو عليها بعينيه الواسعتين , ويلتهم جسدها . وهى
ترفع رأسها تجاهه وتدق بصاجها دقا متواصلا .
وقال : أن
هذا التلاحم يعطى أهمية للحركة , وضرورة كل منهما للآخر .. لأنهما لا ينفصلان .
فالطبال لن ينجح !لا برقصات الراقصة , وهى لن تنجح !لا بإيقاعاته .
أما صورة
تذكارية فهيمنة الرجل – الزوج – بادية في الشكل الهرمي الذي يعطى الثبات والقوة ,
وهو يضع أطراف أصابعه بترفع على الزوجة , وهى ساكنة !لي صدره برأسها في وداعة وصمت
, ولون فستانها الأحمر طاغي على اللوحة .
كانت تقول له في كل مرة : بحبك .
ثم تمسك يده
اليمنى وتقبلها جيدا , وتقول له في وداعة : أشكرك على هذا اليوم الجميل .
وبقوة العادة
أصبحت مدفوعة تجاهه لا تستطيع إيقاف اندفاعها أو التحكم في مشاعرها نحوه , لم
تتحكم بجد وقوة في عواطفها , فصارت تشبه الريشة الخفيفة التي يطوحها الهواء بعيدا
, فتعلو , وتعلو , وتعلو .
قال مدرس الرسم : !ن ما يعيب هذه الأعمال
هو سيمترية الألوان .
فالأزرق
والأحمر دائما لونان يكرران في جميع اللوحات . ثم اتجهوا بعد ذلك !لي رأس نفرتيتي
, فأخذ الأستاذ يصف جمال وروعة الفن المصري , ثم أخذوا يتجولون كثيرا فى الطرقات .
كان كل مرة
يقف عند أقرب بائع يشترى لها زجاجة عصير لتروى الظمأ , وهو يشترى علبة سجائر
وزجاجة مياة معدنية .. ثم يلقى في حجرها باكو شيكولاتة كبير . فتأكل في تلذذ ,
وتذوب مع طعمها الحلو .
جاءها خاطرا
الآن , لماذا لا تسير بمفردها في منتصف الليل , حيث الشوارع تكاد أن تخلو من
المارة , وبرد ديسمبر يبعث لها بعض الواخزات الخفيفة من أسفل الأيشارب ,و فتحات
معطفها , والخدر اللذيذ مازال يملأ جسدها .
وقف المدرس عند باب المتحف وقال لتلميذاته
: الآن ننصرف . فجهزت كل منهن نفسها لعبور الشارع , ولم أطراف الشيلان على أكتافهن
و انصرفن .
قال لهن
بصوته العالي قبل أن تبتعد عن عينيه صورتهن : اللقاء القادم في متحف الفن الحديث .
هزت كل منهن
رأسها , وصرن يضحكن مقهقهات , والبرد يرسل لهن وخزات خفيفة , خفيفة ومنعشة .