النداهة التى
ندهتنى منذ 37 سنة تقريباً
شهادة
الكاتبة صفاء عبد
المنعم – مصر
**********************************
إن الشعور الشديد
بالحزن يصبح موتاً داخلياً.
(شراع
تأتى مرتعشاً، تخط
شراعاً غير مخطط له، كأنك الليل الذى لا يأتى!
كأنك السماء التى لا تنتهى!
قبة صفراء داكنة
تلك، حديقة بيتك تنتمى إلى أغنيات المساء، وضحكات عجوز يعض على إصبعيه.
ذاك أنتَ أيها
العجو الصبى، أيها الصبى العجوز).
لم أكن أعرف أنها ستظل تنادينى وتجذبنى من رأسى
أحياناً ومن أذنى أحيانا أخرى(إنها الكتابة) تلك الشقية التى تعرفت عليها منذ مايقرب
من 37 سنة تقريبا(النداهة التى ندهتنى) وهى إلى الآن ترافقنى بلا رحمة.
نلهو معا
أحيانا(مثلما حدث فى قصة يوم عاصف من مجموعة حكايات الليل عام 1984 ) وكانت
البداية، ونغضب من بعض أحيانا كثيرة كما فى رواية(ريح السُموم، وامرأة الريح، وفى
الليل لما خلى، والتى رأت، وبيت فنانة) وكثيرا ما نلتقى، فنتقاسم الضحكات الصاخبة
والمرحة أحيانا أخرى فى مجموعة(بنات فى بنات، وسيدة المكان، والليالى، وأحضان
بيكاسو) ولكنها لم تتركنى أبدا، فى افراحى ترافقنى، وفى أحزانى تجلس إلى جوارى مثل
قط أليف. تظهر لى، ويبدو وجهها البشوش وتنادينى(مش فى أحزان كتير عدت من قبلها)
جملة صلاح جاهين دائما تذكرنى بها كلما وقعت فى بئر الحزن أو الهموم، فأضحك،
وتأخذنى من يدى ونقرأ سويا(نجيب محفوظ ويوسف أدريس، ولوركا، وكونديرا، وماركيز..)
تدخلنى عالم السحر والخيال، وعندما أكتب قصة وأنشرها، أو تظهر لى رواية بالأسواق
ولا أحد يهتم بها ولا يناقشها، فأغضب وأتوقف عن الكتابة. تشدنى من أذنى مثل طفل
بليد وتهمس لى همسا صاخبا(إحنا بنكتب من أجل الحياة) فلا تحزنى، فأصمت وأعود،وأمسك
الورقة والقلم وأكتب(حديث مع كافكا) فتفرح، وتضحك وتأخذنى فى حضنها الواسع الكبير.
لقد صرت أنا
والكتابة صديقين حميمين، عوضتنى عن فقد الزوج والأم والأصدقاء، نجلس سويا فى ليالى
الشتاء الطويلة هى تحكى لى حكاياتها مع الكتاب الكبار، وكيف حصلوا على جوائز
عالمية كثيرة، فأغضب منها وأنهرها، وأنا أتدلل عليها وأقول لها بصوت هامس(وهل
أمثالى ياصديقتى الكتابة فى بلدنا هذه سوف يحصلون على جائزة نوبل، أو أى جوائز
عالمية أخرى) تمسكنى من يدى وتعطينى بركتها فأكتب(امرأة الريح) وتشطح بى الأفكار
وأكتب رواية عن كاتبة حصلت على جائزة نوبل بالفعل، واصيبت بألزهايمر، فأغضب منها
وأقول لها : ياحبيبتى أريد جائزة حقيقية، البنات كبرت وعايزين نجهزهم.
تضحك، وهى منى
ساخرة، وتقول لى وهى تقرص أذنى : ياصفاء وقتها يحلها ربنا، هو أنا فى يوم من الأيام
تخليت عنك.. وبعدين ربنا موجود.. يرزق من يشاء بغير حساب.
ويظل وجهها البشوش
يرافقنى، حتى يزاح عنى الهم، إنها تؤم روحى ورفيقة الدرب .. إنها الكتابة.
لم تكن تعرف تلك الطفلة التى (كنتها) ذات يوم
بعيد وهى تجلس على السرير الحديد وسط أخواتها الذكور وهم يستمعون إلى حكايات
الجدة، وهى تصب لهم الشاى باللبن، وتحكى لهم الحكايات القديمة عن (ست الحسن
والجمال، وأمنا الغولة، وجنية الساقية، ونص نصيص، وبير زويلة) وغيرها من الحكايات
الكثيرة المسلية، وتصور لنا كيف أخذ الشاطر حسن ست الحسن على حصانه الأبيض وطار
بها بعيدا عن بيت أمنا الغولة، ونغنى ونحن نلعب : ياأمنا الغولة طقطقى الفولة.
ظلت تلك الطفلة
الصغيرة، تحلم وتحلم، وتصنع عقدا كبيرا من الحكايات، وتخزن فى ذاكراتها الكثير
والكثير.
كان أخى الذى
يصغرنى بخمس سنوات تقريبا هو المهىء للكتابة، حيث كان يؤلف للأطفال حكايات غرائبية
وخيالية عن لعبه مع الأسد فى الغابة، وكيف ينام وحيدا وسط الوحوش من شدة التعب، وآخر
الليل يأتى أبى ويحمله إلى البيت، لكى ينام على سريره، وكان يظل ينسج بخياله
حكايات طويلة وبارعة للأطفال، وهم يصدقون حكاياته إلى أن كبر ذات يوم، وجاء يحكيها
لهم فنهروه بعنف، واتهموه بالكذب، وأنه ينخع ولا شىء من ذلك يحدث له، فتوقف عن نسج
الحكايات.. وصمت، صمت طويلا.
كنتُ أنا الكبيرة
العاقلة التى لم تبح لأحد عن أسرارها، ولا تروى أحلامها، فقط كنتُ أخزنها بداخلى
لوقت غير معلوم، ولا أتحدث مع أحد، ولا أحكى حكايات غريبة مثلما فعل أخى ذات يوم.
وكبرنا، ورحلت
الجدة، وأخذت حكاياتها معها.
ولا كنتُ أعرف
أننى سوف أكون تلك الكاتبة التى ندهتها النداهة فى يوم من الأيام.
إلى أن جاءت
الكتابة وطرقت الباب ذات يوم عاصف، من أيام الخريف فى عام 1982 ، وامسكت القلم
وكتبت، لكى اسجل اول الخيبات فى الحب. وكيف تركها وسط العاصفة بمفردها فى الشارع
وحيدة تواجه الريح العاتية.. تغلق عينيها وعندما فتحتهما بعد لحظات. كان قد أختفى
تماما، وترك لها جرحا لا يندمل، وقلبا محطما.ومن لحظتها، فقدت الثقة فى كل
الرجال..جمعاء. وأعتزلتهم لسنوات طويلة، وأنهمكت فى العمل والكتابة.
حتى ظهر لها نجم
ثاقب ذات يوم من أيام يناير الباردة من عام 1988. وكتبت(تلك القاهرة تغرينى
بسيقانها العارية عام 1990) وأختفى الزوج ذات مساء من عام 1999 وترك لها بنتين
صغيرتين.
وكان على السلحفاة
التى أصبحت طوطما، أن تحمل فوق درقتها طفلتين، وتواصل الكتابة(بنات فى بنات عام
2000 ) وتظل ساهرة طوال الليل أمام السماء المفتوحة و(النداهة) تجلس أمامها تحدثها
وتواسيها.
كم هو ممتع أن
تخرج من حالة الحزن والوحدة برواية( من حلاوة الروح) كتبت بالعامية المصرية.
الكتابة للأطفال.
ونحن أطفال صغار
فى الستينيات، وبعد هزيمة 67 وحرب الأستنزاف، كانت أصوات الغارات ترعبنا وخاصة
سفارة الخطر عندما تضرب، كنا نختبىء خلف جدتى خائفين، ولا نخرج من خلفها إلا بعد
سماع سفارة الأمان، كنا نطير ونجرى مثل العصافير مرفرين بأجنحتنا الصغيرة ونردد فى
الشارع : هنحارب، هنحارب.
وأمى تدهن زجاج نوافذ البيت باللون الأزرق..
وننظر بأعيننا الطفولية نحو الزجاج الذى يبرق بريقا خاطفا لكى نعرف متى ينتهى
الخطر، ونبنى حائطا عاليا أمام باب البيت من الخارج، ونضع فوقه شكائر من الأسمنت، ونسمع سفارة الأمان، فنخرج إلى الشارع مهرولين،
فرحين.
الأمان كان فى اللمة الحلوة ونحن نصنع بأيدينا
الصغيرة مع الأيدى الكبيرة كعك العيد، ونظل طوال الليل مستيقظين حتى نسمع صوت
المسحراتى وهو يدق على طبلته ويردد بصوت مبحوح باكيا(ما أوحش الله منك ياشهر
رمضان) ونخرج إلى الشارع فى اليوم التالى نمسك بأيدينا الفوانيس الملونة، ونغنى :
أدونا العادة رب خليكوا. ويأتى العيد ويرحل، ولسنوات طويلة لا نعرف سوى الحكايات
الممتعة من أفواه الجدات الكبيرات، ورغم ذلك كنا أطفال سعداء، مرحين ومحظوظين،
نلعب ونغنى الأغانى الجميلة فى الشارع مع أبناء الجيران، فكان لابد من توثيق هذه
الأغنيات، فجاء كتاب(أغانى وألعاب شعبية للأطفال عام 2004) وتبعها بعد ذلك
كتاب(سفينة الحلوى) وقصص كثيرة للأطفال.
وتوالت الحكايات،
والقصص، وجمع التراث،وإلى الآن أنتهز أى فرصة أكون فيها وسط الأطفال الصغار، فأجلس
بينهم أحكى لهم الحكايات الجميلة، مثلما كانت تفعل جدتى منذ أعوام طويلة، فأقمت
ورش للحكى للأطفال منذ عام 2011، وورش لتدريب التلاميذ الموهوبين، لكى أرد للنداهة التى ندهتنى منذ 37 سنة تقريبا، بعض
المعروف الذى صنعته معى، وأربى أجيال جديدة مبدعة.
*************************************************************************************
سيرة ذاتية
*********
صفاء عبد المنعم
من القاهرة – مواليد 1960
قاصة وروائية وباحثة بالأدب الشعبى
وكاتبة أطفال
النشاط الثقافي
------------
- عضو إتحاد كتاب مصر
- عضو أتيلية القاهرة للفنانين
والكتاب
- معتمدة بالإذاعة المصرية
- محاضر مركزي بالهيئة العامة لقصور
الثقافة
- عضو الجمعية المصرية للمأثورات
الشعبية
- عضو نادى القلم الدولي
- عضو جمعية الكاتبات المصريات
- عضو لجنة الطفل بالمجلس الأعلى
للثقافة – 2015
- حصلت على تفرغ من وزارة الثقافة
عام 1997- 2004 - 2005 - 2006
- كرمت في مؤتمر أدباء مصر بالأقصر
عام2004
- كرمت من مؤسسة عماد قطرى 2013
- حصلت على المركز الثاني في مسابقة
القصة القصيرة
على مستوى مراكز الشباب عام 1983
بمحافظة القليوبية
- حصلت على جائزة إتحاد الكتاب عن
رواية امرأة الريح عام 2016
الأصدارات الأدبية :
المجموعات القصصية :
- حكايات الليل - طبعة خاصة 1984
- تلك القاهرة تغريني بسيقانها
العارية - طبعة خاصة 1991
- أشياء صغيرة وأليفة - أصوات أدبية 1996
- بنات في بنات - كتابات جديدة 2000
- بشكل أو بآخر - أصوات أدبية 2009
- أنثى الخيال - اتحاد الكتاب 201
- سيدة المكان - داروعد للثقافة والنشر2015
- الألعاب الخطرة - كتابات جديدة 2015
- الليالى - دار اليمام –الكويت
2015
الروايات :
---------
- من حلاوة الروح - رؤى للنشر -
المحلة2001
- ريح
السموم
- مكتبة الأسرة – إبداع المرأة 2003
- التي رأت - دار
ميريت للنشر 2008
- قال لها يا !نانا - دار نفرو للنشر 2008
- مثل ساحرة - دار
التلاقي للنشر 2008
- في الليل لما خلي - نشر عام - هيئة
الكتاب 2009
- ط ، ب2 مكتبة الأسرة 2010
- بيت فنانة - دار سندباد للنشر عام 2009
- ط ، ب2 دار اليمام الكويت 2015
- امرأة الريح - روايات الهلال 2015
- حافة الروح - دار إزيس للنشر والتوزيع 2016
كتب للأطفال
------------
- كتاب أغاني وألعاب شعبية
للأطفال - سلسلة دراسات شعبية - 2004
- سفينة الحلوى - كتاب قطر الندى 2006
- حكايات من حلايب - كتاب قطر الندى 2013
- حكايات بسملة - المجلس الأعلى
لثقافة الطفل 2016
- العمة توتة - الهيئة
العامة للكتاب 2017
- ضيعة القطط البيضاء - كتاب قطر الندى 2018
--------------------------------------------------------------
الأشتراك فى الموسوعات
------------------------
- موسوعة أغاني الأطفال – الهيئة العامة لقصوراالثقافة 2008
- موسوعة وصف مصر
الآن – الهيئة العامة لقصور الثقافة -
منطقة حلايب 2007 ومنطقة البواطي
بالوحات البحرية عام 2008