السبت، 2 فبراير 2019

كسر رخام

جلستُ على المقهى وشربتُ شاياً.
ثمة صوت ينادى، صوت يشبه خرير الماء المتدفق وسط صحراء قاحلة.
أتلفت حولى، لا أحد يجلس على المقهى سواى.
السائق مازال جالساً داخل السيارة هناك بعيداً فى أنتظار أشارة منى كى ننطلق بعيداً عن هذه الصحراء العامرة بغابات من الأسمنت.
أنا لا أحب الصحراء.
إنها لا تبهجنى كثيراً، اللون الأصفر يشكل لدى حالة من الهياج الغامض.
جاء النادل ووضع أمامى كوباً من الشاى الساخن.
هززتُ له رأسى شاكرة.
ثم أنصرف من أمامى فى هدوء وأدب.
أجلس وحدى وسط الكراسى الكثيرة المتناثرة هنا وهناك فى تواضع أنيق.
رفعتُ عينيى عالياً، رأيتُ بعض الغربان السوداء تطير بين الشجار.
لا شىء هنا سوى الصمت.
والضياع والتوهة.
مددتُ يدى، وأخذت أرشف من كوب الشاى ببطء شدبد، وأنا أردد داخلى : لماذا فعلتُ بنفسى كل هذا الشقاء؟
الإجابات تأتى غير شافية.
مددتُ يدى، وأخذتُ الرشفة الثانية.
الصوت هو الصوت!
حيث لا أحد.
أخذتُ أدور برأسى هنا وهناك، ترى من ينادى؟
من الذى يبث صوته الهامس الرقراق الهادىء مثل ماء النبع الصافى داخل أذنى؟
أنا المتعبة، القاتلة، المقتولة، المجروحة بالصمت.
أنتهى كوب الشاى، وظللتُ أحدق فى الصحراء والأشجار والغربان الواقفة فوق الأشجار العالية فى شموخ عبيط.
وذهبتُ إلى السيارة. حيث يجلس السائق فى هدوء، يتأمل الأبواب والنوافذ المغلقة.
فتحتُ الباب، وأنا أدلف إلى الداخل، وأجلس على الكرسى فى أسترخاء عبيط.
وضحكتُ ضحكة مجلجلة بصوت مرتفع.
صفاء عبد المنعم
من نص كسر رخام.

فصل من رواية عطية الشمس

  (عطية الشمس)  رواية صفاء عبد المنعم -----------------------   إهداء إلى/ أبطال رواية من حلاوة الروح --------------------------...

المتابعون