الثلاثاء، 10 يوليو 2018

قصة قصيرة


قصة / صفاء عبد المنعم
                                                                                                  ـ  نقوش ـ

تشاغلت عيناى بمتابعة النقش البارز فى اللوحة المعلقة عالياً و طنين الأغانى المتلاحقة يأتى إلىَ من الشارع وصوت الباعة الجائلين من آن لآخر يخرجنى من غفوتى المتشاغلة بالنظر إلى السقف ؛ كانت اللوحة الكبيرة عبارة عن سوق كبير للعامة فى زمن القاهرة القديمة وربما يكون تحديداً فى العصر الفاطمى أو المملوكى .
  إنى لم أحدد بعد هوية اللوحة ؛ فقط تشاغلت بمتابعة الهدوء والسكينة والبضائع المتراصة بشكل ساذج على قارعة الطريق ؛ وقليل من المارة يتوافدون .
 وحدى أشق طرفى الثوب إلى نصفين ؛ تنتابنى حالة من اليأس لم أعتاد عليها ولكننى رأيت ما رأيت " طرفى الثوب تتباعدان ، تتصاعدان ، إلى أعلى أعلى ، ترفان صوب اللوحة ، صوب الفارس ، صوب الشارع " كل ما تخيلته هو أننى أجول فى اللوحة مزهوة .
 زوجان من الأحصنة المجنحة ترتديان شقى الثوب وترفان .
 آه هل أنا متعبة إلى هذا الحد ؟
دون رغبة فى شئ أخذت أصرخ ، أصرخ خارجة من اللوحة ؛ كانت الخلفية غير الواضحة لمسجد كبير ، ومشربيات جد جميلة ، مشغولة بحنكة الصانع الذى دقق كثيراً فى جميع التفاصيل .
الخشب يحمل رائحة الأيام فتطير سعادة لزمن سابق ؛ الأفاريز تخرج منها حكايات المارة والصانع ؛ تحكى الأفاريز تاريخاً كان يتحرك ويتلون ويصبغ الأيام بصبغته .
 مملوك فوق جواده يمر متنزهاً بين مقتنيات اللوحة وأمامه يجرى رجلان يفسحان له الطريق ، سقطت رأس المملوك تدحرجت تحت أقدام الجميلة خارجة من حمام قديم فبان وجهها جميلاً صافياً ؛ حياها الفارس وتمهل ملياً وهى تلتقط اليشمك والحَبرة وتعيد وضعهما من جديد .
 الأيام والأزقة والمرأة ورأس المملوك وتحية الفارس وبسمة الجميلة كل هذا لم يبعد صوت المارة ؛ والموسيقى الداخلية المنبعثة من المحل تمنع تأملى للوحة .
تبدلت الموسيقى بأغنية شائعة " بابا قول لماما بح ، بابا أوبح "
 دارت عيناى المتأملة اللوحة تجاه الفارس ومددت يدى أمسك المهماز تركنى وسار عبر الأزقة .
 " هنا كانت ترتكز فتاة على حافة السور خارجة من زمنها ، من أيامها  والآن تمر محملة بعطر رخيص وسنوات بعيدة "   
  إنها اللحظة .. وتمر .. تاركة السور والشارع ونهداها عالقان على الحافة ومرت هى من المحل ، والأخرى من الصورة ؛ هى من الشارع ، والأخرى من لوحة بعيدة ؛ هى من حافة السور ، والأخرى من زمن قديم ؛ هى من الزمن الأتى ، والأخرى من العصر الفاطمى أو المملوكى .  
  " إنها القاهرة القديمة " 
مبانيها ، ضواحيها ، أفاريز الجامع ، خشب المشربيات ، المملوك والفارس والفتاة ورائحة بخور المر فى يد الدرويش يثير فى اللوحة دخانه ، طاقاته ، خرفاته ، خرقه البالية ... وتذوب اللحظات البطيئة فى ثلجية مفرطة بين عين الواقفة المتأملة ، وعين الجميلة فى اللوحة العالية المعلقة من زمن بعيد بعيد وقديم .
إنها الآن ترتبك تريد أن تحدد ملامحها بعد أن زهقت من الفوضى والإرتحال تريد أن توضح ماهية الأشياء تريد أن تقبض على اللذة الهاربة والمتعة الأبدية .
إنها الآن :
تقرأ مثل تلميذات المدارس ، تضع خطوطاً تحت الكلمات والجمل المهمة المدهشة والمثيرة بين قوسين ولكن ما يجرحها هو المرأة الجميلة الباسمة للفارس هل مازالت تتحرك ؟
تدفع اليشمك والحَبرة ؛ تبتسم تلملم طرف الثوب من قاذورات الطريق ؛ ماذا لو قابلت هذه المرأة مرة أخرى ؟ هل لها نفس الملامح ؟
الجمال !
هل هى تبتسم ؟  أشياء أريد معرفتها أكثر من ذلك أتمنى أن أرى ما خلف المشربيات ، أسمع صوت المغنيات منبعثاً من الحريم ورائحة البخور المر المتطاير عبر اللوحة وتطويح الدرويش لمبخرته بذراعه كيف رأها الفارس عندما رأته ؟
رغم أنى محملة بأنثى خارج اللوحة وموسيقى خارج السياق وصوت الباعة الجائلين إلا أننى أبحث عنها بشكل أوسع ومفرطاً فى الدهشة ، نعم إنى أبحث !
وسأظل محملة بعبء البحث والمعرفة وإلحاح الذاكرة وتاريخ اللوحة .
ولكن كيف أرى إنسانية البسمة ؟ والوقفة وإرتباك اللحظة ؟ وإلتباس البوح ؟
وقفت مشدودة فى حوار مفعم بالقلق .
 " يا صاحبة الطقوس "
والمفجر الأساسى للمشهد ، أذكر لطمة أمى على وجهى لحظة قررنا ( أنا وزوجى ) أن نعيش الليلة الأولى ( عادى ) دون إشتغال .
"يا سيدة الطقوس "
  إفتحى ذاتك ، اللوحة ملء عينيي ، ما هى رغبات اللحظة ؟
 ( الفارس ) كان لطيفاً متفهماً حاول تدريب رغباته دون ترك لحظة العشق البدائى دون إشتعال ؟!
" يا سيدة الزمن البعيد "
 إنى أصغى إليك فتحدثى وأذكرى لى مبعث ألمك وسعادتك ؟
أخذت أغلق سوستة الجاكت وأستعد للخروج ، إسترخيت على الكرسى وأرحت ظهرى ، مددت يدى متنهدة   .
ـ  ياه الدنيا برد قوى  .
 على باب المقهى فردت أصابع يدى اليسرى فى تحية حارة للجالسين ، الصمت يحيط بالمارة ، باللوحة ، بالجالسين فى هدوء المكان ، كان لى أكثر من عام لم أجئ إلى هنا ، كم كان مريحاً بالنسبة لى الخروج ببطء من الماضى والإتيان لأكل سندوتشات ( الفول والطعمية ) والمشى فى شوارع القاهرة .

" إنها الدهشة الأولى "
أشير كطفلة لكل ماهو جديد ومثير ، ألتقط سريعاً كلمات المارة ، حوارتهم ، ضحكاتهم ، طريقة ملابسهم ، وسيرتهم فى الطريق ؛ إرتديت الجينز والتى شيرت وأتيت كم كان مريحاً بالنسبة لى الخروج من اللوحة القديمة ومشاهدة النيل والشمس الغاربة كل ذلك يثير فىَ أحداث الماضى وحواديته .
 تحدثت فى همس : أريد صورة كبيرة لى الآن كى أعلقها عالياً  .
 ياريت ... 
صورة كبيرة للقاهرة الآن ، دون فارس ، دون مملوك ، دون الجميلة واليشمك والحَبرة ، دون الدرويش ومبخرته ورائحة بخور المر ودخانه ، دون أن أكون بداخلها  .
 تنهدت بطفولية كيف ؟
طرت أجرى ، أمرح ، واليشمك يتطاير عبر الصورة من الجميلة الباسمة ..
أحب الشمس والفوضى ، أريد الدخول من الباب الكبير ( باب النصر ) أخرج علبة سجائرى وأشعل واحدة .









قصة فأل سئ

  فأل سئ لا أعرف بالضبط ماذا حدث لي؟ منذ ليلة أمس وأنا تنتابني حالة من العراك والغضب الزائد، لقد ألغيت لقاءً كان مهما بالنسبة لي في العم...

المتابعون