العملاق الأخضر
فى المساء، جلس فى الشرفة، سمع صوت الأولاد
فى الحارة يرددون اسم المسلسل الجديد .
ينهض، يدير قرص التليفزيون، ثم ينادى على
أخوته.
على صوته، ياتون على أطراف أصابعهم بهدوء،
واحد .. واحد على الأرض يجلسون فى صمت، يتتبعون بعيونهم أحداث المسلسل، بينما هو
أخذ يقفز.. يصفق.. يهلل .
- العملاق ..، العملاق الأخضر.
تسمعه، تأتى على صوته الجهورى من داخل
حجرتها، تمد يدها تغلقه، تسود الشاشة، تسود الدنيا فى عينه .
تنهرهم . يقومون بسرعة من أمامها، يدخلون
حجرتهم. بينما هو يظل مكانه .
تأتى إلى جواره، تلكزه بقدمها، تردد
- أدخل حجرتك .
بصوت خفيض، يردد
- أريد أن أرى العملاق الأخضر .
تميل عليه، تجذبه من قميصه، تلقى به داخل
الحجرة، تغلقها مرددة
- رأسى تنفجر .
بعد برهة، يدق جرس الباب .
ينصتون، يسمعون، صوت أطفالا يدخلون جملة .
صوتها ياتى من الخارج مهللا فرحا
- أهلا ..أهلا .
يسمعون صوت قبلات حارة .
ينهضون، يسيرون ببطء تجاه الباب .
من فتحة الكالون ينظرون، يرون عمتهم وأولادها
الصغار،تظهر على وجهوهم بشاشة فرحة .
يردد الصغير داخله .
- استطيع الآن أن أرى العملاق .
للمرة الثانية، يخرجون الواحد تلو الآخر .
يبصصون بعيونهم الحزينة فى أرجاء الصالة،
لايجدونها .
يرقصون فرحا .
يتوجه هو بخطوات ثابتة، يمد يده، يدير القرص،
تعلو أصواتهم .
تخرج حاملة طويلة، تنهال عليهم ضربا .
الضرب يؤلمهم .. رغم هذا يصمتون .
يدخلون حجرتهممم، عيونهم مليئة بالدموع،
خدودهم مبتلة .
كل منهم ينكفىء مكانه، ينامون .
يجلس هو باكيا، ينظر تجاه الحائط، يرى صورة
أمه .
تذكر أن العملاق، يصبح عملاقا حين يغضب .
يثور .. يصيح كثور هائج، لا يقدر عليه أحد .
يجب أن أنتظره .
يجلس على سريره .
تدخل وراءه، تأمره أن ينام، تجذب الغطاء
نحوها، تغطيه، تتركه، تغلق الباب خلفها .
تطفىء النور . البيت يصبح فى سكون تام .
تظلمه كما أظلمت الشاشة من قبل .
يقفز من مكانه، يقف وسط الحجرة، يقول فى نفسه
.
قال لى أنه سوف يأتى، لابد من أنتظاره .
تجاه أخوته ، ينظر .
يجدهم نائمين . يقترب منهم، يجذب الغطاء عنهم
.
ثم يناديهم بأسمائهم، يدفعهم بيده . يستيقظون
كأنهم سكارى، كل منهم يفرك عينيه بظهر يده، وهو يتثاءب .
ثم يرددون فى نفس واحد .
- ماذا تريد ؟
يحدثهم فى همس
- أبى سوف يأتى، لابد أن ننتظره، كى نحكى له
عنها، وما تفعله بنا .
يجلسون .. يضم كل منهم ساقيه إلى صدره، ثم
ينادونه
- لو تأخر !
يقترب منهم، يجلس إلى جوارهم، يهمس
- نترك له ورقة، نكتب له فيها، لابد من
لقائك، نطالب برؤيتك .
عندما طرأت على راسه هذه الفكرة، قام من
مجلسه، جفف عينيه، أتجه ناحية الباب، فتحه، تسلل إلى المطبخ، أخذ من الدرج سكينة،
أخفاها فى جيبه، جلس فى أنتظار قدومها .
تأتى، تجلس جانبه . بوجه عبوس، يسالها
- أين أبى ؟
تصمت .
يسألها مرة أخرى .
- أين أبى ؟
تجيبه بحده
- لم يأت بعد .
يتركها، يجلس بعيدا .
بعد دقائق، تدعوه للنوم .
يردد
- أنى فى أنتظاره .
تناديه فى صياح حاد
- أذهب إلى فراشك، اليوم يأتى متأخرا .
يدخل متمتا
- كل يوم أنتظره، لكنه لم يأت، فى الصباح
تقول لى أتى وأنت نائم .
يردد أكبرهم سنا
- غدا الجمعة، ننتظره فى الصباح .
يعلو بصوته
- لا تناموا، أبى سوف يأتى، أنتظروا، أنصتوا
.
جرس الباب يدق .
يسمعون صوت خطوات .
ينظرون كعادتهم من فتحة الكالون ، يجدونه .
حاملا معطفه الأزرق البالى فوق ظهره المقوس، على الأريكة يلقى بجسده المكدود .
تأتى حاملة فى يدها طبقا به بعض الطعام،
تحدثه
- أختى بالداخل هى وأولادها، هيا لتناول
العشاء .
بصوت أجش ينادى على أولاده .
يأتون، يلتفون حوله .
يجمعهم بين أحضانه، يشعر بدفء يسرى فى جسده .
يبتسم .
يأتى الصغير، يقترب من الباب، يظل واقفا.
يناديه .
يظل واقفا مكانه .
يقترب هو منه، يضع يده على رأسه يتحسسها، ثم
يمدها داخل سترته، يخرج بعض النقود، يعطيها له .
يقترب منهما جميعا، يعطى كل منهم قرشا .
تأتى مرة أخرى، تناديه . تجدهم حوله .
تناديهم ..
- إلى الآن لم تناموا !
تعلو بصوتها، تتناول العصا .
يراها .
تذكر أن العملاق يصبح عملاقا حين يغضب .
يخرج السكين من جيبه، أخذ يقطع بها قميصه
وسرواله، وهو يردد
هيه
.. هيه .
ثم يقفز عليها، يمسك بطرف العصا منها .
تلوى يده .
يلوى يدها .
يلوى . تلوى .. كادت تغلبه .
يرونها،يتجمعون جميعا، يمسكون بطرف العصا معه
.
يلون
.
تلوى
.. العصا تلتوى .. تنكسر .. تتفتت .
تجلس مكانها، منهوكة القوى .
يلقون النقود من أيديهم، يلتفون حوله .
***************************