ختان
وضعت كيلو السكر وزجاجة شربات الورد تحت إبطها، ثم أحكمت الطرحة الشيفون
السوداء على رأسها، وخرجت تحت جنح الليل تتحسس خطاها فى ليل الشتاء البارد، ثم
طرقت باب البيت المواجهه لهم عدة طرقات خفيفية .
فتح الباب قليلا عن وجه طفولى . أمالة رأسها
قليلا وقبلت وجه الطفل وهى تقول له : ماما موجوده ؟
فتح الطفل ضلفة الباب عن آخرها وهو يجرى فى خفة
وسرعة مناديا : تيتا الحجة جت، تيتا الحاجة جت .
خرجت من الحجرة البعيدة، امرأة شابة فى
الثلاثين من عمرها، وهى تفرد ذراعيها ضاحكة فى أستقبال الضيفة، وتمد يدها وتتناول
منها كيلو السكر وزجاجة الشربات وتضعهما على المنضدة الصغيرة بجوار الباب، ثم تأخذ
بيد الضيفة، وتدخلان الحجرة البعيدة فى آخر الطرقة الطويلة .
تمد الحاجة يدها وتخرج جنيها ورقيا جديداً،
وتدسه فى يد الطفلة الراقدة على السرير فى حالة أعياء شديد، ثم قالت وهى تقبلها فى
رأسها : يامشاء الله، يامشاء الله، مبروك، مبروك، ثم تهمس فى أذن الأم ببضع كلمات
قليلة، تأمن الأم على كلامها، وتنظرنحو يد الطفلة الراقدة والتى علق بها قطعة قماش
صغيرة .
ضحكت الحاجة سعيدة ومنتشية، فظهرت أسنانها
الذهبية تتلألأ مثل شمس الضحى إلى جانب أسنانها البيضاء الناصعة .
قالت الأم فى استكانة وطيبة مفرطة : والله
ياحاجة تعبتى نفسك ليه، سكر وشربات ونقطة كمان، والله ده كتير، كتير قوى .
تمد الحاجة يدها بأساورها الذهبية المتلألئة
فى ضوء المصباح النيون على يد الأم وهى تضحك فى نشوى عارمة : خيرك سابق ياتهانى، وهو
أحنا عندنا كام قمر، دى قمر واحدة نوارة العيلة .
قالت الأم فى دهشة وهى ترتعد خوفا : والنبى
ياحاجة، أنا سايقه عليكى النبى، السيدة فى ضهرك ياشيخة أوعى تجيبى سيرة لأى واحدة
من سلايفى، لحسن يهجموا علينا زى التتار، وتكون واحدة فيهم كدا ولا كدا تقوم تشاهر
البنت .. أحنا طاهرناها فى السكت ساعة الفجر .
ضحكت الحاجة بوسع فمها الكبير الواسع : يامرة
يامجنونة، معقولة دى، أنا أجيب سيرة لحد، دى بنتى، والله فرحتى النهاردا بيها، أكتر
من فرحتى بأولادى الصبيان كلهم، أنت عبيطة .
ثم قامت الأم من مكانها لعدة دقائق، وعادت
تحمل كوبا كبيرا من شربات الورد وتقدمه للحاجة .
أخذت الحاجة الكوب من يدها، وهى تسأل فى
أستغراب واستفسارعن كيفية حدوث ذلك الحدث وهى بمفردها مع زوجها، وأبنها مازال
صغيرا، ومن ساعدها فى ذلك .
جلست الأم على طرف السرير إلى جوار أبنتها
الصغيرة النائمة وهى تربت على وجهها بحنو وعطف : والله ياحاجة هى جت كدا، ولا كنت
عاملة حسابى خالص، المعين هو ربنا أبوها خرج من بليل للوردية فى المصنع، وأناعلى
الفجر كدا سمعت خبط على الباب، قلت مين ؟ قالت : أنا الداية . فتحت الباب، دخلت
وقعدة على الكنبة فى الصالة وهى بتضحك وتقولى : بنت ياتهانى هى بنتك عندها كام سنة
؟ ضحكت وقلت لها : تمن تسع سنين ياخالة . قالت لى : طيب عال عال، أنا جاية من
طهارة خمس بنات ومن بيت واحد تحبى تطهرى بنتك والموس لسه حامى .
ضحكت وقلت لها : ياحاجة البنت لسه صغيرة،
كمان سنة ولا أتنين .
قالت لى : يااللا ياللا خير البرعاجله،
الصغيرة بتخف بسرعة .
رحت داخله على البنت وهى نايمة فى سريرها،
وحطه رأسها تحت رجلى، ومسكتها زى دكر البط اللى بزققه للعيد، جت تصوت، قلت لها لو
فتحتى بقك هاموتك، أخرسى، أوعى نفسك يطلع، ولا حد من الجيران يسمع صوتك .
وأهو ربنا قدرنى والحمد لله .
ضحكت الحاجة وهى تمد يدها بالكوب الفارغ، ثم
تمد يدها على جسد الصغيرة النائمة وترقيها "الأوله باسم الله، والتانية باسم
الله، والتالتة رقوة محمدبن عبدالله" إلى أن أنتهت من الرقوة، ثم قامت واقفة : عال، عال، ربنا يتمم
شفاهاعلى خير، ويطرح لك فيهم البركة يابنتى، وأنا كل يوم والتانى هاجى أبص عليها .
قامت الأم من مكانها لكى تودع الحاجة، وهى
تدعو لها بطول العمر والصحة وتودعها عند الباب : شرفتينا ونورتينا ياحاجة، ربنا ما
يحرمنا منك ياستنا .
تصبحى على خير ياتهانى ، ثم خرجت وأغلقت
الباب وراءها بهدوء شديد .
************************