الخميس، 7 سبتمبر 2017

مدينة ليل


    هل رأسى جاهز اليوم لكتابة شىء ذو أهمية ؟ ومن ينتبه لهذا الألم ؟
كنت دائماً أخدع بمس الكتابة الواقعية وعشقتها على يد العمالقة فى الأدب الروسى ، وكنت مغرمة بإبداع تشيكوف ودستويفسكى ، وحزنت حزناً شديداً عندما قرأت رواية (المعطف) لجوجول ، وبكيت على (موت موظف) لتشيكوف ، هكذا تكونت ذائقتى فى البداية عام 1982 وأنا اقرأ قصة (نظرة) للكاتب يوسف أدريس ، وعندما حصل ماركيز على جائزة نوبل للآداب
جمعت كل أعماله وقرأتها بداية من مجموعة (عينا الكلب الأزرق ، وأنتهاءً بأن تعيش لتحكى)
وأغرمت أشد الغرام بالواقعية السحرية ، وبهرنى هذا العالم الثرى الجميل ، وازداد نهمى للقراءة ، وبدأت الحياة الطبيعية فى تفاصيلها الصغيرة تنسحب من تحت قدمىِ شيئاً فشىء ، وكلما قرأت كتاباً ، أرانى أعلو وأعلو وأعلو ، أعلو عن الصغائر ، أصبح طموحى هو كتابة قصة أو رواية مثل هؤلاء الكبار ، وكنت أشبه التلميذ المجتهد الذى يحرص أول بأول على المذاكرة ، وعمل الواجب ، واسعى جاهدة للندوات والمؤتمرات ، وأتسعت دائرة القراءة ليس فى الأدب فقط ، ولكن فى الفلسفة والنقد وعلم الجمال وعلم النفس والأديان ، وكلما سمعت عن كتاباً جديداً أسعى جاهدة لشراءه وقراءته ، أصبحت (دودة قراءة) بمعنى الكلمة ، لا يمر يوماً أو يومين دون قراءة ساعتين على الأقل ، وزد على ذلك حب العلم .
" مرت حياتى أمام عينى فى لحظة ، هى لحظة فقط ، مرت كأنها دهراً كاملاً ، أو كأن شريط سينما يدار امامى منذ المولد ، وأنتهى بالوقفة الشامخة أمام القاضى فى ساعة المحكمة ، والحاجب ينادى بصوت جهورى مرتفع : محكمة " ودخل السادة القضاة بالأرواب الجميلة .
شىء ما غريب يحدث الآن !
حياتى يتم أعادة ترتيبها من جديد !
بدأت برؤية وسماع أشياء غريبة !
الحلام فى منامى تختلف عن الأحرم السابقة !
ثمة صراع ومعارك ، ثمة مهازل تدبر ، وتتم فى غيابى .
ثمة أفكار وأفعال خائبة من الآخرين تحط علىَ .
نحن فى زمن ضاع فيه اليقين ، تفتت الضمير ، ظهرت خزعبلات وخرافات ، وأصحاب الأفكار الرديئة يصعدون ، ويختفى الرواد أو يمتون كمدأ ، ويشوة الزعماء .
إن شخصيتى تتغير ببطء على نحو غير جيد ، وأخشى عليها من الأنهيار .

هل أنا فى حالة كتابة اليوم ؟
اليوم أنا فى حالة كتابة !
أشياء كثيرة ومشوشة ، ومجرمة ومحزنة وغير سعيدة تمر بى ، هل الأقدار تلعب دوراً مهماً فى حياتى ؟
لماذا إذاً قتلنا الإله ؟ عندما كان ينزل الطفل من بطن أمه صارخاً ، وأسأل جدتى بخوف وفزع : لماذا يصرخ هكذا ياجدتى ؟
كانت تضحك بسعادة بالغة وتقول بحكمة العارف : إنه يصرخ صائحاً ويقول " يارب لماذا أخرجتنى من الوسع إلى الضيق ؟
أضحك بفم طفلة غير واعية ، هل الدنيا ضيق ياجدتى ؟
تضحك بخبراتها الواسعة : نعم ياأبنتى ، الطفل فى بطن أمه يشعر أنه فى ملكوت واسع ، يأكل ويشرب ، ويمرح دون حساب ، أما حساب الدنيا عسير ياصغيرتى ، وتضمنى إلى صدرها الكبير الواسع وهى تبسمل ، وتقرأ الفاتحة على رأسى الصغير : ربنا يكفيكى شرها ياحبيبتى ، الدنيا غرورة ، أياك والغرور ياصغيرتى .
هكذا كانت الجدة الحبيبة الخبيرة بالحياة ومعتركها ، تنصحنا نحن الصغار ، وننام فى حضنها الدافىء الكبير أمنين سعداء ، لا نحلم بشىء سوى باللعب والمرح والضحكات ، وهى تظل ساهرة فى فراشها ، تدعو الإله الكبير فى علاه أن يحفظ أبنائها وأحفادها الصغار من غرور الدنيا ، وأن يرحمها ، هى الكبيرة المسنة من عذاب القبر ، وتظل طوال الليل تصلى ةتدعو الإله القدير إن يخرجها من دار البلاء بلا بلاء .
بلا بلاء ياجدتى كنت تحبين الخروج من الحياة ، لقد كثر البلاء والغلاء والفحشاء والمنكر ، صار الناس فى تكالب ، والضعفاء يزدادون يوماً بعد يوم .
أين دعواتك الرحيمة ياجدتى ؟
أعرف أن جدتى كانت تهرس مشاعرى الريئة بكل نصائحها ودعواتها لى بالستر .
أوعى تلعبى مع الصبيان فى المدرسة .
أوعى تخدى منهم حاجة .
أوعى تقفى جنب ولد فى الطابور .
أوعى حد من الأولاد ياخد أكلك .
أوعى ..
أوعى ..
رحمتك ياجدتى ، فأنا طفلة صغيرة فى السابعة أو الثامنة من عمرها كيف لها أن تعرف مكر الأولاد وحنقهم ومكرهم ؟
وكانت تفصلنى فى النوم عن أخوتى ، ظللت أنام إلى جوارها مذ كنت طفلة صغيرة حتى أن بلغت الثانية عشر فأصبح لى سريراً بمفردى ، كنت لا أحب ولاأضحك ولا أأكل ولا أنام إلا مع نفسى وبمفردى .
وعندما كبر الأولاد صرت أنا البنت الوحيدة بالبيت التى تخاف من الصبيان ولا تلعب معهم ، وكانت ترتعش بشدة فى المحكمة عندما صحا الحاجب منادياً على أسمها بغلظة وقوة ، ووقفت أمام القاضى فى خوف وصمت شديد .

                           ********************************

قصة فأل سئ

  فأل سئ لا أعرف بالضبط ماذا حدث لي؟ منذ ليلة أمس وأنا تنتابني حالة من العراك والغضب الزائد، لقد ألغيت لقاءً كان مهما بالنسبة لي في العم...

المتابعون