الجمعة، 7 أكتوبر 2016

قصة الوارثة

الوارثة


     بداخلى جرح لا يدمل ، وثمة موسيقى تبحث عن عازف !
هكذا بدأت كلماتها وهى تلوح لى بيدها البضة الصغيرة ، ثم جلست أمامى على الكرسى الهزاز المجاور للنافذة ، وأخذت تنظر طويلا نحو السماء الغائمة فى منتصف النهار .
أخذت تنظر وتتمعن فى الغيوم ، وبعض السحابات السوداء تسير ببطء شديد فتخفى وراءها ضوءً نادرا ما قد يلمع للحظة ثم يختفى خلف سحابة أخرى .
ألتفتت نحوى بجهد شديد ، وأنا أمد يدى لها بفنجان القهوة والذى صنعته خصيصا لها على نار بابور السبرتو الصغير .
أخذت الفنجان من يدى ، وبيد مرتعشة رشفت أول رشفة منه ، ثم صدرت عنها آه طويلة وقالت بصوت منغم حنون : الله ، القهوة طعمة بشكل .
ضحكت بعض الضحكات القليلة المنتصرة ، وأنا أرشف رشفة من كوب القهوة الذى فى يدى ( كنت أحب شرب القهوة فى كوب صغير وهى تحب شربها فى فنجان ) هكذا تحدثنا طويلا فى هذا الموضوع فى مرات سابقة ، كانت تقول لى أن أباها كان يحب القهوة فى فنجان مخصص له ، فورثت هذه العادة عنه .
وأنا أضحك وأعلق على كلامها : إذا أنت الوارثة !
كانت تضحك وهى تحرر خصلات شعرها الأسود الكثيف من أسر الفيونكة الكبيرة ، وتنظر نحوى بعينين ثاقبتين ، وتستدرجنى إلى الكلام عن طفولتى فى وسط عائلة كبيرة ممتدة وسعيدة من وجهة نظرها ، وكانت تعلق كثيرا عن السعادة البالغة والتى كانت تشعر بها وهى وسط أمى وأخوتى ، وتستمتع بأحاديث قديمة من أمى وعمتى عن الحياة والغلاء ومتطلبات الفقراء وسعادتهم ، وحريق القاهرة وثورة 52 ، وأزمة 54 بين عبد الناصر ومحمد نجيب ، ونكسة 67 وتنحى عبد الناصر ، وكم من مرة قصت هى علىّ قصصا طويلة عن حركة العمال والطلبة فى الجامعة فى السبعينيات ، وكيف كانت تخرج فى المظاهرات أيام الرئيس السادات وجميع الطلبة يطالبون بالحرب وتحرير الأرض ، وأحداث يناير 77 ورفتها من عملها فى التربية والتعليم ، وسجن زوجها .
وظلت تحكى لى هذه الحكايات على مدار الخمسة وثلاثين عاما هى تاريخ علاقتنا منذ رأيتها فى المرة الأولى عام 86 بصحبة صديق قديم فى بيت أحد الأصدقاء بمنطقة شبرا الخيمة .
ومن يومها وظلت العلاقة بيننا قائمة ، تطول بعض الشىء وتختفى بعض الشىء بحكم عملها وأنشغالها فى فرقة المسرح ، والتجوال معهم فى بعض المحافظات .
وكانت تأتينى دائما فى الشتاء ليلا بملابس بلالتها الأمطار ، وتفرد يديها الباردتين على نار الوابور الجاز ، وتستمتع بالدفء معنا أنا والبنات ، وأنا أقوم بتحمير قطع البطاطس وألتهامها ساخنة حتى تبعث الدفء ، ونستدفىء بوشيش الوابور ، وتتواصل الحكايات حتى تنام البنتين ، وأجلس أنا وهى فى حجرة المكتب نتناول القهوة ونتبادل الحوارات والضحكات والحكايات والأشعار ، وآخر الكتابات لى ولها .
ونظل هكذا حتى يطل علينا الفجر بصوت الآذان الدافىء المنبعث من خلف الشيش المغلق ، فنردد فى نفس واحد : الله النهار طلع .
أدخل الحجرة ، أنام مع البنتين وأستدفىء بهما ، وهى تدخل حجرتى التى هجرتها منذ وفاة زوجى وتنام على السرير فى سعادة بالغة ، وتذهب فى النوم بعيدا بعيدا مع حراسها وملائكتها وأحلامها .. واسمع صوت شخيرها الضعيف بدأ يعلو ويأتى إلىً من خلف الباب المغلق ، أضحك قليلا ثم أغلق عينيى وأذهب فى ثبات عميق .

                                               
*************************************************



قصة قصيرة (عزيزي أصلان)

  عزيزى أصلان     الآن وللمرة الثانية انتهى من وردية ليل . لم يكن يشغل بالى سوى العم بيومى وهو يرفع وجهه ( أول دور مش تانى دور ) جملة ...

المتابعون