الاثنين، 24 نوفمبر 2014

رواية للأطفال



ضيعة القطط البيضاء
رواية للأطفال
للكاتبة صفاء عبد المنعم
2014
الحكاية الأولى
................
كان ياما كان ..
ضيعة صغيرة ، صغيرة جدا
محصورة بين جبلين كبيرين ، تعيش فى هذه الضيعة مجموعة من القطط البيضاء ذات الشعر الكثيف ، و تحكم هذه الضيعة جدة عجوز حكيمة هى أكبر القطط سنا وخبرة .
و القطط الصغيرة تحب أن تلعب حول الجدة العجوز سعيدة ومبتهجة بشروق الشمس صباحا ، وخيوطها الذهبية الحمراء ترسل لهم الدفء والنور ، وتضحك مع الصغار وترسل لهم قبلات طيبة كل صباح ..
-     صباح الخير ياصغارى .
-     صباح الخير أيتها الشمس الكبيرة .. أنعم الله عليك بالصحة والعافية .. أيتها الطيبة الجميلة .
-     شكرا ياصغارى شكرا .
-     وتضحك الجدة العجوز حاكمة الضيعة فى ود وصفاء ، وترسل إشارة من رأسها الكبير تحية للشمس على حبها للصغار .
-     وفى الليل .. تجمع الصغار حولها ، وتحكى لهم الحكايات القديمة المسلية عن الضيعة وعن الأجداد وتاريخ البطولات القديمة مع الغربان ، حتى يعود الكبار من العمل وجمع الطعام .
-     و دائما هناك فراشات بيضاء تلف وتدور حول راس الجدة فى هالة كبيرة ، وأخرى ملونة بألوان زاهية ترفرف حول الجدة الحكيمة كلما جلست تحكى للصغار.

وفى يوم من الأيام غابت الشمس ، وأشتد البرد على الصغار ، وكانت الأمهات تلتف حول الصغار على شكل كورة من الصوف الأبيض المبلل بالثلج ، ولم تستطع الأمهات تدفئة صغارهن من البرد ، وأخذ يتضرع الكبار إلى الله أن يرسل لهم الشمس الكبيرة كى تنشر أشعتها الذهبية لتدفىء الأرض الباردة .
وأصبح الثلج يزحف تدريجيا على الضيعة الصغيرة ،ويغطى قمم الجبال العالية ، وأختفت الفراشات البيضاء والملونة  ولم تعد تظهر ولا تطير حول الجدة العجوز .
هرعت القطط الكبيرة نجو الجدة الحكيمة حاكمة الضيعة وسألتها : ماذا نفعل ياأمنا الحكيمة ، الأطفال الصغار سوف تتجمد من البرد ، ونحن لم نعد نخرج للبحث عن الطعام ، فسوف نهلك جميعا من الجوع .
قالت الجدة الحكيمة : ياصغارى هذا أختبار وبلاء ، علينا بالصبر والدعاء والتضرع إلى الله .
قالت قطة حزينة : لقد دعونا وصلينا كثيرا ، ولكن شتاء هذا العام قارص وشديد البرودة ، والصغار سوف يتجمدون .
قالت أخرى : أنظرى ياحكيمة حولك الثلوج تغطى الجبال من حولنا لابد من الهجرة .
قالت قطة شجاعة : نهجر أرضنا ، ومكان أجدادنا ، وأحفادنا الصغار أين يعيشون ؟!
قالت الجدة الحكيمة : المكان ياأولادى ليس مساحة من الأرض نعيش عليها ، المكان ذكريات وتراث وعظام أجدادنا مدفونة فيه .
قالت قطة باكية : لابد من وجود حل سريع ، بدلا من الرحيل وترك المكان .
وهنا تدخل قط شاب شجاع قائلا : ياجدتنا الحكيمة ، أنعم الله علينا بالخير والسلام منذ سنين طويلة ، وعشنا هنا حياة كريمة رغدة وسعيدة ، يجب أن نرضى الله بالعمل كى يرضى عنا .
قال قط آخر : نحن تعودنا معشر القطط ذات الشعر الأبيض الكثيف على الراحة والهدوء ، وكنا نجد طعامنا بسهولة ويسر حولنا فى كل مكان ، فلابد من التعاون ، وتقسيم العمل بيننا .
ردد الجميع : رأى صائب ، نعم لابد من تقسيم العمل بيننا .
قال القط الشاب الشجاع : مجموعة تحرس القطط الصغيرة وتدفئها .
ومجموعة تبحث عن الطعام .
ومجموعة تحرس حدود الضيعة من الأعداء .
ومجموعة كبار القطط الأجداد والجدات يصلون ويبتهلون إلى الله كى يرضى عنا ويرسل لنا الشمس الكبيرة الدافئة .
قالت القطة الحكيمة : رأى صائب أيها الشاب الشجاع ، لابد من تقسيم العمل والتعاون بين الجميع .
ومنذ هذا اليوم ياصغارى القطط ، أصبح للضيعة الصغيرة المحصورة بين جبلين كبيرين والتى يسكنها القطط البيضاء ذات الشعر الكثيف قانون ينظم الحياة بين الجميع .
وبعد ثلاثة أيام من تاريخ هذا الإجتماع أرسل الله الشمس الكبيرة المشرقة الطيبة .
والشمس أرسلت ضفائرها الذهبية الحمراء الطويلة ، لتشع لنا الدفء والضوء ، واعتذرت لنا أسفة وقالت : أنا أسفة جدا ياصغارى لأننى غبت عنكم كثيرا ، ولكننى كنت فى عمل شاق وبعيد ، كنت أدفىء الجزء الثانى من كوكب الأرض .. أنا اسفة .
وأعتبرنا هذا اليوم عيدا للضيعة الجميلة ، وعادت الفراشات البيضاء والملونة ترفرف من جديد .
ومرت الأيام وأيام ، والقطط تعيش فى سعادة وهناء بفضل وجود قانون ينظم العمل والتعاون بين الجميع ، وكبر القطط الصغار وصاروا شبابا .
وقررت قبل أن أرحل ياصغارى ، وأدخل عند السحب السوداء المجهولة و البعيدة والتى توجد خلف الشمس أن نختار من بيننا رئيسا جديدا لهذه الضيعة الجميلة ، وأنتم ياصغارى سوف تصبحون فى المستقبل شبابا يافعين ، وتختارون من بينكم حاكما لكم ، يحكم بينكم بالعدل .
قال الصغار مبتهجين : مارأيك ياحكيمة فى الشاب الشجاع الذى أقترح  نظام تقسيم العمل ، فهو الآن كبيرا ويملك عقلا راجحا ومفكرا ذكيا .
قالت القطة الحكيمة حاكمة الضيعة : أطلبوا منه أن يرشح نفسه مثل غيره ، وسوف يتم الأقتراع بالعدل ..  أذهبوا إليه .

                        ********************


الهر السعيد

قال أبن الحاكم لبيه : ياأبى أريد أن أصبح حاكما بعدك مثل أبناء المملك الأخرى .
قال الأب : ليس كل أبناء الحكام حكاما .
فى ضيعتنا ، ضيعة القطط البيضاء تم أختيار الحاكم بناء على طلب أبناء المملكة ، أيامها كنت أنت صغيرا ، ولم تبلغ الحلم بعد ، فورث أهل الضيعة هذا النظام لأبنائهم ، فلا بد من أحترام القوانين ، لا بد أن يكون الحاكم القادم بالإنتخاب ، وهذا هو النظام عندنا .
غضب القط الشاب كثيرا من أبيه الحاكم ، وسار خارج الضيعة حزينا .
 رأه الغراب الأسود الذى يملك مملكة الغربان فوق الجبل ، فطار وحط إلى جواره ، وسأله بخبث :  لماذا أنت حزين أيها القط الشاب ؟.
نظر له القط الأبيض وقال  بإمتعاض : أبى الحاكم لا يريد أن أكون حاكما مثله .
ضحك الغراب فرحا ، وسار بضع خطوات عرجاء ، وهو ينط ويقهقه : أتريد أن تصبح حاكما ؟
قال القط الشاب مغرورا : نعم ، فأنا الآن أعيش فى سعادة وحياة رغدة ،لأن أبى هو الحاكم ، ولكن إذا جاء حاكما آخر من بعده فكيف يكون مصيرى ؟
قال الغراب الأسود مفكرا : لا تحزن ياصغيرى ، سوف تكون مثل عامة الشعب ، قط تأكل وتعمل ، وتتزوج .. وهكذا .. سوف تصبح قطا عاديا ، وتضيع من يديك جميع الأمتيازات التى تربيت عليها بصفتك أبن الحاكم .
حزن القط الشاب وقال : والآن ماذا أفعل ياصديقى الغراب الحكيم ؟
سار الغراب عدة خطوات مبتعدا عن القط وهو يفكر وقال له :زرنى فى مملكتى غدا ، فأنت ضيفى ، وسوف نفكر ونتدبر
الأمر معا .
ثم طار بعيدا ، وحط فوق قمة الجبل وهو يتأمل بخبث شديد القط الشاب وهو يفكر حائرا .
قال القط فى نفسه : ولماذا غدا ، من الآن سوف أصعد إلى الجبل ، وعند مطلع الشمس أكون فى مملكة الغربان السعيدة .
سار القط الشاب سعيدا بفكرته ، وقرر أن يذهب إلى مملكة الغربان دون أن يخبر والده الحاكم ، ولا أمه .

                       ********************

الحكاية الثانية
...............
دخل الظلام مداهما ضيعة القطط البيضاء ، وصار كل شىء أسود ومخيف ، لأن القمر لن يظهر هذه الليلة .
قلق الأب الحاكم على أبنه كثيرا ، وأبلغ جميع حراس الضيعة بالبحث عن أبنه الغائب .
قال حارسا كان يقف على الحدود ، ورأى القط الشاب وهو يصعد الجبل ، متجها إلى مملكة الغربان : ياسيدى الحاكم لقد رأيت القط الشاب فى أول الليل وهو يتجه نحو الجبل سعيدا ، قاصدا مملكة الغربان ، وأعتقدت أنه ذاهبا فى مهمة رسمية ، لذا تركته يسير .
غضب الحاكم وقال فى نفسه : لابد أن أبنى يدبر شيئا مع ملك الغربان الخبيث ، ولذا لابد من أتخاذ اللازم .
أمر حاكم ضيعة القطط البيضاء بحضور جميع القطط إلى الساحة الكبيرة ، للتشاور فى الأمر ، واتخاذ القرار المناسب لموقف أبنه ، وذهابه بمفرده إلى مملكة الغربان ..فإن فى الأمر سوء .
أشعل حراس الضيعة المشاعل ، وأجتمع جميع القطط فى الساحة الكبيرة .
وقال لهم الحاكم : يا أهل الضيعة الكرام .
أنتم منذ سنوات أخترتم رئيسكم بحرية ، وكنت حاكما أمينا عليكم .
بالأمس طلب أبنى أن يكون حاكما ، وأنا رفضت طلبه هذا ، فمن يرى فيكم نفسه يريد أن يكون حاكما فليتقدم ، ويرشح نفسه هو وأخرين معه ، لأننى منذ هذه اللحظة أستقيل ، وسوف أذهب بمفردى إلى مملكة الغربان بصفتى قطا عاديا ، وليس بصفتى حاكما ، كى أعيد أبنى إلى الضيعة سالما .

                             **************

المدونون
.........
كتب حكماء الضيعة المدونون هذه الحكاية منذ بدايتها ..
يخرج الأب الحاكم من ضيعة القطط البيضاء ، بعد أن تخلى عن حكم البلاد لحاكم جديد ، أنتخب فى الساحة من جموع القطط الشابة التى ترشحت للحكم ، وأشرف على الأقتراع بعض القضاة والحراس .
ثم توجه إلى مملكة الغربان بمفرده ، ورفض أن يرافقه أحد فى رحلته للبحث عن أبنه القط الضال ، وأخذ معه فى رحلته قلما وألوانا وبعض الأوراق ، وقليل من الزاد ، ليقتات به فى الطريق .
وعند بداية المساء خرج القط الحاكم السابق لضيعة القطط البيضاء متوجها نحو الجبل الذى يسكنه الغربان وهو مرفوع الرأس سعيدا برحلته للبحث عن أبنه .. ووراءه سرب من الفراشات البيضاء والملونة .

                      *******************
الرحلة
.......
كان الطريق طويلا ، خاصة وأن القط الحاكم السابق لم يعد شابا ، ولكنه مازال يملك الحكمة والذكاء والشجاعة .
قال فى نفسه : لابد من تدوين الرحلة ، ورسمها ، كى تصير كتابا فى البطولات ، ولابد من أن أعود وأمارس هوايتى المفضلة ، وهى الرسم ، فأنا كنت أحب هذه الهواية وأفضلها ، وكثيرا تمنيت أن أكون رساما مثل ( بيكاسو أو جوجان) وغيرهما مما قرأت عنهم فى كتب المدرسة .
مدرسة القطط التى ذهبت إليها وأنا طفلا صغيرا ، وتعلمت الكثير من جدتى القطة الحكيمة حاكمة الضيعة السابقة ، وعلى يد المعلمة كيتى ، والمعلم شيكو ، والمديرة ساسا ، والصغار أصدقائى تيكا وبيكو وترتر وبيتسى زوجتى الجميلة ، والقط الشقى ظاظا صديقى العزيز .
يالها من أيام جميلة ربما فى رحلتى هذه أدون بعض الزكريات الطفولية الممتعة ، كلما هبت نسمات الليل الطويل .

                ***************************

الصورة الأولى
.................
رسم القط الحاكم السابق ، صورة كبيرة لزوجته بيتسى القطة البيضاء ذات الشعر الكثيف ، الطيبة الحنون ، أم أبنه الوحيد المدلل السعيد ، والذى كان يريد أن يكون حاكما مكان أبيه ، ونسى قانون الضيعة الذى تم صياغته منذ سنوات طويلة .
رسم قطة بيضاء كبيرة ممشوقة القوام ، كثيفة الشعر ، تقف أمام بيت كبير مزين بزهور السوسن والنرجس والبنفسج ، وبعض الفراشات الملونة تطير حولها ، وقط صغير يقف على مبعدة منها ، ويتأمل وجهها الشاحب العجوز .
                    *******************

الصورة الثانية
.................
رسم صورة قط شاب أبيض جميل ، يمرح سعيدا داخل حديقة بيت واسعة ، وبعض الزهور الجميلة من الجهينة وست الحسن تميل نحوه ، وهو يتأملها فى حزن ، وفراشات ملونة تطير حوله .

                    **********************

المدونون
...........
خرج القط الأبيض الحاكم السابق منذ أيام طويلة ، وإلى الآن و لم ينسى جميع من فى الضيعة حاكمهم السابق ، يسألون عنه كثيرا ، لأنه محبوبهم ، والزوجة الحزينة مازالت تنظر بعينيها البراقتين نحو الطريق الذى خرج إليه .
وقرر الحاكم الجديد عقد إجتماع طارىء فى الساحة الواسعة لجميع أهل الضيعة من القطط البيضاء الجميلة كثيفة الشعر .
        ********************
الصورة الثالثة
................
أستراح القط الحاكم السابق تحت خميلة جميلة ، نبتت فى وسط الطريق بين الجبل والضيعة ، ولا أحد يعرف كيف نبتت ومتى وجدت .. غير أن الشمس بدأت ترسل ضوءها الخافت فجرا كى يضىء الطريق ، ويزيح بعض سواد الليل السابق .

رسم القط صورة لضيعة صغيرة وجميلة ، يعيش جميع أهلها فى محبة وسلام .
وقطط بيضاء صغيرة تنام إلى جوار أمهتها ، تنعم بالدفء والراحة . وكتب بعض كلمات مرتعشة ..
الدفء ..الضوء .. الحب .. السلام .. الطمأنينة .

                          *****************




مملكة الغربان
...............
تسربت شعاعة شقية من شعاعات الشمس الحمراء الشقية ، وهرولت نحو ملك الغربان ، ووشت له فى أذنه بحضور حاكم ضيعة القطط البيضاء السابق بمفرده نحو مملكة الغربان ، وانه لا يملك سيفا ولا عسس ، بل معه ورقة وقلما وبعض الألوان .
قهقة ملك الغربان منتشيا وقال فرحا : ياحراس أستعدوا لحرب ضروس قادمة .
إن حاكم ضيعة القطط البيضاء فى طريقه إلينا ، يالها من رحلة ممتعة .
إن شعاعة خبيثة شقية من أشعة الشمس الحمراء الساطعة وشت لى فى هسهسة متقطة داخل أذنى بأن الحاكم السابق جاء بمفرده ، ياله من حظ سعيد ، وهو الآن فى وسط الطريق .
علينا بالأستعداد .. ثم نادى : أيها القط الشاب أبن الحاكم السابق لقد جاء أبيك إلى مملكتنا ،ويرد سوء بنا ، فماذا أنت فاعل ؟
قال القط الشاب متلعثما وخائفا : الأمر أمرك ياملك الغربان ، وإن كنت تريد قوتى ، فأنا معك .
قهقة ملك الغربان منتصرا ،وهو يعلو بصوته متباهيا أمام شعب الغربان السوداء : أرأيتم معشر الغربان الطيبين ، أبن حاكم ضيعة القطط البيضاء معى ، وملكى ، أأمره بما أشاء ، وأفعل به ما أريد ، ياله من حظ تعس له ، ما رأيكم ياشعبى الحبيب .
قهقهة الغربان قهقهات عالية ، ورفرفة بأجنحاتها السوداء كثيرا ، فغطت على ضوء الشمس المشرق فى الصباح ، وأختفت الشعاعة الواشية الخبيثة الشقية ، خائفة من أمها الشمس ، ووقفت فوق شجرة عالية ، تنتظر قدوم الحاكم .
                             *******************

الصورة الرابعة
....................
صعد الحاكم السابق لضيعة الققط البيضاء مسافة كبيرة من الجبل ، فجلس يستريح قليلا ، وأخرج بعض الزاد القليل ، وأخذ يأكل فى صمت متأملا الضيعة عن بعد ، وقمة جبل الغربان قريبة منه .
ثم رسم صورة جديدة لمملكة الغربان متخيلا منظر الغربان وهى ترفرف وتصفق بأجنحتها السوداء ، وتخفى ضوء الشمس الساطع عن المملكة ، فصارت المملكة فى ظلام مؤقت .
                    *************************

 ضيعة القطط البيضاء
.........................
جلس الحاكم الجديد على العرش وقال  لشعب القطط البيضاء : أيها الشعب الرقيق ، لقد توليت أمر الحكم برغبتكم وبأختياركم ، ولكن لابد من الذهاب وراء حاكمنا السابق كى نعيده إلى الضيعة هو وأبنه ، فنحن جميعا نعرف مكر ملك الغربان وكرهه الدفين لضيعتنا الحبيبة منذ أيام جده الأكبر الذى غزا ضيعتنا قديما ، وكان يريد أن يغير علينا ويخرجنا من أرضنا الخضراء الفسيحة ، جنة القطط ، وتم طرده هو وجيشة الأسود على يد أجدادنا السابقين  ، لقد سمعنا هذه الحكاية من الجدات الكبيرات حين كنا أطفالا .
والآن حاكم ضيعتنا القط الشجاع يواجه مصير غامض بمفرده ، ويريد أن يعيد أبنه الضال من مملكة الغربان بأعلى الجبل .

                      *********************
الصورة الخامسة
...................
أرسلت الشمس الكبيرة أشعاتها الكثيرة الطيبة ، وضوءها المنتشر فى كل مكان ، وجاءت نسمة رقيقة طرية من ناحية ضيعة القطط البيضاء وقبلت وجه الحاكم السابق ، فتبسم لها ، فهمست فى أذنه : لاتحزن شعب الضيعة الطيب يقف وراءك .
نظر القط الحاكم أسفل الجبل ، رأى جيشا كبيرا يصعد ، تنفس الصعداء بارتياح ، واخذ يرسم صورة للجيش الكبير ويلونها .
                                    *****************
مملكة الغربان
...............
نظرت شعاعة الشمس الواشية للغربان من فوق الشجرة العالية التى تقف عليها ، فرأت الحاكم السابق يرسم صورة كبيرة لجيش كبير يزحف صاعدا الجبل .
قفزت الشعاعة من فوق الشجرة فى سرعة وخفة ، ووقفت على كتف ملك الغربان وهمست فى أذنه بما رأت .
                        *********************
الجيش الصاعد الكبير
........................
تسابق الحراس الأقوياء ، حراس الحاكم السابق فى الصعود بخفة ورشاقة إلى الجبل ، حتى وصلوا إلى القمة ، ووقفوا أمام يد الحاكم السابق القط الشجاع ، وانضموا إليه ، خاف عليهم الحاكم السابق ، وسألهم : لماذا أرهقتم أنفسكم بالصعود نحوى ؟
قال له كبير الحراس : أيها الحاكم الحكيم لقد كنا شبابا معا ..
وعملنا معا ، وكنا أطفال صغار  فى مدرسة واحدة ، وكنت خير حاكم لنا بعد الجدة الحكيمة، فكيف نتركك الآن ، وانت وحيد ...
لقد وضعت القوانين ، ونظمت العمل ، وحكمت بالعدل بيننا .
                                ****************
الصورة الأخيرة
...................
قط كبير يقف وسط مجموعة من شباب القطط البيضاء وهو سعيد ، واشعة الشمس المشرقة ، تنظر إليهم من علياءها وهى سعيدة ضاحكة .
                         ***********************
مملكة الغربان
................
بعد أن سمع ملك الغربان خبر وصول جيش القطط البيضاء عند الجبل ، ووشت له شعاعة ضوء خبيثة منفلتة من حضن أمها الشمس الكبيرة المشرقة ، نادى على الحراس ، وامرهم بالوقوف أعلى الشجر لمتابعة الأخبار .. ثم نادى على أبن القط الحاكم السابق ، وسأله : أنا برأس أبيك .. أريدك أن تحضر لى رأس أبيك ، وتلقى بها تحت قدمى ، أذهب وأحضرها حالا ، وإلا سلطت عليك الغربان الجائعة من القناصة الخاصة بى وفتكت بك حالا .
تردد القط الشاب المغرور أبن الحاكم السابق لضيعة القطط البيضاء ، وقال للغراب : أين جيشك ، أين حراسك ، أتتخلى عنى الآن ؟
ضحك الملك الغراب مقهقا : جيشى وحارسى يحمون مملكتى جيلا بعد جيل ، ومنذ المعركة التى خسرها أجدادى القدامة عند ضيعة القطط البيضاء ، ونحن بيننا عهود لانخونها أبدا ، لن نهاجم جيش القطط البيضاء ، فهو جيش قوى ومدرب بشكل جيد .
أما أنت أيها الهر فاذهب ، وحارب بمفردك .
                       ***********************
لقاء
....
خرج القط الشاب مطرودا من مملكة الغربان ، ووقف على مبعدة من أبيه وجيش القطط البيضاء ، وقف حزينا وهو يشعر بالخزى والعار ، واضعا عينيه فى الأرض ، ولم ينظر نحو أبيه ، وقال بصوت واهنا ضعيفا مشحون بالألم والإنكسار : أبى الحبيب لقد خرجت عن طوع أمرك ، وخانتنى  شجاعتى ، وغرتنى قوتى ، كنت فى ضاحية القطط البيضاء ، أعيش سعيدا ، فرغبت فى السلطة كى استحوذ على السعادة ، وانعم بنعيم الملك والحكم ، ونسيت أن المحبوب محبوب لعدله ، وسعيد بحب من حوله ، وان الطغيان جبروت ، والجبروت حقد أسود لا ينمو إلا فى مملكة الغربان السوداء العلية فوق الجبل ، ونسيت ما غرثه الأجداد فينا من شجاعة وصفو وحسن المعاشرة ، وأبتعدت عن حمتك ، وكنت أريد أختراق القوانين ، وأنتهاك  دستور الضيعة الذى وضعته .
حقيقى أنا أسف ياأبى ، ولا أستحق رعايتك ، وهذا الجيش ، وهؤلاء الحراس الذين لم يتخلوا عنك ، لأنك حكمت بينهم بالعدل .
أشرقت الشمس مبتهجة وواضعة فى كبد السماء ، وسعيدة بما سمعت من القط الشاب ، فانسلت شعاعة كبيرة وحامية ، وسقطت على خد القط الشاب وقبلته ، فشعر بسخونتها القوية ، فنزلت بعض الدمعات الحزينة على خديه .
                    *************************





حكاية أخيرة
الشمس
..........
تسطر الشمس سطورا من ذهب بأشعاتها الحمراء الذهبية ، فتكتب حكايات شعوب ولت ، وممالك أندثرت ، وتحكى حكايات الجدات السابقات ، وتهمس بدفء فى الشتاء للأمهات وهن يرضعن صغاهن
بأغنيات عذبة .
إنها الشمس ، صاحبة الأرض ، ومرسلة الدفءوالضوء والنور للكون .
فتضىء طريق العابرين والمسافرين ، وتدفىء العجائز فى أيام الشتاءات الباردة ، وحرارتها اللاذعة القوية فى الصيف تقتل مئات الجراثيم ، وتحيى مئات الزهرات فى الربيع ، وتنشر أشعتها الذهبية صباحا ، فتزيح سواد الليل الدامس عن عيون الصغار كى يستيقظوا مبكرا ، ويذهبون إلى مدارسهم ن ليتعلموا الحكمة والشجاعة ، والعلوم النافعة ، ويمرحون مع أقرانهم الصغار ، ويغنون الأغانى والأناشيد .
وتوقظ الفلاح ليذهب إلى حقله نشيطا ، يزرع بيديه القويتين حقول وبساتين ، وأشجار لوز وعنب ونخيل ، إنها الشمس توءم الأرض وحبيبتها منذ ملايين السنين ، ترسل دفئا وحبا ، وضوءا ساطعا .
منذ الأزل وهى تشرق ، وتبتسم بسمتها الكبيرة المضيئة ، وتغضب فتغمض عينيها الكبيرتين ويحل الظلام الدامس ، وتحكى الحكايات البعيدة والعديدة ، وتهمس لأوراق الشجر ببداية الربيع ، وتوشوش الطيور كل صباح فى أعشاشها ، فتخرج مبتهجة تغرد للبكور ، ساعية للرزق .
تكتب الشمس بأشعاتها الذهبية الحمراء .. عاد الجيش منتصرا ..
                               


قصة قصيرة (عزيزي أصلان)

  عزيزى أصلان     الآن وللمرة الثانية انتهى من وردية ليل . لم يكن يشغل بالى سوى العم بيومى وهو يرفع وجهه ( أول دور مش تانى دور ) جملة ...

المتابعون