بقلم / صفاء عبد المنعم
أنجبت القطة كوكا البيضاء الكبيرة ، قطة
صغيرة لونها أصفر ذهبى .
الأم كوكا تخاف كثيرا على صغيرتها ، فتخفيها
فى مكان آمن بعيدا عن العيون .
وكل يوم فى الصباح تحذر الأم كوكا طفلتها
الصغيرة من الخروج بمفردها وحيدة فى غيابها ، حتى لا تضيع أو يأخذها طفل صغير
ويقبض عليها بيديه الصغيرتين ، ويغرز
أظافرة الصغيرة فى ظهر بيتسى الجميلة الذهبية .
بيتسى قطة صغيرة شقية ، تحب اللعب ، وتظهر
دوما بمظهر القطة الشقية المستقلة برأيها .
فعندما تخرج الأم كوكا من الصندوق للبحث عن
الطعام والماء لترتوى وتأكل وتعود محملة باللبن الغزير لطفلتها الصغيرة .
تتسلل بيتسى من بين فتحات الصندوق ، وتخرج
تلعب وتتقافز ، وتجرى وراء الذباب والفراشات الطائرة ، وتلهو مرحة وسعيدة .
وعندما تراها الأم كوكا وهى عائدة ، خارج
البيت تنهرها بشدة ، وتزمجر وتضربها بكفها الكبير على ظهرها ، وتحذرها بشدة وعنف ،
قائلة لها : بيتسى أنت صغيرة حمقاء ، لابد أن تسمعى كلام أمك الكبيرة ...
الولد الصغير ، إذا رأكى لن يتركك ياصغيرتى ، سوف يلعب
بك ، ويغرز أظافره فى شعرك الرقيق ، وربما يحضر حبلا طويلا ويربطه فى رقبتك ،
ويجرجرك به على الأرض ، وقد تموتين ، فهو طفل صغير ولا يعرف الخوف ، وهو قوى ،
لأنه أكبر منك يابيتسى ، ولحظتها لن استطيع أنقاذك من يديه ، لأنه سوف يصرخ ويملأ
الدنيا صياحا بصوته القوى الرفيع ، وربما تطردنا أمه من البيت ، ونضيع أنا وأنت ،
أو تموتين من البرد ، وأموت أنا حزنا عليك .
بيتسى الصغيرة لا تسمع كلام أمها .
وفى كل يوم تزداد شقاوة وجمالا .
وعندما تراها الأم ربة البيت تبتسم فى صمت ،
وتنظف لها الصندوق الذى تنام فيه بيتسى ، وتضع الطعام والماء للأم كوكا الكبيرة فى
طبقين منفصلين.
وفى يوم من الأيام أستيقظ الطفل أحمد من
النوم مبكرا ، وأخذ يبحث عن أمه فى البيت ، فرأها تقف بجوار صندوق كبير ، ترقد فيه
قطة صغيرة لونها أصفر ذهبى جميل .
صاح أحمد صارخا : قطة جميلة ، قطة صغيرة ،
ألعب معها ياأمى .
وأخذ يغنى لها : قطتى يامشمش ، يامحلى عينيك
، ليه بتقولى نونو ، لماذا القطة تنونو ياأمى ؟ هل هى جائعة ؟
أخذته أمه من يده وقالت له : القطة الآن
نائمة وهى صغيرة ، ولا تعرف اللعب ، أتركها تكبر قليلا ، وتخرج من الصندوق ثم تلعب
معك بعد ذلك ، وتمرح ، وتسعد بها ، فهى جميلة ولطيفة .
أرتدى أحمد ملابس المدرسة ، وخرج سريعا ،
وركب الباص وهو سعيد ا.
وجلس بين أصدقائه الصغار ، يحدثهم عن قطته
الذهبية الصغيرة .
قال له أصدقائه الصغار : الله ياأحمد ، نريد
أن نرى القطة ، ونلعب معها ، مااسمها ياأحمد ؟
قال أحمد : اسمها بيتسى ، أى الجميلة .
هلل الأصدقاء فرحين ، وقالوا : يوم الجمعة
القادم، نزور أحمد فى البيت ، ونلعب مع قطته الجميلة بيتسى .
فى صباح يوم الجمعة ، استيقظ أحمد من النوم مبكرا على غير عادته ، سمع جرس
الباب يدق بشدة ، وأصدقائه يتصايحون على السلم : أفتح ياأحمد ، أفتح ياأحمد ، لقد
حضرنا جميعا ، لكى نرى القطة الصغيرة ذات اللون الأصفر الذهبى .
فتح أحمد الباب .
جرى الأطفال بسرعة وأنتشروا فى البيت يبحثون
عن الصندوق الذى تنام فيه القطة الصغيرة بيتسى .
رأتهم الأم كوكا القطة الكبيرة ، وهم يقتربون
بشدة من الصندوق ، فخافت على صغيرتها ، وأخذتها بين أسنانها ، وجرت بها فى البيت
كى تخفيها بعيدا عن العيون ، وهى مزعورة وخائفة على صغيرتها الجميلة .
والأطفال يجرون وراءها .. وهى تجرى .. وأحمد
يقف حائرا ، ماذا يفعل
أستيقظت الأم على صوت صياح شديد ، وأبواب
تفتح وأبواب تغلق ، وزجاج المنضدة الكبيرة يسقط على الأرض مدويا ، ويتفتت إلى
شظايا صغيرة .
خرجت الأم من حجرتها فزعة ومزعورة ، ماذا حدث
فى البيت ؟ هل هناك زلزال يزلزل الأرض ؟ أم هناك حربا قامت فجأة ؟
وقفت الأم فى الصالة الواسعة ، رأت أبنها
أحمد يقف حائرا ، حزينا ، صامتا ، لا يعرف كيف يوقف أصدقائه ...
والقطة تجرى مزعورة فى رعب ، وأبنتها الصغيرة
فى فمها ، وتقبض عليها بفكيها الكبيرين .
والأطفال يجرون فى كل مكان .
نادت الأم على الأطفال ، لم يقف أحد فى مكانه
.
ظلوا يهرولون وراء القطة الخائفة على أبنتها
، ويحاولون جذبها بقوة من زيلها ، وهى تجرى وتختبىء.
خرج الأب من حجرته ، ورأى هذا المشهد ، وقف
للحظات صامتا ، ثم صفق بيديه وقال: الأطفال تجمع هنا حالا .
وقف الأطفال لدقائق ، وحاولوا الجرى وراء
القطة مرة أخرى .
جرت الأم وأغلقت الباب سريعا على القطة
المزعورة ، وحبستها فى حجرة النوم .
صاح الأطفال معترضين : نريد أن نرى بيتسى
الصغيرة ، نحن نريد أن نلعب معها .
جمع الأب الأطفال ، وحاول تهدائتهم وقال لهم
: القطة الكبيرة خافت على صغيرتها منكم ، لهذا جرت مفزوعة ، تريد أن تخفى صغيرتها
وتحميها ....كان لابد من الأنتظار حتى تكبر بيتسى قليلا ، وتعرف معنى اللعب ، ولا
تخاف الأم كوكا عليها .
أحضرت الأم بعض العصائر من الثلاجة للأطفال ،
وأجلستهم حولها على تربيزة السفرة ، وأخذت تحكى لهم عن خوف الأم على صغارها ، ولا
بد من حمايتهم حتى يكبرون ، وذكرت كل طفل كيف كانت أمه تفعل معه وهو صغير ، وكيف
كانت ترضعه ، وتغير له ملابسه ، ولا تحمله كثيرا ، بل تتركه نائما فى فراشه .
هكذا الحيوانات أيضا ، تخاف على صغارها من
الأعداء وخاصة الحيوانات المفترسة ، وتخفى
صغارها فى أماكن آمنه بعيدا عن العيون .
ووعدتهم عندما تكبر بيتسى الصغيرة بعض الشىء
سوف تحضرهم إلى البيت ، وتتركهم يلعبون مع القطة الصغيرة بسعادة وفرح .
وأن الأم كوكا القطة الكبيرة ، سوف تتركهم
يلعبون مع صغيرتها الجميلة دون خوف ... ثم أتت الأم بالموبايل الخاص بها ، وأخذت تفتح
لهم ملف الصور الخاص بالقطة كوكا وأبنتها فى لحظة الميلاد ، وكيف تتطعمها ، وكيف
ترضعها ، وكيف تنظف لها جسدها الصغير ، وكيف تنام بيتسى فى حضن أمها .
وحكت لهم أن بيتسى لم تولد بمفردها ، بل كان
معها قطتين صغيرتين جميلتين ، وكان لونهما أبيض جميل مثل الثلج ، يشبه لون الأم
كوكا ، ولكنهما ماتتا ، ولم يبق إلا القطة الصفراء ، ولهذا تخاف أمها عليها كثيرا
، وكل فترة تخفيها بعيدا عن عيون من فى البيت ، مرة داخل دولاب الملابس ، ومرة داخل
دولاب المطبخ ، والأم تبحث عنها كل يوم ، وتضع لها الطعام اللذيذ ، والماء الطازج
، حتى تشبع القطة الكبيرة ، وتطعم طفلتها الصغيرة .
فرح الأطفال بالصور التى شاهدوها فى الموبايل
، ووعدوا الأم بأن يعودوا بعد ذلك لمشاهدة القطة الصغيرة عندما تكبر .
ووعدتهم الأم بصور جديدة لبيتسى ، وبأنها سوف
تقوم برفع الصور الجميلة على صفحتها فى الفيسبوك حتى يشاهدها جميع الأصدقاء ،
ويفرحون معهم .. وأنها سوف تكتب قصة تروى فيها ما حدث اليوم ، وتسميها ( بيتسى
أبنة كوكا ).
بعد أن خرج الأطفال من البيت .
جلس أحمد بجوار أمه وأبيه وهو صامت وحزين ،
ولا يعرف ماذا يقول أو كيف يكفر عن خطأه ، وما فعله أصدقائه فى البيت ، وأنهم
حضروا على غفلة ، ولم يخبره أحد بحضورهم ... وأنه هو المخطىء لأنه حكى لهم عن قطته
الصغيرة ، ثم أخذ يبكى .
قالت له الأم وهى تحتويه بين ذراعيها : لا
تبكى ياصغيرى ، أنهم أطفال صغار يتصرفون بعفوية وطيبة وحب شديد ، ولكن أنصحهم بالأستاذان
قبل الحضور إلى البيت ... حتى نكون على أستعداد للأستقبالهم .
فرح
أحمد بهدوء والده ، وطيبة أمه ، وقال لهما : أنا أسف ياأبى ، أنا أسف ياأمى .. سوف
أدخر من مصروفى اليومى ، وأشترى زجاجا جديدا للمنضدة التى كسرهها أصدقائى .