الحبل السّرى
غريبة هذه الرواية !
كتبت عناويين الفصول
والمحاور الرئيسية , والحشو يأتى على دفعات مثل دقات القلب .
هاميس تملك مشاعر
عاقلة , يقودها العقل مثلى .
هاتفتنى هذا الصباح ,
صديقتى أبتهال وهى
تصرخ فى الموبايل وكاد صوتها يخرق طبلة أذنى بعد أن عرفت خبر مرضى وأجراء عملية
أستئصال ورم من الثدى لى , قالت : أحنا
عملة نادرة ياحبيبتى , حاولى تحافظى على نفسك عشان خاطرى .
وعاهدتها أننى سوف
أحاول .
منذ مدة طويلة وأنا أشعر
أننى شخص غريب فى هذه الحياة , حتى أحيانا تكون أرائى غريبة ومختلفة عمن حولى .
وأننى أشبه ( كاهنة
قديمة فى معبد دلفى) أو فى (معبدحتحتور بدندرة), أو طبيبة عجوز فى( بيت الحياة )أعلم الصغار كيفية الحفاظ على الروح والحياة ,
وأحيانا كثيرة ونادرة , أشعر أننى تلك الشابة – العجوز - التى كانت تقف على مبعدة
من مشهد مقتل ( هيباتيا ) الفيلسوفة المصرية القديمة , وعندما تناثرت أعضائها
وبقايا أشلاء جسدها الممزق من السحل فى شوارع الأسكندرية .
قمت من مكمنى فى الليل وغطيتها بردائى القديم
الممزق علىّ , أستر عورتها وما بقى منها .
هذه هى أنا .
روحا طواقة للحرية والحب
, وجسدا ثقيلا يشبه جسد سلحفاة عجوز , ولدت منذ مئات السنين وترقد الآن تحت شجرة
جميز عتيقة على حافة النهر العظيم "حابى" جدى القديم .
لى أجداد كثيرين , وعظماء , وأفتخر بأنتمائى لهم , لقد أخترتهم
طواعية وحبا فى التشبه بهم ( جدى بتاح حتب , أمى الآلهة ماعت ربة العدل , أبى تحوت أله الحكمة والعلم , عمتى حتشبسوت ملكة مصر , خالتى الصغرى هيباتيا , خالتى الكبرى حتحور شجرة
الجميز ) هذه هى أسرتى التى أختارتها وأعيش فى كنفها وبين جنباتها سعيدة ,و مستقرة
, وكلما قرأت عن شخص عظيم وكبير ضمتته الى عائلتى المقدسة ( جمال عبد الناصر ,
نجيب محفوظ , أحمد زويل ) وأخر شخص قمت بضمه قريبا هو الشاب النابغة ( أحمد محمد
منصور ) الذى قتل برصاصة فى رأسه المفكر , أمام مجلس الوزراء مع الطبيب علاء عبد
الهادى والشيخ محمد عفت وأخرين .
ياه عائلتى كبيرة
وأفتخر بها , وأرص صورهم فى ألبوم خاص , فهى من أختياراتى المفضلة .
بعد مكالمة صديقتى .
عرفت معنى أن تكون
مهما فى نظر صديق أو أخ , ويقدرك كأنسان
وكعقل وكقلب كبير , هذه هى مأساتى وأفتقادى الدائم لمجدى الجابرى , فهو
الوحيد من المقربين الذى كان يعرف مكانتى ويحترمها ويحبنى بكل مابى من أختلافات وعيوب
," علو وتسامح وتفكير وحساسية شديدة ".
وكان يضحك ويتباهى
دائما بين أصدقائه : أصلكم ماتعرفوش صفاء كويس !
كذلك صديقتى أبتهال , كانت تقول دائما : أصلكم
ماتعرفوش صفاء كويس .
-------------------------------------------------------
-------------------------------------------------------
من أرشيف الذاكرة
أنا \أنت\هى أحيانا !
الحمد لله , عادت
صفاء , أكثر نضجا وشجاعة , خصوصا بعد الموقف البطولى الذى رأيته منها فى أدارة
الأزمة الصحية التى تعرضت لها .
بشجاعة وأيمان عميق ,
أدارة الأزمة , دون خوف أو تردد أو أستشارة أو الجؤ الى آخر مهما كانت درجة قرابته
.
1-
فى يوم أكتشاف بقعة الدم الثانية بملابسها الداخلية , ذهبت الى طبيب
الأورام . والذى قام بأجراء عملية جراحية لأبنتها فى العام الماضى . دخلت عليه بكل
ثقة وأطمئنان وقالت له : دكتور أنا أثق فى حضرتك , وأنك سوف تقول الصدق لى مهما
كانت فادحة , وسوف تقوم بواجبك كطبيب بارع أثق به .
نظر الطبيب ناحيتها مندهشا وفخورا وهو يبتسم : مدام صفاء أنا عمرى كذبت
عليكى , لقد عالجت أبنتك بكل وضوح وشفافية , وأنا بطبعى أقول الصدق ولا أخفى عن
مريضى شيئا , أحكى لى ماذا حدث ؟
وبعد الكشف الأكلينيكى بيديه الخبيرتين فى أكتشاف الورم وتحديد مكانه ونوعه
وحجمه , قام بعمل ( سونار ) سريع فأتضحت الرؤية وتأكدت ظنونه , ولكنه قال ببسمة
المتفأل : نعمل أشاعة مقطعية , لنحدد بدقة وأنا أثق فى مركز ( كايرو سكان ) هو صحيح غالى
الثمن , ولكنه دقيق النتائج .
هززت رأسى بالموافقة .
ومن مكتبه طلب السكرتيرة , فقامت بأجراء الحجز وتحديد الموعد .
وعندما خرجت من حجرة الكشف أبتسمت لى : مدام صفاء معادنا بكره الساعة
الواحدة ظهرا .
هززت رأسى بالموافقة وأنا أدفع المبلغ الكبير .
هذه أول سمات الثقة والشجاعة , ومواجهة الأزمات وأداراتها .
2-
كنت مكلفة برأسة لجنة, الدور الأول.
أديت عملى على أكمل وجه وبدقة وبدون أدنى شعور بالألم أو الأحباط , ولكن
أدرته من موقع المسئولية , وفى اليوم الأخير للجنة , كان هو يوم أجراء العملية ,
يوم الخميس 5يناير 2012 , قبل الموعد بساعة , أنصرفت فى هدوء وصمت .
3-
الموقف المالى , وكيفية المواجهة بمدخرات قليلة , ولكن عامل السرعة والزمن
كان ضروريا فى الحسم , فككت الوديعة البسيطة وهى ميراثى عن أمى , وكنت أدخرها
لزواج البنتين , فى اليوم التالى للكشف وضعت المبلغ كاملا على المكتب أمام الطبيب
, وأنا أحسب فى رأسى كم من الوقت المطلوب لجمع مثل هذا المبلغ الضخم ثانية , ولكنى
أبتسمت فى سرى , وقلت جاؤا من أجل هدف وتحقق بهم هدف آخر , لايهم , مازال العمر
أمامنا والتقسيط لن يخيب رجاء موظفة مثلى .
ابتسمت وأنا أدفع الباب خارجة , وأودع الألوف الورقية الراقدة على المكتب
فى صمت .
الناس فى فرح ياعظمة
السلطان !
--------------------------------------
الحمد لله على نعمة
النصر .
عندما ذهبت الى ميدان
التحرير يوم السبت ( بعد تنحى مبارك ) رأيت ما أضاف البهجة والعظمة على روحى ,
شباب مصر فريق يقوم بتنظيف الشوارع وغسل التماثيل فى الميادين , الأمهات يوزعن
حلوى على جميع الواقفين بلا أشتثناء , ولقد لمحت أسر كثيرة مصرية تقف فى تكتلات
تستطلع الموقف ثم بعد دقائق تندمج فى رقص جماعى ( الأب والأم والبنات والشباب ) ثم
يدخلون فى قلب الدائرة الجهنمية الفرحة يذوبون مع الراقصين ( المنتقبة بجوار
السافرة الأب بجوار الأبن البنت بجوار الأم , دون تحرش أو ضيق , العربات تمر فى
ثانية يتم أفساح الطريق , وتعود الدائرة للألتحام ثانية , أنها حالة من الصهر الحر
الواثق بأن ماهم فيه هو من صنع أيديهم الكريمة وأن هذا الفرح والذى يشبه الى حد
كبير ( فرح العمدة ) فى القرى هو من صنع أبناء مصر والهتافات الصارخة ( أرفع راسك
فوق أنت مصرى ) والرقص على أغانى ( محمد منير , وشادية , وعبد الحليم ) من جميع مكبرات الصوت لأول مرة
اسمع مكبرات الصوت وأشعر بنشوة دون الأحساس بالضجيج والضجر أو الأزعاج , ولكنها
مكبرات الفرح الجماعى , لأول مرة أرى الرقص المرتجل فى الشوارع وأيدى البنات فى
أيدى الشباب دون خوف أو حرج , لقد سقطت كل المخاوف والكبائر والصغائر .
يارب تظل هذه الروح
دائما !
هذه هى روح يناير ,
والشباب الذى ضحى بدمه وحياته فدائا لهذا الوطن الحبيب .
ولكن لا يستمر الفرح
طويلا .
لقد حدثت أنتكاسات ,
وألتف أعداء الثورة على الثورة وتم أختطافها .
وهذا هو ....
شارع عيون الحرية \
محمد محمود سابقا .
أطل علىّ بوجهه وشعره
المهوش وذقنه المتروكة والسيجارة فى يده , كان يقف على مبعدة , يستمع الى الخطاب
النخبوى ويضحك , ضحكة الأنبياء العجزة .
وقفت منفردة وحيدة
وسط الأنتليجيسيا المثقفة , كنت أعقد يدىّ على صدرى , مثلما كان يفعل جدى الكاهن
القديم فى معبد ( أون )وهو يتلو الصلوات
مع الكهنة المرتلين .
كنت مصره على أن
أتجول فى ميدان التحرير ليلا وأشاهد عن قرب ما يحدث , ربما تكون هذه آخر زيارة لى
, فأطمئن على الحياة أنها بخير . كان الليل يرخى سدوله , والساعة تقترب من العاشرة
مساء فى شتاء يناير .
يناير أحب الشهور
وأقساها .
يالا القسوة التى
أعانيها من الوحدة والحزن !
لماذا كلما كتبت شيئا
ينط الحزن أمامى واقفا , أننى أقترب الآن من شارع محمد محمود والذى دارت فيه أخر
المعارك الطاحنة فى أحداث نوفمبر بين الشرطة والجيش والثوار , قبل أحداث مجلس
الوزراء .
أقتربت من الصينية ,
وجلست بالقرب من بائعة تصنع الشاى على نار الحطب , كانت رائحته جذابة للغاية .
جلست جوارها على سجادة مصنوعة من القماش , وقلت لها بهدوء وخوف : مساء الخير ياحجة
, ممكن كوباية شاى . سادت لحظة صمت , أدركت كلامى
بسرعة وقلت : هادفع تمنها .
نظرت نحوى بأستغراب ,
وأخذت تتفحص وجهى للحظات ثم أبتسمت وهى تصب الشاى فى الأكواب : أنا بعمل الشاى
للثوار مجانا , أنت من الثوار ؟
أبتسمت , ومددت يدى
أخذت الكوب الساخن بين يدىّ , وأخذت أتدفئ على نار الخشب والصهد يبعث حرارة شديدة
فى المكان .
جاء رجلين الى جوارى
, وأخذا يتحدثان , ثم نظر أحدهما تجاهى وقال : حضرتك صحفية ؟
هززت رأسى نفيا ,
ولكن قلت بتلعثم : أنا كاتبة .
ضحك الآخر وهو يمد
يده ويأخذ كوبا من الشاى الساخن : أه حضرتك كاتبة وبتكتبى فين , فى الأهرام ولا
الأخبار ؟
كتمت غيظى وقلت له :
لأ . أنا كاتبة زى نجيب محفوظ كده ياعنى .
ضحكا الأثنان معا
وهما ينظران نحوى بريبة وخوف : طيب وأيه اللى جابك الميدان بالليل , أنت بتباتى
هنا .
هززت رأسى نفيا وضحكت
: أنا مديرة مدرسة هنا فى شارع 26 يوليو وكل يوم منذ الثورة أمر على الميدان ,
وأجلس مع الثوار , ثم أنصرف .
أخذنا الحديث طويلا
بعد أن أطمئنا كل منا للآخر , وحكيا لى عن أزمتهما المالية بعد ضرب السياحة , وقال
لى الأكبر سنا أنه كان لديه بزار صغير هنا بجوار على بابا ولكن أغلقه بسبب الثورة
, وهو ليس ناقما عليها , ولكنه يأتى كل يوم ويجلس بين الناس ويشكو همه مثلهم .
أنتهى كوب الشاى , وأشتعل الجو من حولنا بضحكات وأغانى عالية , وتقدم الوقت
وكوب وراء كوب , ثم أنصرفت وأنا أشد على أيديهم , ورفضت المرأة العجوز أن تاخذ منى
ثمن الشاى , وقالت : لا والله وحياة الشهدا , أبدا مايحصل , ثم أخذت تدعو لى و أنا
ابتعد بعيدا عنها .
جنازة مهيبة تليق بى .
منذ فترة قريبة ,
وأنا أصنع سيناريوهات متعددة عن طريقة وكيفية موتى , ودفنى , ومن سيسيرون ورائى ,
وأخذت أتخيل كم المعاناة التى سوف يتأثر بها بناتى , وأبى , وأخواتى , وقليل من
الأصدقاء أو الصديقات ,
ولكن كنت دائما أطرد
من مخيلتى هذه الأفكار الخبيثة والسوداء , خاصة وأننى والحمد لله أتمتع بصحة جيدة
, وأعيش حياة بها بعض الرغد والطرف , برغم قسوة الوحدة والظروف الأقتصادية والأجتماعية
, ولكن المال يشكل عندى مرحلة رابعة فى ترتيب أولويات حياتى .
بناتى أولا , ثم كتاباتى وأهلى , ثم عملى , ثم
المال .
والرجلان يسحبان
الترولى داخل الأسانسير .
وورائهم يجرى أخواتى وبناتى وأهل مجدى , وزميلاتى
فى العمل , كنت أسأل نفسى سؤالا عميقا , وبكل حزن وشفافية , " هل وضعت السلم
على الجدار الخطأ ؟ هل مازلت أحرث فى البحر ؟ هل ضللت الطريق الصحيح بعد رحلتى
الطويلة فى الحياة ؟"
كانت الأضواء
المنبعثة من اللمبات المعلقة فى السقف تشوش أفكارى الهادرة , وضعت ذراعى على
عينيىّ كى أحد من شدة الضوء , و سألت نفسى ثانية , " ماذا تركت ورائى ؟"
جاءت الأجابة سريعة
ومنبعثة من أعماقى الداخلية دون تشويش أو محاباة أو تملق , كانت لحظة صدق حقيقية
مع النفس !
" لقد تركت كل
شىء ."
وكان هذا واضحا وجليا
من نظرات الحب والتودد والأعجاب والدعوات الصادقة من القلب والمصاحبة لى طوال
الممر من أعين المحيطين بى , لقد لمست الحب عن قرب , وأنا التى كنت أظن , أننى
أحرث فى البحر !
وجاءت كلمات "
جوزيف أديسون " وأنا أمر بين الممرات العديدة و الملتوية للمستشفى على عربة الترولى والجميع حولى , والرجلان يدفعان الترولى بقوة وسرعة , ربما
يسابقان الزمان , أو يدفعانى تجاه حدفى !
دون أدراك .
ولكن كانت الكلمات تطن وتطن فى أذنى,
" عندما أنظر الى قبور العظماء يموت بداخلى
أى شعور بالحسد , وعندما أقرأ العبارات الجميلة المكتوبة عليها تذوى بداخلى كل
الرغبات الجامحة , عندما أرى عيون الأباء تقطر حزنا عند القبور ينفطر قلبى تعاطفا
معهم , وعندما أرى قبور الأباء أنفسهم , أفكر فى عدم جدوى الحزن على هؤلاء الذين
سنلحق بهم سريعا , وعندما أرى الملوك يرقدون جنبا الى جنب مع هؤلاء الذين انتزعوا
منهم الحكم وأرى المتنافسين أو الرجال
الذين قسموا العالم بسبب افكارهم وأثاروا به النزعات يرقدون جنبا الى جنب أتدبر
بحزن ودهشة المنافسات والصراعات والمناظرات بين الجنس البشرى .
وعندما أقرا التواريخ
المختلفة المكتوبة على القبور لبعض الذين توفوا بالأمس والذين توفوا منذ مئات
السنين أفكر فى يوم القيامة حيث سنحشر جميعا ."*
كانت آخر جملة ترهقنى
, وتعجبت من حفظى , وتذكرى للمقطع كاملا , ثم أفقت على صوت طبيب التخدير وهو يسأل
: مدام , عندك حساسية ضد أى نوع دواء معين ؟
تعانين من السكر أو
الضغط ؟
كنت أهز رأسى , أشارة
على كلمة لا .
ثم أخذ يبحث عن مكان
بظهر يدى لوضع حقنة التخدير , وسألنى هى العملية فى الناحية اليمنى , أقصد الثدى
الأيمن ؟
هززت رأسى علامة على
كلمة نعم .
على حدود الذاكرة
لمحت امرأة بدينة تقف على مبعدة وظهرها لى , أمام منضدة كبيرة تجهز بعض الأشياء
الغير واضحة , ثم استدارت , وجاءت ناحيتى كى تعدل نومى على منضدة العمليات , ثم
ربتت على كتفى بحنو أمومى : متخافيش , سليمة بأذن الله .
هززت رأسى أيمانا
وتصديقا على قولها وأبتسمت , و بعد لحظة , فى أغفاءة خاطفة , رأيته " بشنطته التقيله المخدله كتفه وشعره
المهوش وذقنه المتروكه على الآخر , "واقفا يبتسم , عاقدا ذراعيه على صدره ,
ويمد يده ينظر ناحية طبيب التخدير وهو يحقننى , ثم سمعت صوت الطبيب , كان بعيد ,
بعيدا , وهو يقول لى : مدام صفاء ريحى أيدك هنا , وأشار ناحية ذراع للمنضدة ممدودة
, لمحت على مدى حدود الرؤية والدخول فى الغيبوبة , يده تمتد نحوى وتأخذ يدى برفق وتمسكها بقوة
وخوف وحنان وتقبلها , وهو مازال يبتسم .
لقد عرفته ولكن عجز لسانى عن نطق الكلمات , أصبح ثقيلا , ثقيلا , بعيدا , بعيدا ,
والأشياء من حولى تتداخل , وتتداعى , ثم تختفى , ألا قبضة يده , ظلت واضحة وقوية ,
وقابضة على يدى بقوة وممسكة بها .
كان صوت آذان العصر
هو آخر صوت سمعته والمؤذن ينادى الله أكبر , الله أكبر .
وأنا أدخل فى غيبوبة طويلة و لا أدرى ماذا حدث
أثنائها .
أفقت بعدها على صوت
الطبيب وهو ينادى : مدام صفاء , مدام صفاء , أنت سمعانى ؟, أنا دكتور ضياء .
كان الصوت بعيدا جدا
, وأنا أحاول أن أخرج من قاع البئر الذى سقطت فيه , وأعافر , أعافر , أسقط ثم أعيد
المحاولة مع كل نداء .
فتحت عينيى بعد جهد
كبير , وكان غبش النهار ينزوى وتتداخل الخيوط السوداء والبيضاء أمام عينيى .
لم ألحظ سوى وجه
الطبيب وهو يبتسم وكان وجهه يعوم وسط طبق به ماء كثير : الحمد لله , حمدلله على
السلامة , الورم طلع حميد , أنت سمعانى يامدام صفاء .
أنت بخير .
هززت رأسى بنعم .
كانت يداى معقودتان
على صدرى برفق .
لمحت عن بعد نفس
الأبتسامة التى أغلقت عليها عينيى , ونفس عقدة الذراعين .
ثم دخلت فى غيبوبة
أخرى , لم أعد أسمع أو أرى .
ماذا حدث بعد ذلك ؟
أفقت ثانية على صوت
الآذان , ونفس صوت المؤذن وهو ينادى : الله أكبر , الله أكبر .
فتحت عينيى من بين
دغباشات عدم وضوح الرؤية , أبحث عن الوجه الباسم والذراعين المعقودين , لمحته عن بعد
يجلس على طرف السرير ويبتسم , فقط يبتسم , ثم أختفى بعيدا , بعيدا , دخل تجاه
الحائط . وأنا أناديه , وأبحث عنه ,
وأطالب بعودته , وهو يبتسم ويختفى , يبتسم ويختفى , ويختفى .
ودخلت فى غيبوبة أخرى , وأصوات ووجوه متداخله ومتشابه , أنها غير واضحة ,
لكنها تشبه وجوه من كانوا حولى , عندما أخذنى الرجلين على الترولى , وكانوا يجرون بى
فى الممرات العديدة والملتوية .
هامش
--------
* نص رسالة من الشهيد
, وماكتب أو قيل عن أحمد محمد منصور
,مأخوذ كاملا من مواقع على النت , والفيسك بوك وتويتر ويوتيوب .
* كتاب العادات السبع
للناس الأكثر فعالية , تأليف : ستيفن آر كوفى .
( تمت )
15 مايو 2012