الثلاثاء، 26 يونيو 2012

سيدة المكان ( قصة قصيرة )

دفعنى ودخل ..
ورايتنى وجها لوجه أمام بيت قديم , عشت طويلا أبتعد عنه كلما مررت , وكلما طرأت مهمة تستدعى أن أهبط الى مكان طفولتى ..
أهرب ..
وهكذا دفعنى الولد ..
وقفت انظر . لقد شاخت ملامحه , تهدلت , صدأ بمرور السنين , صار وماديا هشا , لونا غريبا علىّ .. كأنى أراه للمرة الأولى , سرت فى الشارع , حاولت المراوغة و حاولت الهرب . ولكنه دفعنى .
ووجدتنى مندفعة بقوة لا أرادية أصعد السلم , أتأمله , درجاته كالحة , عندما تركته منذ أكثر من عشرين عاما , كان ذا طابقين متواضعين , ومدخلا كبيرا واسعا .
سمعت صوت العيال تصوصو فى الأمسيات البعيدة , وأنا أقف على الحجر الكبير , ألعب مع صاحباتى , لعبة الأستغماية , ونختفى ونهرب .
"خبى ديلك ياعصفور بين القمح وبين الفول "
نتوارى خلف الأبواب , وتحت البلكونات الواطئة .
كان شارعنا طيبا , طيبة العجائز فى الحكايات القديمة , وأمى تفتح باب خزانتها وتخرج الحكايات ( لول بنت الغول , الضبع , ست الحسن والجمال ) أمى تحكى ونضحك , وتخيط لنا قمصانا شتوية , نرتديها ونتدفأ بها .
كانت تصنع لى يوما قميصا أبيض للنوم , قالت : أنه كان قميش نومها ليلة الدخلة , ولم ترتده بعدها لأنها تزوجت وسط عيلة ( خدى ياوزة .. وقولى لى ايه رأيك ) لأمى بسمة ودودة طيبة , تفتح بها قلوبنا الصغيرة , فنحكى لها اسرارنا البسيطة مثل طيبتها , نحكى عن أحمد والبنت سعاد , نحكى عن عمى صابر واخذه بقايا الأكل , نحكى عن تحية العلم , وعن أستاذ الألعاب والحساب وتلاميذ الفصل .
وتدخل أمى ضمن حكاياتنا وتبتسم , تعلمنا كيف نرد الأقلام الصغيرة , وماسرقناه من طباشير الى مدرسة الفصل .
تحكى لنا عن ( الجنة والنار ) والسرقة والعذاب وضمائرنا الصغيرة تخزن نصائحها وضحكاتها . كنا نتمرغ أمامها على الأرض مهلين ( هيه  هيه ) فتخرج من ثديها لبنا طازجا , وتطعمنا , كنا نشبع ونحمد الله , وتهش فى وجوهنا ( تصبحوا على خير ياحبيبى ) ننام مطمئنين هادئين , أرضينا ضمائرنا الصغيرة .
وتركنا على عتبات قلب أمى أوزارنا الصغيرة .
وهى تستغفر لنا سعيدة ( أستغفر الله العظيم )  وتدعو لنا بالنجاح والعافية .
أمى القروية الطيبة , صاحبة خمسة أطفال ترضعهم لبنا طازجا كل يوم من ثديها , وتدعو لهم بطول العمر والعافية , تسهر الليل تواصل حكيها , تروى عن أيام طفولتها وتضحك :" والله العيال فكرونى بزمان " تزم شفتيها وتكمل خياطة الملابس , ومن آن الى آخر تبتسم :" يخرب شيطانكم يادى العيال , فكرتونى بزمان " تقطع طرف الخيط بأسنانها , ترشق الأبرة فى شعرها , تقوم تصلح ما أفسدناه
و تغسل الملابس , تكنس الحجرة , تجهز العشاء .
- شوفى ياوزة اللى فات كوم واللى جاى كوم تانى خالص .
يدخل أبى هادئا و متباطئا
- مساء الخير ياوزة  , لسه بتذاكرى ؟
تضع أمى الطعام يسألها فى هدوء
العيال ناموا ؟
- ناموا ياخويا من بدرى
- اتعشوا
- اتعشوا
يأكل . تطفىء النور , تنام هادئة مطمئنة , تغمض عينيها .
- الحمد لله .


                                               ( نشرت فى مجلة نص الدنيا نوفمبر 2000 )

قصة فأل سئ

  فأل سئ لا أعرف بالضبط ماذا حدث لي؟ منذ ليلة أمس وأنا تنتابني حالة من العراك والغضب الزائد، لقد ألغيت لقاءً كان مهما بالنسبة لي في العم...

المتابعون